يبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تسببت في تأجيل قرار رفع سعر
الخبز المدعم في
مصر الذي يُصرف على
بطاقات التموين ويستفيد منه 71 مليون مواطن بسعر 5 قروش للرغيف؛ بسبب القفزة الكبيرة
في أسعار القمح عالميا، والتخوف من ردود فعل الشارع في ظل حالة الاحتقان لدى غالبية
المواطنين من
غلاء الأسعار.
وتوفر
روسيا وأوكرانيا معًا نحو ثلث إمدادات القمح في العالم، واستوردت مصر، أكبر مستورد
للقمح في العالم، نحو 50% من احتياجاتها من القمح من روسيا العام الماضي، و30% من
أوكرانيا، أي نحو 80% من إجمالي واردات مصر من القمح.
ارتفاع
أسعار القمح سيزيد من كلفة الواردات بمقدار مليار دولار في ميزانية العام الجاري، بحسب
وزير المالية المصري محمد معيط، وتستورد مصر نحو 13.8 مليون طن سنويا، بينما يبلغ الاستهلاك
المحلي، قرابة الـ22 مليون طن سنويا.
وكان
المسؤولون المصريون أكدوا مرارا ضرورة رفع سعر رغيف الخبز المدعم بناء على توجيهات
رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، لتخفيف الأعباء المالية عن الحكومة التي تتحمل
قرابة الثلاثة مليارات دولار سنويا لاستيراد القمح.
وفي
آب/ أغسطس الماضي، أثار السيسي لأول مرة مسألة دعم رغيف الخبز قائلا: "ليس من المعقول
أن تبيع الحكومة 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة"، في إشارة إلى أن سعر رغيف الخبز
5 قروش في حين أنه يكلف الدولة 60 قرشا. (الدولار يساوي 15.70 جنيه).
توجس
حكومي وترقب شعبي
لكن
يبدو أن استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا ونقص إمدادات القمح وارتفاع أسعار النفط،
وغلاء أسعار السلع الأولية والغذائية أجبر السلطات المصرية على إرجاء القرار الملح
تحسبا من غضب الشارع الذي يئن تحت وطأة غلاء الأسعار يوما تلو الآخر.
وحرص
السيسي على القيام بجولة تفقدية في أحد أحياء القاهرة ولقاء عدد من المواطنين من خلال
تواجده بسيارته الخاصة، والتأكيد على ضرورة عدم زيادة أسعار الخبز الحر غير المدعم،
وتكليف وزارة التموين بتشكيل لجنة تسعير رغيف الخبز الذي قفز 50 بالمئة بسبب ارتفاع
أسعار الدقيق، في إشارة إلى عدم رغبة الحكومة في رفع أسعار الخبز حاليا سواء الحر الذي
لا تشرف عليه أو المدعم الذي تنتجه.
وبعد
خروج سوق الخبز غير المدعم عن السيطرة وارتفاع سعره 50 بالمئة، حذرت أستاذ الاقتصاد
بجامعة القاهرة وعضو المعهد القومي للتخطيط، شيرين الشواربي، من تضرر نحو 27 مليون
مواطن خارج منظومة الدعم التمويني، مطالبة بعدم تركهم لحالة الصدمة السعرية التي يعاني
منها سوق الخبز بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
إرجاء
قرار رفع سعر الخبز المدعم
وكشف
نواب بالبرلمان المصري عن نية الحكومة المصرية التراجع عن قرار تقليص الدعم عن الخبز،
وإعادة التفكير مجددا في تحريك سعر الخبز المدعم خلال موازنة العام المالي الجديد المقرر
بدايته في أول يوليو/ تموز المقبل وحتى نهاية حزيران/ يونيو 2023.
وقال
عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، محمد بدراوي، إن تداعيات الحرب الروسية وموجة
التضخم وزيادة أسعار السلع الأساسية أجبرت الحكومة على تغيير خططها، مضيفًا أنه بسبب
تلك الظروف تراجعت الحكومة عن عدد من الإجراءات الخاصة بملف تقليص الدعم، من بينها
التفكير في تحريك سعر الخبز المدعم خلال موازنة العام المالي الجديد.
وأشار
بدراوي، في تصريحات صحفية، إلى أن الخبز المدعم لن يتحرك سعره وسيظل بخمسة قروش لمدة
لا تقل عن سنة من الآن، حتى في الموازنة المقبلة، وأوضح أن الحكومة ليس أمامها في الوقت
الحالي سوى توجيه نسبة كبيرة من احتياطي الموازنة للدعم بدلًا من الاستثمارات، مع وضع
موضوع تسعير السلع الأساسية كأولوية قصوى.
الخبز
سلعة سياسية
يعد
الخبز سلعة استراتيجية للمصريين؛ لأنها المكون الرئيسي في وجباتهم، بحسب مستشار وزير
التموين والتجارة الداخلية سابقا، الدكتور عبد التواب بركات، قائلا إن "الحكومة سوف
تضطر للتدخل بفتح الاعتماد لاستيراد القمح للقطاع الخاص ولهيئة السلع التموينية لأن
الخبز سلعة استراتيجية وسياسية، ونقص كميته في السوق يهدد الاستقرار الاجتماعي ويعرض
أمن النظام للخطر وربما تقوم ثورة شعبية كما حدث في ثورة يناير سنة 2011".
وأكد
في تصريحات لـ"عربي21": "توقف صادرات القمح الروسي والأوكراني بسبب
الحرب سيجبر الحكومة المصرية على شراء القمح من رومانيا وفرنسا بسعر أعلى وربما بجودة
أقل حتى يأتي موسم حصاد القمح المحلي في منتصف أبريل القادم، وتعول الحكومة على شراء
ضعف ما تشتريه من الفلاحين كل عام واستغلاله بأسعار منخفضة".
وبشأن
خيارات الحكومة المصرية، أكد خبير الاقتصاد الزراعي أنه "لا يوجد فرصة لزيادة
مساحة القمح هذا العام لأن موسم الزراعة ينتهي في ديسمبر، وأتمنى أن يفكر النظام في
تطبيق خطة الرئيس محمد مرسي للاكتفاء الذاتي من القمح في الموسم المقبل لأن الأزمة
ستؤثر على الأسعار حتى منتصف سنة 2023".