بين يدي شهر رمضان المبارك، وفي ظل اقتحامات المستوطنين المستمرة، يشهد المسجد
الأقصى المبارك، قبلة
المسلمين الأولى، تقسيماً زمانياً من قبل السلطات الإسرائيلية، إيذاناً لترسيخ واقع جديد يُمهد بطبيعة الحال إلى تقسيمه مكانياً.
منذ احتلال مدينة
القدس الشرقية عام 1967، يسعى الاحتلال الإسرائيلي بوسائل شتى للمُضي قُدماً نحو الاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك، فتارةً يبحثُ دون جدوى عن آثار لهيكل سليمان، ومرة يُرسل المتطرفين لإشعال الحرائق في المسجد، ومراتٍ كثيرة يُعرقل وصول الفلسطينيين للصلاة فيه، ومؤخراً حاول جاهداً إقامة بوابات إلكترونية، وكاميرات إلكترونية أمام المصلين، كما قامت قواته الشرطية بمنع الأذان والصلاة فيه على مدار أيام متفرقة. جميع هذه المحاولات البائسة الهدف منها هو تحويل المسجد الأقصى المبارك إلى كنيس يهودي، وتفريغ الفلسطينيين من البلدة القديمة.
يحدث في هذه الأيام من غطاء رسمي لاقتحامات المستوطينين للمسجد الأقصى المبارك، فهي خطوة متقدمة نحو تحقيق ذاك الهدف، إذ بدأت السلطات الإسرائيلية عملياً بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى، تماماً كما حدث مسبقاً في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل
أما بخصوص ما يحدث في هذه الأيام من غطاء رسمي لاقتحامات المستوطينين للمسجد الأقصى المبارك، فهي خطوة متقدمة نحو تحقيق ذاك الهدف، إذ بدأت السلطات الإسرائيلية عملياً بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى، تماماً كما حدث مسبقاً في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، حيث تم اقتطاع أوقات محددة لعبادة
اليهود، ثم مُنع المصلون في تلك الأوقات من الصلاة في المسجد، وبعد أنْ استقرَّ الأمر على ذلك النحو، انتقل المخطط من التقسيم الزماني إلى التقسيم المكاني الذي فُصل فيه المسجد بجدار إسمنتي، وبوابات أمنية خاصة، بذريعة حرية العبادة، والحفاظ على الأمن.
والمتتبع للخطاب الإسرائيلي إثر اقتحامات المستوطنين الأخيرة، يجد أننا فعلياً قد دخلنا في مرحلة تقسيم المسجد الأقصى زمانياً، إذ ما معنى أنَّ السلطات الإسرائيلية قامت بحماية اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك طيلة أيام أعياد اليهود، ثم أعلنت أنها ستمنع هذه الاقتحامات حتى انتهاء شهر رمضان المبارك؟ إنَّ هذه الخطوة تعني أنَّ اليهود قد يعودوا لفعلهم بعد انقضاء الشهر الفضيل، وأنَّ المسلمين في قابل الأيام سيُمنعوا بالمثل من الصلاة في المسجد الأقصى؛ لإتاحة الفرصة أمام اليهود لأداء طقوسهم التعبدية.
بل إنَّ الخطاب الإسرائيلي الذي جاء على لسان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، ووزير خارجيته يائير لبيد، يُدلل على أنَّ السلطات الإسرائيلية قد عزمت أمرها على فرض أمر واقع لعبادة اليهود في المسجد الأقصى، فقد أكدا في مواضع عدة أنَّ الحكومة الإسرائيلية تعمل على حماية حق حرية العبادة لجميع الأديان، وهما بذلك يُطمئنان المجتمع الدولي الذي يُبدي شيئاً من القلق تجاه المشاهد التلفزيونية التي تنقل
اعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المصلين.
لكي يكسب الاحتلال أكثر من عصفور بحجرٍ واحد، فإنّه يتعمّد استخدام "حرية العبادة والعمل على حمايتها"، في تأكيد آخر بأنّه جهة محايدة، تُمارس سلطتها فوق أراضيها، وأنها تفك اشتباك بين المتدينيين من الطرفين اليهود والمسلمين، وأنَّ هذا المكان هو حق لجميع الأديان
ولكي يكسب الاحتلال أكثر من عصفور بحجرٍ واحد، فإنّه يتعمّد استخدام "حرية العبادة والعمل على حمايتها"، في تأكيد آخر بأنّه جهة محايدة، تُمارس سلطتها فوق أراضيها، وأنها تفك اشتباك بين المتدينيين من الطرفين اليهود والمسلمين، وأنَّ هذا المكان هو حق لجميع الأديان، وما بيد الحكومة الإسرائيلية إلا إدارة المكان وفق قاعدة احترام الأديان.
إنَّ هذه الطريقة الإعلامية في الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين تُشبه تماماً قضية تهجير الفلسطينيين في حي العجمي بمدينة يافا وأحياء أخرى، حيث تقوم السلطات الإسرائيلية عبر وسطاء محددين ببيع بيوت الفلسطينيين الساكنين فيها لمستثمر أجنبي، ثم يقوم المستثمر بالمطالبة فيما قام بشرائه، فتنشب مشكلة بين الفلسطينيين والمستثمر، ليبدو المشهد أنها قضية خلاف بين طرفين لا علاقة للاحتلال فيها، وهذا مجانب للحقيقة.
وعليه؛ فإنَّ الاحتلال يسعى لتعزيز السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية، دون أن يتطرق لحقيقته الاحتلالية لأرض فلسطين. هو يستخدم في خطابه الإعلامي مصطلحات تنسجم مع الرأي العام، وتُشتت بوصلة المشهد عن أصل الصراع، وفي ذلك مغالطات كبيرة يجب ألا نتهاون في تصحيحها.
عدم الانتباه للخطاب الإعلامي بشكلٍ جيد، سيجعل من حقنا أمام الصديق والبعيد محل شكٍ، خصوصاً وأننا أمام عدو ماكر، ولديه من الإمكانات ما تُمكنه من ارتداء ثوب الثعلب لتمرير روايته التهويدية
فالفلسطينيون أولاً وقبل كل شيء شعبٌ محتل، ومن حق الشعوب المحتلة أن تدافع عن حريتها بكل الوسائل المتاحة، سواء قبلت أمريكا كما تفعل في أوكرانيا، أم رفضت كما تفعل مع حركات التحرر الوطني الفلسطيني. وهذا يعني أننا لسنا بحاجة للانزلاق في خطابنا الإعلامي لمربع النقاش حول من بدأ في الاعتداء على الآخر، فوجود الاحتلال بحد ذاته هو اعتداء لا تقبل به جميع القوانين السماوية والأرضية.
أما المسألة الثانية التي يجب ألا نغفل عنها في خطابنا الإعلامي فهي أنَّ المسجد الأقصى المبارك أولاً وقبل كل شيء يُمثل عقيدة راسخة لدى المسلمين، وإنَّ المساس به سوف يدفع المنطقة إلى حرب دينية واسعة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بآثارها، وأنّه وبنص القوانين الدولية مسجد إسلامي خالص للمسلمين، ولا حق لليهود فيه، وغير خاضع للتنازع بين الأطراف.
إنَّ عدم الانتباه للخطاب الإعلامي بشكلٍ جيد، سيجعل من حقنا أمام الصديق والبعيد محل شكٍ، خصوصاً وأننا أمام عدو ماكر، ولديه من الإمكانات ما تُمكنه من ارتداء ثوب الثعلب لتمرير روايته التهويدية.