مقابلات

"العدل والإحسان" المغربية: لا مجال لأي تغيير إلا بهبات شعبية

حمداوي: "العدل والإحسان" تتعرض لمضايقات مستمرة تهدف لعرقلة عملها ومحاصرة وجودها المجتمعي

تجربة المشاركة السياسية ضمن قواعد اللعبة القائمة انتهت بالنظام حاكما أكثر سلطوية


السلم الاجتماعي مُهدد تهديدا حقيقيا وقد يتلظى بعواقبه الحاكم والمحكوم


"العدالة والتنمية" لم يدخل في شراكة معنا في يوم من الأيام


أي حكومة تأتي تنفذ سياسات قائمة تأمر بها السلطة الحاكمة فعليا

 

التطبيع كارثة حقيقية أصبحت تُهدد المغرب أكبر من تهديدها لفلسطين


قال مسؤول مكتب العلاقات الخارجية لجماعة "العدل والإحسان" المغربية، وعضو مجلس إرشادها، محمد حمداوي، إن "التجربة أثبتت خلال فترة حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس أنه لا مجال لأي تغيير طفيف أو انفتاح مشروط إلا بهبات جماهيرية، كما وقع في عام 2011، وذلك حتى لا تعود السلطة لعادتها القديمة بعد هدوء كل عاصفة".

وأكد حمداوي في مقابلة خاصة مع "عربي21" أن "كل ما يجري الآن هو مجهود متواصل قصد التمكين أكثر لسلطوية متسلطة وقامعة للمطالب الحقوقية، ويكفي سجل الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان".

وقال إنه "لم تكن لحزب العدالة والتنمية في يوم من الأيام شراكة مع جماعة العدل والإحسان"، موضحا أن السبب الأساسي للخسارة الكبيرة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة يتمثل في "التماهي لسنوات مع اختيارات غير شعبية أضرت بعموم فئات الشعب المغربي دون أن تمس بالمصالح الاقتصادية للحاكمين ومَن يدور في فلكهم".

ورأى مسؤول مكتب العلاقات الخارجية لجماعة العدل والإحسان، أن "حكومة أخنوش واصلت نفس السياسات غير الشعبية، لأن أي حكومة تأتي فهي في المُجمل تنفذ سياسات قائمة تأمر بها السلطة الحاكمة فعليا باستثناء بعض الإجراءات التي قد لا تتعدى الـ5% من العمل التنفيذي المطلوب فعليا من الحكومة والخارج لزوما عن كل المجالات السيادية الأساسية".

وأشار إلى أن "التطبيع مع الكيان الصهيوني كارثة حقيقية تجري وقائعها على أرض المغرب، وأصبحت تُهدد المغرب أكبر من تهديدها لفلسطين بحكم الأبعاد الخطيرة التي اتخذتها والمتمثلة في المحاولات الحثيثة لزرع الفكر الصهيوني والثقافة الصهيونية في قلب مجتمعنا من أجل خلخلته وطمس هويته، كي يسهل اختراقه الكلي وتهويده كما هو الحال في بعض البلدان في الخليج".

وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

ما تقييمكم لتجربة الإسلاميين في المغرب مقارنة بباقي التجارب الإسلامية في الدول الأخرى؟

هناك اختيار في الحركة الاسلامية بالمغرب لا يختلف كثيرا عن باقي الحركات في الدول الأخرى، وهو الذي يعتمد المشاركة السياسية ضمن قواعد اللعبة القائمة التي ترسمها السلطة الحاكمة وتتحكم في مدخلاتها ومخرجاتها، والبعيدة بهذا الوصف عن التداول الديمقراطي الحقيقي. وقد جُرب هذا الخيار عشر سنوات من العمل في هذا الإطار انتهت به حزبا ضعيفا في المجتمع، وانتهت بالنظام حاكما أكثر سلطوية من ذي قبل.

والاختيار الثاني الذي تمثله جماعة "العدل والإحسان" يرفض المشاركة ضمن هذه اللعبة، ويُصرّ على العمل المجتمعي المتفاعل مع قضايا الوطن وهموم الناس، وتتعرض تبعا لذلك لمضايقات مستمرة تهدف إلى عرقلة عملها ومحاصرة وجودها المجتمعي المتنوع.

وهناك التيار السلفي المنقسم سياسيا بين مؤيد للسلطة، وبعيد عنها متفرغ للدعوة.

كيف ترون إشكالية العلاقة بين الإسلاميين في المغرب على خلفية رفض الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، مقترح تجديد الشراكة معكم؟

لم تكن لحزب "العدالة والتنمية" في يوم من الأيام شراكة معنا. أما على مستوى التواصل العام فالاحترام هو السائد بين جميع الأطراف، رغم وجود بعض الأصوات النشاز هنا وهناك.

ما الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الخسارة الكبيرة لحزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات الأخيرة؟ وهل كان من بينها تراجع "التوحيد والإصلاح" عن دعم الحزب في تلك الانتخابات؟

السبب الأساسي واضح، وهو التماهي لسنوات مع اختيارات غير شعبية أضرت بعموم فئات الشعب المغربي دون أن تمس بالمصالح الاقتصادية للحاكمين ومَن يدور في فلكهم. وهناك أسباب لاحقة منها الحملة غير المباشرة التي شنّتها السلطة ضده، إضافة إلى خيبة أمل جمهور من المتعاطفين منهم من ذكرت من "التوحيد والإصلاح"، وحتى من الحزب وغيرهم الذين إما قاطعوا الانتخابات -وهي الغالبية- أو لم يصوتوا للحزب.

ما تقييمكم لأداء حكومة "أخنوش"؟

حكومة أخنوش واصلت نفس السياسات غير الشعبية، رغم الوعود الكبيرة التي أُطلقت أثناء الانتخابات. ببساطة لأن أي حكومة تأتي فهي في المُجمل تنفذ سياسات قائمة تأمر بها السلطة الحاكمة فعليا باستثناء بعض الإجراءات التي قد لا تتعدى 5 في المائة من العمل التنفيذي المطلوب فعليا من الحكومة والخارج لزوما عن كل المجالات السيادية الأساسية.

كيف تنظرون لمآلات الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي في المغرب على وقع الاحتجاجات التي تشهدها عدة مدن مغربية رفضا لارتفاع الأسعار؟

هذا الاحتقان يصعب التنبؤ بحجم مآلاته مع نفاد صبر فئات عريضة من المجتمع، وهو يزداد يوما بعد يوم نتيجة تزايد الإجهاز اليومي على القدرات الشرائية للمواطن، وتدهور التعليم والخدمات الصحية، ومحدودية فرص الشغل الأمر الذي أدى إلى تفاقم البطالة وارتفاع نسبة الجريمة، فضلا عن غياب أي مخطط تنموي جدي يعالج الاختلالات الكبرى.

وما موقف جماعة العدل والإحسان من تلك الاحتجاجات المتجددة؟

نبهنا مرارا لخطورة الوضع القائم، والذي يزداد تدهورا يوما بعد يوم. ونقول دائما إن الاستدراك اليوم كلفته وزمنه أقل من الاستدراك غدا، ولا مَن مجيب. لذا فوضعنا الطبيعي وسط المجتمع نعيش معاناته، وندعم كل عمل وحدوي، ولا نضع أنفسنا في موقع الآمر الذي يُملي على الناس ما يجب فعله.

كيف ترون تسارع التطبيع مع "إسرائيل" في أعقاب زيارات وزراء إسرائيليين للمغرب؟

التطبيع مع اليهود الصهاينة كارثة حقيقية تجري وقائعها على أرض المغرب، وأصبحت تهدد المغرب أكبر من تهديدها لفلسطين بحكم الأبعاد الخطيرة التي اتخذتها والمتمثلة في المحاولات الحثيثة لزرع الفكر الصهيوني والثقافة الصهيونية في قلب المجتمع المغربي من أجل خلخلته وطمس هويته في أفق، لا قدر الله، تسهيل اختراقه الكلي وتهويده كما هو الحال في بعض البلدان في الخليج.

لذا؛ فالمعركة مصيرية، وتتطلب يقظة كبيرة من قِبل القوى الحيّة في المجتمع، ومن قِبل عموم الشعب قصد إحباط هذه المخططات الهدامة.

ما مدى تطور المؤسسة الملكية في المغرب من وجهة نظركم؟ وهل يمكن أن تصبح ملكية ديمقراطية برلمانية على غرار الملكية الإسبانية أو الهولندية أو البريطانية؟

من حق الإنسان أن يحلم بإجراء مقارنات بين قاع الاستبداد وقمة الديمقراطية. لكن الواقع في المغرب يقول، وحتى إشعار آخر، أنه لا إرادة سياسية موجودة من أجل وضع البلد على طريق الديمقراطية، وأن كل ما يجري الآن هو مجهود متواصل قصد التمكين أكثر لسلطوية متسلطة وقامعة للمطالب الحقوقية، ويكفي سجل الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان مثل المحاكمات الصورية الجارية الآن للحقوقيين والإعلاميين وقبلها للمطالبين بالحق في العيش الكريم كحال نشطاء الريف وغيرهم.

وقد أثبتت التجربة على الأقل على مدار 23 سنة من الحكم الحالي أنه لا مجال لأي تغيير طفيف أو انفتاح مشروط إلا بهبات جماهيرية، كما وقع في 2011، وذلك حتى لا تعود السلطة لعادتها القديمة بعد هدوء كل عاصفة.

ما خطورة استمرار توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب خاصة بعدما تم إنشاء منطقة عسكرية جديدة مؤخرا على الحدود مع الجزائر؟

التوتر بين المغرب والجزائر لا يخدم حاضر ومستقبل البلدين، ويضر بالمصالح المتنوعة للشعبين الشقيقين. ويدل عن قصور سياسي واستراتيجي واضح في ظل عالم يبحث عن التكتلات والتحالفات وعن بناء وصيانة المصالح المشتركة. ولعل السبب الرئيسي هو غياب الديمقراطية الحقيقية التي تعطي كلمة الفصل لممثلين يختارهم الشعبان ويصونون الأواصر المشتركة ويخدمون المصالح المشتركة بعيدا عن كل تشنج وأنانية ونظرة ضيقة للأمور.

وكحل آني كان ينبغي أن يُترك ملف الصحراء المغربية لمساره السياسي العادي دون تشويش أو استفزاز، ويتجه البلدان لفتح الحدود، وتطوير علاقات الجوار على أساس الاحترام المتبادل، وتقدير المصالح المشتركة، وقطع الطريق على أي تدخل أجنبي أو صهيوني في المنطقة.

هلّا حدثتنا عن رؤيتكم لأبرز ملامح الإصلاح السياسي والاجتماعي المطلوب اليوم في المغرب؟

السلم الاجتماعي اليوم في المغرب مُهدد تهديدا حقيقيا بسبب حمى الغلاء التي لا ترحم، مع البطالة الكبيرة للشباب، وفي ظل ضيق الأفق وتفاقم الفساد وتبذير المال العام. هذا التهديد قد يتلظى بعواقبه الحاكم والمحكوم وكل الفئات الاجتماعية، الفقيرة والمتوسطة والغنية وذات السلطة والنفوذ.

لهذا، فأول محطة في أي علاج هي الوعي الحقيقي والإيجابي لكل الفئات بهذا التهديد والعمل لأجل جمع الجهود كلها قصد وقف النزيف (نزيف الاقتصاد الوطني بالفساد والتبذير والنهب وسوء التدبير، ونزيف الكفاءات المعطلة والمهاجرة ونزيف الحكرة والإجهاز على الحقوق).

ونشدّد على ضرورة القطع مع التمادي في الخضوع المطلق لإملاءات المؤسسات المالية الدولية، والتوجه نحو الشعب بكل فئاته والتعويل بعد الله تعالى عليه في مصالحة مجتمعية تاريخية وحقيقية تؤسس لمغرب مستقل وموحد. مغرب الحقوق والتنمية والحريات والديمقراطية وصيانة الهوية والحماية الاجتماعية للجميع والتعليم الجيد للجميع.