تنتقل القضية الفلسطينية في كل مرحلة من مراحل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، من منعطف خطير إلى مرحلة أكثر مشقة وعناء، يقع فيها الشعب الفلسطيني تحت سيل ضربات التهويد والاستيطان والقتل والحصار والتدمير، وأوقع السياسات العربية والفلسطينية في مأزق حاد، تنامت في أحشائها اتجاهات التطبيع العربي والتنسيق الأمني، اللذان لم يغيرا من المعادلة الصهيونية القائمة على طمس وإبادة الحق الفلسطيني، معادلة فيها من الوضوح والدلائل والقرائن التي تتكرر في بيانات إدانة السياسات الإسرائيلية في المناطق المحتلة، بعد كل جولة تصعيد، لكنها غير ملزمة في وقف ولجم العدوان المتسع على كل الجبهات، خطط الاستيطان تتضخم لتتآكل أوهام "السلام" الإسرائيلي العربي والفلسطيني، التنكيل بالأسرى، تهويد القدس، سياسة العقاب الجماعي، وممارسة نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، سياسة ثابتة في القاموس الصهيوني.
ضخامة العدوان الإسرائيلي على الأرض والبشر في فلسطين، لا تبشر بحسم الصراع بالوسائل الممسك بها "أبطال" التنديد العربي والفلسطيني بسياسات الاحتلال، فجولة العدوان والتصعيد الخطير في القدس واقتحام المسجد الأقصى عشية "أعياد الفصح اليهودي"، والتصدي البطولي للمقدسيين وتكاتف الشارع الفلسطيني ضد العدوان في مدن الضفة وغزة والداخل الفلسطيني، وحملة الإدانات العربية والدولية لسياسات الاحتلال العدوانية، تكررت أيضا في مراحل سابقة ومشابهة في الظروف والوسائل.
وعلى أهمية هذا الاصطفاف الفلسطيني والعربي والإسلامي لإدانة سلوك الاحتلال كضرورة تنجي من الإحراج والعجز، إلا أنه يبقى مشلولاً عن صد العدوان بشكل كلي، خصوصاً إذا أخذنا خارطة الأهداف الصهيونية على سبيل المثال في مدينة القدس كعنوان رئيسي للحملات الصهيونية، وخطط الاستيطان والاستيلاء على أحياء الشيخ جراح وسلون وباب العمود وسلسلة الاقتحامات الأسبوعية واليومية لباحات الأقصى، وسياسة الإرهاب والعدوان والحصار، والقمع للمدن والقرى الفلسطينية ..إلخ، فإنها لم تتغير لا في حالة الاشتباك بل كانت منخفضة، ولا في سنوات التهدئة و"السلام" التي ابتلع فيها الاستيطان معظم الأراضي الفلسطينية، وغرق فيها الجسم السياسي الفلسطيني في وهم التنازلات المتكررة بعيداً عن الاستعداد الشعبي والجماهيري، الذي شكل القاعدة الصلبة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني والحصن المنيع للثورة الفلسطينية.
أفصح الشعب الفلسطيني في كل مواجهة ضد سياسات الاحتلال، عن صراحته المعهودة وإصراره على إفشال مخططات العدوان، وعن إستعداده لتقديم الغالي والنفيس لهذا الغرض، لكن إدارة الظهر لتضحياته ومطالبه وأمانيه في إبقاء القضية الفلسطينية حية باعتبارها قضية شعب ووطن وحق عودة وتقرير مصير، لا باعتبارها مشكلة "أمنية" تصدع رأس السلطة وإسرائيل وتهدد التطبيع العربي مع الاحتلال وربطها بإدانة مقاومة الشعب الفلسطيني للمحتل.
لا معنى لأي موقف يدين العدوان الإسرائيلي، ما لم يرتبط بموقف موازٍ برسائل دعم مباشر للشعب الفلسطيني، وبمواقف سياسية وميدانية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تنهي حالة الحصار له، وبالتفاتة فلسطينية داخلية تستشعر حجم المخاطر، وتبادر لإنهاء حالة التشرذم السياسي على وجه السرعة.
مكمن التضحيات والنضال الفلسطيني، في القدس والضفة وغزة والمناطق المحتلة عام 48، تفكيك البنية الاستعمارية للمؤسسة الصهيونية وتعرية نظام الفصل العنصري في إسرائيل، ومن هنا التحرك الرسمي الفلسطيني والعربي لمواجهة الاحتلال، لا يشكل نقلة سياسية استراتيجية لا في رسائل السلطة الفلسطينية للعالم ضد سياسات العدوان، ولا في الإدانات العربية لاقتحام الأقصى وتدنيسه، فالسلطة الفلسطينية وخلفها سياسة عربية رسمية غير مؤهلة للانتقال لخندق الشعب الفلسطيني المقاوم لاعتبارات بنيوية وظيفية تخص وجودها ودورها الذي أكسب القضية الفلسطينية انتكاسات كبيرة بتمريرالعدوان الصهيوني بالتطبيع والتنسيق معه.
عند استكمال المعطيات السياسية وآلياتها فيما يدور حول القضية الفلسطيمنية، وهي معلومة لدى السلطة الفلسطينية وللقيادات العربية التي تصيغ بيانات الضيق من سياسات الاحتلال، تتحدد بوضوح الحقوق الفلسطينية المختزنة بتجربة طويلة للشعب الفلسطيني، وصراعه مع المؤسسة الاستعمارية الصهيونية، وكل هذا يقدم الدليل أن إحكام القبضة الأمنية للاحتلال والسلطة والنظام العربي المطوق لفلسطين، لن تصمد على شعب صامد قارع الاحتلال منذ نكبته وتمرس في ميادبن الانتفاضات والمواجهة المستمرة للاحتلال، وفي كل مرة يقدم الفرصة تلو الفرصة لقيادته للخروج من أزماتها المستعصية، ويقدم لها الظرف المستوعب لرسائل تشد من أزره.
لا معنى لأي موقف يدين العدوان الإسرائيلي، ما لم يرتبط بموقف موازٍ برسائل دعم مباشر للشعب الفلسطيني، وبمواقف سياسية وميدانية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تنهي حالة الحصار له، وبالتفاتة فلسطينية داخلية تستشعر حجم المخاطر، وتبادر لإنهاء حالة التشرذم السياسي على وجه السرعة التي تقتضي إنهاء المشقة والعناء الفلسطيني، وتفعيل البدائل الحقيقية للفشل الرسمي والرهانات المدمرة، وحدها كفيلة بالحفاظ على منسوب الصراع كمقدمة أولى وأخيرة لإنقاذ القدس والأسرى والأرض من النهب والاستيطان، و استرجاع الحقوق الفلسطينية وحمايتها من بيانات تخلق أجواء مؤاتية لاستمرار العدوان وتبقي كل ما نتباكى عليه على الأطلال.
الغضبة الشعبية واحتمالات الانتفاضة الثالثة
متى يواجه العالم الحقيقة.. بشجاعة ومسؤولية..؟!