تقارير

أسمى طوبى.. نموذج المثقف العضوي النسائي الفلسطيني

اهتمت أسمى طوبى بقضايا المرأة وشاركت وأسست حركات وطنية ضد الاحتلال

لم تكن الثقافةُ يوماً وليدةَ القصور ولا حبيسةَ المكاتب، بل كانت الثقافةُ الحقيقيةُ دوماً جزءاً أصيلاً من الشعب، فإذا لم تكن من الشعب والميدان، فستكون غريبة عنه وضعيفة التأثير فيه.

وعلى المثقف أن يكون مثقفاً عضوياً فاعلاً (أو مثقفاً مشتبكاً، كما قال البطل باسل الأعرج)، أي أن يكون قائداً، وهو يستطيع ذلك، نظراً لعمقه وسعةِ ثقافتِه ومعرفتِه، وقدرتِه على دراسة الواقع. أما إذا أراد أن يكون صاحب قلم من دون رأي، وصاحب دفتر من دون موقف، وصاحب نظريات من دون ريادة، فلن يكون عند ذلك مؤثراً بالناس الذين يأملون منه الإنجازات والتوعية والارتقاء بالحالة الشعبية.

في فلسطين، لم يأخذ المثقف الطوباوي شهرة في مجتمع مقاوم ومكافح، بل لقد قاد الجماهيرَ مثقفون ميدانيون فاعلون، تزعموا المظاهرات وشاركوا في المقاومة.

الأديبة الشاعرة أسمى طوبى، موضوع وقفتنا الأسبوعية في هذا القسم الهوياتي من صحيفتنا السيارة "عربي21"، لم تكتفِ بالقلم والقصيدة والمقالة، بل انتقلت إلى الميدان في الريادة والتخصص. فخصصت أعمالها الصحفية لقضايا المرأة، وقادت العمل النسائي في عكا وفلسطين. وحملت رسالتها المندمجة مع قضيتها بعد النكبة إلى لبنان والخارج.

باختصار، اهتمت بقضايا المرأة وشاركت وأسست حركات وطنية ضد الاحتلال، وأُذيع لها الكثير من البرامج الإذاعية على الأثير، وحرّرت الصفحة النسائية أو الأدبية في العديد من المجلات والجرائد، ونُشرت لها مؤلفاتٌ ومترجمات وديوان شعر وكتب بالأنجليزية، وساعدت في الحركة الوطنية الفلسطينية وجمعت تبرعات لها. وامتاز شعرها بأنه كان موجهاً بشكل أساسي للقضية الفلسطينية وتصوير معاناتها وتبجيل الكفاح والوطنية. 

عملت جاهدة لمساعدة بلادها في ظروف الحرب، حيث شاركت في تأسيس "الاتحاد النسائي العكي"، وصارت رئيسة له في أواخر عهد انتداب الاحتلال البريطاني لفلسطين، وشغلت منصب رئيسة الاتحاد النسائي العربي في فلسطين..

وشاركت في أحداث فلسطين وهي في لبنان بتقديم الأحاديث الإذاعية. واتجهت لجمع التبرعات عبر الحفلات وتنظيم حفلات التبرع، وتجنيد فرق الإسعاف التطوعي، منحت الوسام اللبناني الرفيع "قسطنطين الأكبر" سنة 1973. وعلى وسام "القدس للثقافة والفنون" عام 1990.

قال عنها جهاد أحمد صلاح في كتابه "أسمى طوبى رائدة الكتابة النسائية في فلسطين": وهكذا كانت أسمى طوبي، كما أرادت أن تكــون؛ حرة في وطنيتها أولاً، وحرّة في مجالات الإبداع والكتابة التي مارســتها ثانياً، وحرة في إنســانيتها ممثلة في قضية المرأة ثالثاً.

من هي أسمى طوبى؟

ولدت الأديبة الشاعرة أسمى رزق طوبى في مدينة عكا سنة 1905، وانتقلت إلى الناصرة للدراسة في مدارسها، ثم عاشت معظم حياتها في لبنان وتوفيت فيه، وهي تُعتبر من رواد كتاب المسرح الفلسطيني، ومن أوائل النساء كاتبات المسرح الفلسطينيات.

كان أبوها شاعراً، وبعد أن أكملت دراستها الابتدائية، أكملت بدراسة اليونانية، بعد ذلك رحلت إلى عكا مع زوجها الذي ينتمى إلى عكا. أرادت أسمى أن تكون شاعرةً في سن مبكرة، فبدأت مشوارها الأدبي وهي بنت أربعة عشر عاماً، فعمدت إلى تثقيف نفسها وانهالت على الثقافة الشعرية ودرست القرأن لتزيد من حصيلة اللغة العربية عندها. 

 

وفي سن صغير شاركت في "اتحاد المرأة" في مدينة عكا وأصبحت ناشطة بها بين عامي 1929-1948، وبموازاة عملها الصحفي في تحرير الصفحة النسائية في جريدة "فلسطين"، وانضمت إلى "جمعية الشابات المسيحيات" وتولت رئاسة "جمعية الشابات الأرثوذكسيات". وترأست الحركة الوطنية النسائية في منطقة عكا. وإبان أحداث النكبة عام 1948، رحلت إلى لبنان مع عائلتها عام 1948، واستكملت عملها في فلسطين، فعملت في الصحافة والإذاعة.

استقرت مع أسرتها في بيروت، واستأنفت نشاطها فأذاعت الأحاديث من الإذاعة اللبنانية، وكتبت في دوريات متعددة، منها "الحياة" و"كل شيء"، ومجلة "الأحد" الأسبوعية، ومجلة "دنيا المرأة" الشهرية، وكانت أبرز مواضيعها عن فلسطين والمرأة والإنسانيات.

العمل المسرحي

في منتصف العشرينيات، بدأت بكتابة المسرحيات وتميزت، وكانت المرأة الوحيدة التي كتبت المسرحيات قبل النكبة، وجعلت منزلها مكاناً لتمرين الممثلات على أدوارهنّ في المسرحيات. وكانت تموّل اتحاد المرأة من مداخيل المسرحيات. وقد كتبت طوبى عدداً من المسرحيات، وهي: أصل شجرة الميلاد (3 فصول). مصرع قيصر روسيا وعائلته (5 فصول) ـ عكا 1925. صبر وفرج (3 فصول) ـ عكا 1943. نساء وأسرار (4 فصول). شهيدة الإخلاص (3 فصول). واحدة بواحدة (فصل واحد). القمار (فصل واحد).

العمل الإذاعي

ساعدها زوجها وشجّعها على العمل الإذاعي الذي لم يكن اختياراً متاحاً لكثير من النساء فعملت في مجالات عدة وتميزت بها. واغتنمت فرصة العمل الإذاعي فكان لها عدة أحاديث إذاعية مشهورة في إذاعات فلسطين ولبنان منها: الإذاعة الفلسطينية، وإذاعة هنا القدس، وبعد عام 1948 أذيعت أحاديث لها في محطة الشرق الأدنى، وعبر إذاعة بيروت. 

ركّزت أسمى أعمالها على الصحافة والدراما والترجمة. أما موضوعاتها فشملت الوطنيات والإنسانيات والنسائيات والخواطر الوجدانية والتأملات. وقد جُمعت جميع المقالات المنشورة لها في كتاب "أحاديث من القلب" في بيروت عام 1955. كما أصدر عدداً من الأعمال النثرية، منها:
 
على مذبح التضحية، جزآن، عكا 1946. الفتاة وكيف أريدها، عكا 1943. عبير ومجد، بيروت 1966. نفحات عطر، مقالات، بيروت، 1967. "المرأة العربية في فلسطين" 1948.

كما ترجمت طوبى عدداً من الكتب الأجنبية منها: الابن الضال (رواية). الدنيا حكايات. في الطريق معه.

يُعدّ كتابها الأشهر "عبير ومجد" من أهم المراجع عن المرأة الفلسطينية، ومن اوائل الكتب التي اعتمدت على الذاكرة الشفوية، إذ احتوى مقابلات مع النساء اللواتي اختارتهن من شتى الميادين، فكتبت عن تجربة كل منهن كما سمعتها. 

مع الشعر

جمعت أسمى طوبى قصائدها القديمة والحديثة في ديوان بعنوان "حبي الكبير" وكان على غلافه خريطة فلسطين أصدرته دار الآداب في بيروت عام 1972.

في شعرها تتكلم عن الأمل والمستقبل الوطني وتعظيم الشهادة والجهاد من أجل الوطن واستيحاء ما تمرّ به فلسطين، وتحاول أن تؤرخ تلك الفترة بمعالمها القاسية في قصيدة حية وترسم رسماً عاطفياً رومانسياً للفدائي. تكتب قصيدة وتتكلم عن مراحل عمرها. شعرها يميل إلى النمط السائد في الشعر في عصرها..


توفيت الأديبة الصحفية الناشطة الشاعرة أسمى طوبى في بيروت عام 1983.

من أشعارها

لن تهون
أيها النسر الذي حلَّقَ 
يمحو بجناحِهْ
عارَ الاِستسلام والذلِّ
حمى الله جناحَهْ
أيها الليثُ الذي يزأر في
حَلَكِ الليالي
لا يبالي
يا فدائي من بلادي
 لن تهونْ

**

يا فدائيْ من بلاد الأنبياءْ
من حدود الشمس كبراً وإباءْ
تفتدي القدسَ بأنهار الدماءْ
تفتدي أرضَ الجدودْ
يا فدائي من بلادي
لن تهونْ

**

يا فدائيْ
 كل عرقٍ فيك ينبضْ
لن نهونْ
ونشيدُ الثأر من وغدٍ عدا
 من تتارٍ قذفَتْهم أرضُ قومٍ
فأتوا كي يسرقوا أوطاننا
 مزّقوا أطفالنا
 علّموا العالمَ معنى الظلم
 معنى الهمجيّهْ
 فأجبنا حيثما يوجد ظلمٌ واعتداءْ
فهنا يحلو الفداءْ

* كاتب وشاعر فلسطيني