قضايا وآراء

بوتين والسيسي.. الاستبداد ملة واحدة

1300x600
لم يكن غريبا أو مفاجئا أن يتبارى أنصار المشير السيسي في دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ اللحظات الأولى لبدء غزوه لجارته أوكرانيا، فالاستبداد والمستبدون وأنصارهم ملة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.

لم ينتظر أنصار السيسي الموقف الرسمي للنظام، فسارعوا إلى إعلان تأييدهم لغزوة بوتين، وتقديم المبررات السياسية والقانونية والأمنية لها، وحتى حين أعلنت الدولة موقفها الرافض للغزو في الأمم المتحدة فإن أولئك الأنصار اعتبروا ذاك الموقف محض "تورية"، أو "ضحك على الذقون" لتجنب غضب أمريكا والمعسكر الغربي فقط، ورأوا أن الموقف الحقيقي هو الاصطفاف مع الروس، وسارعوا بتشكيل وفد ضم عددا من نواب البرلمان ينتمون لتنسيقية شباب الأحزاب التي يهيمن عليها حزب النظام (مستقبل وطن) لزيارة السفير الروسي في القاهرة وتأكيد دعمهم لبلاده، وهو الدعم الذي يظهر بكثافة في حسابات أنصار السيسي في مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحاتهم الإعلامية.

لا يقتصر الأمر على أنصار السيسي التقليديين بل يضم أيضا قطاعات واسعة من الناصريين واليسار المصري (ليس الجميع بطبيعة الحال فالتعميم مرفوض)، والرابط الوحيد بين كل تلك الفئات هو دعم الاستبداد، فهم يدعمون السيسي في مصر، ويدعمون بوتين في روسيا، ويدعمون بشار الأسد في سوريا، وهكذا كلما ظهر مستبد فهم جاهزون لدعمه وتبرير استبداده.
بين بوتين والسيسي تشابه كبير، فكلاهما ضابط مخابرات سابق، وبالتالي فكلاهما يؤمن بالقبضة العسكرية ويحمل النزعة الاستبدادية، كما يتبنى تصورات هلامية عن قوة الدولة، والتي تتمثل في نظره في قوة قبضتها الأمنية، وهما بالتبعية لا يؤمنان حقا بالديمقراطية والحرية

بين بوتين والسيسي تشابه كبير، فكلاهما ضابط مخابرات سابق، وبالتالي فكلاهما يؤمن بالقبضة العسكرية ويحمل النزعة الاستبدادية، كما يتبنى تصورات هلامية عن قوة الدولة، والتي تتمثل في نظره في قوة قبضتها الأمنية، وهما بالتبعية لا يؤمنان حقا بالديمقراطية والحرية، والتنافس السياسي الحر.

ربما الفارق الوحيد بين الشخصين هو وصول السيسي إلى السلطة عبر انقلاب عسكري فج صيف العام 2013، بينما وصل بوتين عبر عملية انتخابية، وإن جرى تمهيد كل الطرق له للفوز بها، فقد استقال سلفه الرئيس بوريس يلتسين بسبب المرض، وقبل أن يغادر السلطة عين بوتين رئيسا للوزراء فنائبا للرئيس لتنتقل إليه السلطة بشكل تلقائي لإكمال مدة سلفه عام 1999، وليكون المرشح الأوفر حظا المدعوم من كل مؤسسات الدولة في انتخابات 2000.

لم يكتف الجنرالان بما تضمنه الدستور في بلديهما من مدتين رئاسيتين كحد أقصى للحكم، فقام السيسي في العام 2019 بتعديل الدستور ليضيف لنفسه عامين بدون انتخابات، وليمدد فترات الرئاسة إلى ست سنوات بدلا من أربع سنوات، وليفتح لنفسه الباب للاستمرار في الحكم حتى العام 2030، وهو ما قلده فيه الرئيس بوتين الذي عمد في العام 2020 لتعديل الدستور بما يفتح الباب له للبقاء في السلطة حتى العام 2036 (حكم دورتين متتاليتين بين 2000 و2008، وكان لا يستطيع الترشح بعد الدورتين فقدم رئيس وزرائه مدفيدف كمحلل لدورة واحدة بين 2008 و2012 تولى هو خلالها رئاسة الوزراء، ثم عاد للترشح للرئاسة مجددا في 2012 واستمر حتى الآن. وبعد التعديلات الدستورية فإن الباب مفتوح أمامه حتى العام 2036).

ليس هذا هو المظهر الوحيد للاستبداد، بل إن كلا الشخصين نكلا بخصومهما، إلى حد القتل. جرائم السيسي بحق معارضيه من قتل وتهجير واعتقال ومطاردة معروفة للجميع، ولم يسلم معارضو بوتين من التنكيل والقتل أيضا، حدث ذلك لبعض الصحفيين والسياسيين، ولعل الجريمة الأبرز هي تسميم زعيم المعارضة الروسي نافالتي الذي يعالج من ذلك التسمم في محبسه حتى الآن.
ق السيسي وكل الحكام المستبدين وأنصارهم في المنطقة بأن انتصار بوتين هو انتصار لهم وللقيم التي يحكمون بها، ولذا يتمنون فوزه سرا أو جهرا، ويتفق معهم في هذه القناعات معارضو الاستبداد أيضا، ولذا يتمنون هزيمته جهرا وفورا

لا يخفي السيسي إعجابه بالرئيس الروسي بوتين إلى درجة حرصه على ارتداء بدلات وربطات عنق مثيلة له خلال لقاءاتهما المشتركة، وكم كان السيسي يود لو تمكن من إعلان دعمه له في حربه الأخيرة، لكن زمجرة واشنطن منعته، فترك إعلامه وكتائبه الالكترونية للقيام بتلك المهمة. والغريب أن بوتين لم يرد التحية للسيسي بمثلها، فحين سقطت الطائرة الروسية وسط سيناء في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ومات أكثر من مائتي راكب على متنها، فإن بوتين لم يغفرها لصديقه السيسي بسهولة، وأوقف الرحلات المدنية إلى مصر حتى تعهدت بتعويضات للضحايا في العام 2021 فعادت الرحلات الروسية تباعا.

يثق السيسي وكل الحكام المستبدين وأنصارهم في المنطقة بأن انتصار بوتين هو انتصار لهم وللقيم التي يحكمون بها، ولذا يتمنون فوزه سرا أو جهرا، ويتفق معهم في هذه القناعات معارضو الاستبداد أيضا، ولذا يتمنون هزيمته جهرا وفورا، ولا يعني ذلك أبدا انحيازهم للطرف المقابل أي المعسكر الغربي وفي القلب منه حلف الناتو، فالمواقف بالنسبة لهم ليست أبيض أو أسود، أو هزيمة طرف مقابل انتصار طرف، فقد يتعرض الطرفان للاستنزاف، حتى لو كانت جرعته لدى طرف أكبر أو أقل من الطرف الآخر، وهذا هو الأمل المنشود.

twitter.com/kotbelaraby