أخبار ثقافية

"عربي21" تفتح ملف الكتّاب ودور النّشر بتونس.. إحباط وخذلان

وزارة الثقافة التونسية ألغت معرض الكتاب لهذا العام

ذات يوم من ربيع 2021 وتحديدا السادس عشر من شهر آذار/ مارس خلال افتتاح معرض الكتاب التّونسي، تقدّمت الكاتبة والحقوقيّة مايا القصوري بشهادة على الملأ ذكرت فيها سوء التصرّف في ميزانية النّشر بوزارة الثّقافة التّونسية، وكان ذلك أمام مسؤوليّ هذه الوزارة. وقالت بصريح العبارة: "لاحظت أشياء لم تعجبني في التصرف في الميزانية دفعتني إلى تقديم شكاية واستقلت. لتلاحظ فيما بعد أنّ الشّكاية تراوح مكانها.


توقّع الحاضرون آنذاك أنّ تصريحا بهذه الجرأة في يوم ربيعيّ وبعد عشريّة أولى من الرّبيع التّونسي، سيكون بداية ثورة في عالم النّشر. ولكن للخيالات مساحاتها الجميلة وللواقع أيضا حقائقه الموجعة. لقد أتمّ الجميع آنذاك احتفاليتهم بالافتتاح وكأنّما شيئا لم يكن.


تمرّ سنة أخرى من توخّي الصمت في قطاع الكتاب والنّشر، وتجاهل قضاياه الرّئيسية، ويجد النّاشرون أنفسهم مجدّدا في قبضة وزارة تعلمهم أنّه لن ينتظم معرض الكتاب الدّولي ربيع 2022 و"تنزل" عليهم بالخبر الصّاعقة أن الدورة القادمة لن تكون إلاّ سنة 2023.


وبعد هذا القرار الذي أحدث ضجّة كبرى لدى أهل القطاع وأهل الثّقافة عامّة، تكشّر الوزارة عن أنيابها وتنشر بلاغا تردّ فيه على منتقديها بأنها لم تلغ المعرض بل هي تقوم بتنظيم مواعيده. لهذا إرتأت أنه من الأجدر ألاّ ينتظم الا سنة 2023.


لماذا تختار الوزارة إلغاء معرض الكتاب على حل المشاكل؟ متى تكون لوزارة الثقافة التونسية سياسة ثقافية واضحة في إدارة أزمة الكتاب؟ لماذا الكلّ يسطّر مصير الكتاب إلا أهل القطاع؟ هل تفهم حقّا حاجيات القطاع؟ هل من خطّة تدار بها الأزمات في تونس غير معاجم الحلّ والإغلاق والإلغاء؟ هي ذي الأسئلة التي لا تتطلّب إجابات فوريّة بل عملا استراتيجيا وإتصاليا يشارك فيه كلّ الفاعلين في القطاع.


"الخبر الصاعقة"


حسب "خطة" وزارة الثقافة التّونسية، فإنّ على النّاشر التونسي الانتظار سنة ونصف السنة لانتظام معرض دولي للكتاب مقارنة بموعد المعرض السّابق الذي انتظم في خريف 2021.


لم تتوقع مديرة دار الفردوس للنّشر والتوزيع والشاعرة سنية المدوري تأجيل المعرض وفي حديث لـ"عربي21" تساءلت مستنكرة:"هل فكرت وزارة الشؤون الثقافية في الناشرين وما تكبدوه من مصاريف مشطة لطباعة الكتب على أمل أن يبيعوا منها في المعرض؟! هكذا قرار بالفعل صادم ..".
وحسب الناشر التّونسي وصاحب دار "الكتاب للنشر" الحبيب الزغبي وحسب ما اطّلع عليه في كواليس الوزارة، فإنّ من أسباب إلغاء دورة 2022 ، حلول شهر رمضان وأيضا عجز الوزارة عن تنظيم معرض في خريف 2022 ثم معرضا ثانيا في ربيع 2023.


وقال الزغبي في حديث مع "عربي21": "كنّا ننتظر بفارغ الصبر تنظيم المعرض الدّولي للكتاب لاستثمار النجاح الذي حققناه في المعرض الدّولي السابق، والذي يعتبر ناجحا رغم انتظامه بعد سنتين من الجائحة وتبعاتها"، واستدرك: "ولكنّ الوزارة خذلتنا بإلغاء المعرض في حين أنّ المعارض العربية والدوليّة منتظمة في موعدها". وأضاف:"كان على الوزارة أن تستشير الناشرين والمكتبات والموزعين والموردين لتصور مواعيد جديدة والاتفاق على أمر ما".


ويتساءل مدير دار "مسكلياني للنّشر" تيجاني الزائد: "هل يمكن لناشر أن يدعم إلغاء دورة من دورات المعرض الدولي، طبعا لا، والكل يعلم ما تركته جائحة كورونا من تأثيرات سلبية على أوضاع حركة النشر والناشرين جراء غياب المعارض الدولية واللقاءات و الندوات حول الكتاب. غير أن توقيت معرض تونس الدولي يرجح إعادة النظر في موعده والتأكد من القدرة على حجز فضاء قصر المعارض، بما يجعل المعرض ضمن رزنامة المعارض الدولية العربية ويسمح للناشرين العرب والأجانب بالمشاركة، أما المعرض الوطني للكتاب التونسي فلا أظن أنه سيلغى".


وبالنسبة للناشرة الشّابة مؤسسة دار "نحن للإبداع والنشر" زينب بن عثمان، والتي عبّرت أيضا عن "استياءها وإحباطها من وزارة ثقافة وإدارة آداب لم تلعب دورها في تنمية الكتاب". ورغم هذه الحالة التي بدت عليها محدّثتنا فهي لم تعد تعوّل على معارض: "هي بالأساس فاشلة منذ بداياتها. وذكّرت هنا ببعض الممارسات التي لاحظتها في معارض الكتاب التونسية من الوطنيّة إلى الدولية". فحسب محدثتنا هي معارض مفلسة تنظيميا واتصاليا.


بيئة النّشر في تونس


قبل تشخيص بيئة النّشر في تونس والتي هي متوارثة تنقلها "جينات" البيروقراطية التي لا تراعي خصوصية الكتاب والنّشر وتتعاطى معها ككلّ القطاعات الأخرى والمؤسسات التّجارية، قبل التوقف عند خصوصيّات هذه البيئة سنعود أوّلا على انعكاسات الأزمة الصّحية وتحديدا جائحة الكوفيد التي تسبّبت في إلغاء المعرض الدّولي للكتاب لدورتين سابقتين متتاليتين.


في مواصلة لحديثها مع "عربي21" تقول المدوري: "معرض الكتاب الدولي الفارط جاء بعد جائحة كورونا.. والمطارات مغلقة والحدود البرية بيننا وبين البلدان المجاورة مغلقة، وحتى محليا مازال الناس خائفين من مخاطر الفيروس، ولم يتوافدوا كالعادة على المعرض.. كانت المبيعات محتشمة جدا لا تغطي حتى تكاليف التنقل ودفع أجور الأجنحة.. هل علينا أن نسرّع بتاريخ المعرض القادم أم نلغيه؟"
يجد النّاشر نفسه في تونس أمام أزمة غلاء الورق مقابل تراجع نسب الإقبال على الكتاب، وقد تأزّمت الوضعية مع جائحة كوفيد وعدم وجود استراتيجية أزمة لدى وزارة الثقافة لإدارة هذا الظرف الطارئ.


غلاء الورق وديون مع المطابع وسياسة دعم معطّلة


نحن أمام أزمتين حادّتين: غلاء الورق و تعطّل دورات الدعم التي تفتحها سنويّا وزارة الثّقافة، حسب ما أكده لنا مدير دار الكتاب للنشر بتونس الحبيب الزغبي الذي قال: "الوزارة لم تفتح دورة الدعم لسنة 2021 ونحن الآن في آذار/ مارس 2022 ولم تفتح بعد دورة هذه السّنة".


وتتساءل المدوري: "ماذا نفعل نحن الذين نشرنا كتبا بعشرات الملايين مع المطابع ونمنيهم بالمعرض وبالمبيعات للوزارة التي تشتري كميات محتشمة جدا من الكتب وتبطئ في عقد دورات دعم الورق والشراءات؟ هل ننتظر بعد هذا القرار أن يقدم أصحاب المطابع شكوى عدلية ضدنا؟" وتضيف: "أنا فعلا مستاءة جدا من كل ما يحدث كناشرة حديثة العهد بالعمل في هذا الميدان.. واعتبر دار النشر مورد رزق وحيد لي تدمره الوضعية الحالية".


الوزارة لا تصغي


عبّرت الناشرة زينب بن عثمان مؤسّسة "دار نحن للإبداع والنشر والتوزيع" عن استيائها من الحالة التي آل لها القطاع بسبب مسؤولين هدفهم الوحيد المناصب والإدارة وليس حلّ الأزمة أو وضع إستراتيجية هادفة. وتضيف أنّ الناشر يتطلّع إلى المعرض لمحاورة قرّائه بصفة مباشرة والعمل من خلالهم على الارتقاء بمنشوراته وبالتالي وضعيته المادّية.


وبدت النّاشرة الشابة يائسة حسب تعبيرها من وزارة الثّقافة وإدارة الآداب و أعلنت عن قرارها بالتعويل على نفسها ووجدت الحلّ في مشروع ثقافيّ سنذكر تفاصيله لاحقا.


ويقول الزغبي في ذات السّياق أن: "الإدارة تتصور نفسها تمتلك الحق في إخضاع الناشر لإرادتها وهكذا تسيّر الوزارة بطرق بدائية جدا حيث تعمل بإقصاء الناشر.


وانتقد سياسة الوزارة التي تقوم أساسا على عدم استشارة أهل القطاع . وقال بصريح العبارة: "الوزارة تتصرف كالآمر والناهي، ولا تولي أهمية للناشرين لا من ناحية طرح التّصورات أو الإستراتيجيا أو المواعيد، بل هي تتحرّك منفردة بإجراءاتها المسقطة على أهل القطاع الذين يطالبون بتنفيذ ما تطرحه الوزارة ضمن عقد خضوع لشروطها".


وربّما من خلال الحديث عن هذا "الإخضاع"، نفهم لم لا يستطع بعض النّاشرين الدفاع عن حقوقهم إلاّ في الكواليس، ولا يجرؤون على الاستخدام العلني لعقولهم بالمفهوم الكانطي. فالمجاهرة داخل الفضاء العام لا تكون حرّة مادامت الوزارة تسيطر بشروطها وتضع قطاعا بأكمله تحت إرادتها. فليس غريبا أن تضع وزيرة ثقافة كلّ جهودها في مواكبة المعرض التونسي للكتاب الذي ينحدر من مؤسّسة خاصّة تحظى برعاية تامة وتاريخية من وزارة الثقافة التّونسية، ولا يقدم أي نشاط ثقافي، وبالتزامن مع نفس هذه التظاهرة يتم إعلان إلغاء دورة ربيع 2022 من المعرض الدولي للكتاب التونسي تحت المسمى بتأجيل ليس إلاّ.

 

ما الحلّ ؟


حاول الناشرون الذين تحدثت إليهم "عربي21" تقديم مقترحات وتصوّرات تلتقي حول ضرورة وضع إستراتيجية لإدارة الأزمة لا يمكنها أن تكون إلاّ بالإصغاء إلى أهل القطاع والفاعلين فيه وليس بالتّعالي عليهم وإسقاط قرارات "مدمرة" للقطاع.


تقترح الناشرة سنية المدوري التالي: "إن حدث وتوافق المعرض مع شهر رمضان المعظم كان من الأجدر تأخيره بشهر أو شهرين وليس بسنة كاملة.. معرض الكتاب ليس صدقة للناشرين.. نحن ندفع ثمن الأجنحة التي نعرض فيها كتبنا حتى وإن لم نبع كتابا واحد".


أمّا الناشرة زينب بن عثمان فأطلقت مشروعها وهو موقع "تاكسي بوك. شوب" لبيع الكتب وتوزيعها، وسوف تستثمره قريبا في تنظيم معرض دولي افتراضي سيكون الأوّل من نوعه في تونس، وستمنح القارئ التونسي والعربي تخفيضات مهمّة. وقد توصّلت إلى فكرة هذا المشروع بعد أن حسمت مسألة التعويل على وزارة الثّقافة، ورأت أنّها ستعطّل مشاريعها بانتظار هذه الوزارة المتباطئة في كل إجراءاتها.


أمّا الناشر الحبيب الزغبي فقد قال لـ"عربي21": "يجب أوّلا القطع مع تصوّر النّاشر الذي يعيش تحت سلطة "منّ" وزارة الثقافة عليه ومحاولاتها لإخضاعه لشروطها، ويجب القطع أيضا بأنه فقط في حاجة لبيع بعض الكتب حتى تدور عجلة النّشر".


ودعا الزغبي في المقابل إلى التّالي: "على الناشرأن يكون شريكا في كل شي؛ في التخطيط وفي وضع البرامج وكل التفاصيل المتعلقة بأي معرض للكتاب... وللوصول إلى هذا الهدف اقترح على الناشرين ألا يشاركو في أي معرض قادم". وتابع: "حين يحتجّ الناشرون ستقبل الوزارة بمحاورتهم وتنتبه إلى أنه عليها محاورتهم وهو الحل الوحيد وليس هناك حل آخر".


ولم يفت الحبيب الزغبي التذكير بمشروع المركز الوطني للكتاب في تونس والمعطّل من 2005 بسبب ما قال إنها "إدارة تحب أن تكون الخصم والحكم وأن يكون المهنيون مجرد ملاحظين فحسب".
لكن الناشر المخضرم التيجاني زايد يفتح بصيص أمل بتصريحه لـ"عربي21": "على أية حال، نحن نعيش ظروفا إستثنائية وستعود المعارض إلى إشعاعها وحركة النشر أيضا".