قضايا وآراء

هل ينتزع "ماكرون" ولاية رئاسية ثانية؟

1300x600

أسفر اقتراع الطور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ليوم 10 نيسان/ أبريل 2022 عن فوز  الرئيس" إيمانويل ماكرون" بـ 85,27% من إجمالي المشاركين في الاقتراع، أي ما يقابل تسعة ملايين و058 783 صوتا لصالحه، في حين حصلت منافسته "مارين لوبين" على 15,23%، بما قدره ثمانية ملايين و828 133 صوتا، وبذلك سيتواجه المتنافسان وجها لوجه يوم 24 نيسان/ أبريل 2022 خلال الطور الثاني، طبقا لما تقضي به أحكام النظام الانتخابي الفرنسي، وسيجد الفرنسيون أنفسهم أمام نفس المشهد الحاصل في الاقتراع الرئاسي لعام 2017. أي مواجهة بين زعيم "الجمهورية إلى الأمام" (ماكرون) وقائدة "الجبهة الوطنية" اليمينية "مارين لوبين". 

يُذكر أن حالات من هذا القبيل عرفتها انتخابات سابقة خلال رئاسيات الجمهورية الخامسة.

أبانت نتائج الدور الأول من اقتراع 10 نيسان/ إبريل 2022 عن مجموعة من الخلاصات تصلح أن تكون مؤشرات لفهم التغيرات الحاصلة في المجال السياسي الفرنسي، كما تساعد على توقع التطورات التي من الممكن أن تشهدها الحياة السياسية والاجتماعية الفرنسية في القادم من الشهور والأعوام. 

فمن جهة، تمكن أقصى اليمين الفرنسي لأول مرة من تجاوز نسبة الثلاثين في المائة من أصوات المشاركين في التصويت، وهو معطى دال ولافت للانتباه، ويمكن أن تكون له تأثيرات عميقة على  المنافسة القادمة في الطور الثاني من الاقتراع. ثم من جهة أخرى، وكما حصل عام 2017، غابت الأحزاب التقليدية عن الدورة الثانية من الاقتراع، فسواء تعلق الأمر بالجمهوريين أو الاشتراكيين، لم تستطع قواعدهم الانتخابية إسعافهم في الوصول أو الاقتراب من قصر الإليزيه.. وحدها حركة Jean Luc Melenchon ، حققت قفزات متصاعدة، بلغت نسبة 95,21%، فظلت غير بعيدة عن المركز الثاني المؤهّل للمنافسة النهائية في الاقتراع الرئاسي.

كان واضحا وشبه مؤكد في استطلاع الرأي ووسائل الإعلام الفرنسية أن الرئيس "ماكرون" في طريقه إلى الفوز في الطور الأول، كما أن سبيله سالك إلى عهدة رئاسية ثانية. أما أسباب ذلك فكثيرة ومتنوعة. فولاية ماكرون الأولى، وعلى الرغم من دقة الصعوبات وحجم التحديات التي واجهته منذ توليه الحكم عام 2017، استطاع بشكل عام الخروج منها دون أضرار على شعبيته وقاعدته الانتخابية، حيث واجهت إحدى أشرس الحركات الاحتجاجية وأكثرها ضراوة، أي حركة "السترات الصفراء"، التي استمرت لشهور، وكادت أن تشل البلاد، ناهيك عن الإضرابات القطاعية، بما فيها تلك الأكثر حساسية بالنسبة لاستقرار البلاد وتوازنها الاقتصادي والاجتماعي. 

أما النصف الثاني من ولايته الرئاسية فطبعته جائحة كورونا، وما خلفت من آثار عميقة على المجتمع الفرنسي، وقد لعب الرئيس "ماكرون" وحكومته أدوارا بارزة في إدارتها، تأرجحت مواقف الفرنسيين حُيالها بين القبول والاستحسان، والنقد والاعتراض والرفض والاحتجاج أحيانا.
 
قدمت ولاية ماكرون الأولى مادة دسمة للحوار والنقد، ومكنت خصومه السياسيين من التركيز على ما بدا لهم غير مقبول في تطور الحياة السياسية والاجتماعية الفرنسية. فقد اتهم الرئيس"ماكرون" بشق  المجتمع الفرنسي، وتفكيك لحمته وتماسك نسيجه، من خلال السياسات الاجتماعية المعتمدة من قبل حكومته، لاسيما بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية، كما أنه اعتمد نهجا نيوليبراليا في إدارة البلاد، والانحياز للمؤسسات المالية، وولى ظهره للفئات الاجتماعية التي اصطفت حوله، وراهنت على إصلاحاته الاجتماعية. 

أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد انتقد خصومه ميله الكبير للخيار الأوروبي، الذي وصل أحيانا حدّ الابتعاد عن أولوياته الوطنية، وأيضا دوره المتواضع تجاه الهيمنة الأمريكية، ناهيك عن إدارته لبعض الأزمات الداخلية المستدامة في المجتمع الفرنسي، من قبيل حركة الهجرة واستقرار المهاجرين، ومشاكل ضواحي الحواضر والمدن الكبرى، والإسلام وما يرتبط بممارسات بعض معتنقيه، والتنوع الثقافي والأثني بشكل عام.

 

 

أقصى ما يمكن أن يحصل أن تضيق مرشحة اليمين المتطرف الخناق على "ماكرون"، لكن الراجح جدا أنها لن تصنع نتائج مغايرة لما هو متوقع، ومعلن عنه في استطلاعات الرأي الفرنسية المواكبة للإقتراع الرئاسي، ومن هنا سينتزع "ماكرون" ولاية رئاسية ثانية، تبقي عليه في الإليزيه إلى عام 2027.

 

 


أعلن الكثير من الفرنسيين فور ظهور نتائج الطور الأول لاقتراع 10 نيسان/ أبريل 2022 عن خيبة أملهم في ما أسفرت عنه المنافسة الانتخابية. فعلاوة على كونها ذكرتهم بما حدث في اقتراع عام 2017، لم تفتح أمامهم آفاقا للتعبير عن اختياراتهم، فإما تجديد الثقة في الرئيس الحالي للفوز بولاية ثانية، أو فتح المجال لصعود اليمين المتطرف لسدة الحكم، وهو ما لا تقبله قطاعات واسعة من الشعب الفرنسي. 

ثم إن الرئيس "ماكرون" في حالة فوزه مرة أثانية، لن يُدخل تغييرات جوهرية في رؤيته لإدارة البلاد، والتعاطي مع قضاياها الجوهرية، فالواضح أنه سيستمر في الإصلاحات التي شرع فيها، كما هو حال  ملفات "التقاعد" ومنظمات الاحتياط الاجتماعي، على سبيل المثال، أو سيفتح ملفات جديدة على قاعدة الرؤية التي وجهته خلال الولاية الأولى، أو مع بعض الترميمات المستوحاة من واقع التطور الذي ستشهده البلاد والعالم.

لذلك، لا يبدو أن الطور الثاني من الاقتراع الرئاسي الذي سينظم يوم 24 نيسان/ أبريل 2022 سيحمل  مفاجئات جديدة، أو سيفضي إلى نتائج مخالفة لما حصل في الطور الأول، فأقصى ما يمكن أن يحصل أن تضيق مرشحة اليمين المتطرف الخناق على "ماكرون"، لكن الراجح جدا أنها لن تصنع نتائج مغايرة لما هو متوقع، ومعلن عنه في استطلاعات الرأي الفرنسية المواكبة للإقتراع الرئاسي، ومن هنا  سينتزع "ماكرون" ولاية رئاسية ثانية، تبقي عليه في الإليزيه إلى عام 2027.