كتاب عربي 21

مصر: لمن تُقرع الأجراس؟!

1300x600

الأمور صارت أكثر وضوحاً الآن!

فقد خطا الإعلامي القريب من السلطة المصرية، عمرو أديب، خطوة مهمة في اتجاه الهدف، فصار لا تخطئه العين، ولم يكن الحال بهذا الوضوح قبل لقاء الليلة الماضية!

ففي حلقة سابقة تحدث "على المكشوف" عن الأوضاع الاقتصادية البائسة، والتبشير بالقادم الأكثر سواداً، الأمر الذي دفع البعض لتصور أنه يحرّض الجماهير على النظام، ربما لحسابات إقليمية، فهو في الحسابات الأخيرة ابن هذا الإقليم، وإن كانت مصر لم تختبر العداء مع السعودية ليُعرف كيف يكون موقفه، فالذين كانوا ينحازون لنظام صدام حسين من كبار الصحفيين المصريين، انقلبوا عليه بعد غزو الكويت، وبعد القطيعة بينه وبين النظام المصري، وتحول الرئيس العراقي من "حامي البوابة الشرقية"، إلى "لص بغداد"، وإلى "الهباش البكاش"، وغير هذا من نعوت مسيئة!

في النهاية، لا أعتقد أن نظاماً مصرياً في الأمد المنظور، يمكنه التحول إلى عدو لأهل الحكم في المملكة العربية السعودية، وحتى الرئيس محمد مرسي بدا مستعداً لأن يكون للسعوديين بديلاً مريحاً بعد خسارتهم للخيار الاستراتيجي، الرئيس مبارك. ولا ننسى أنه بدأ حملته الانتخابية بزيارة السفير السعودي في مقر السفارة الذي تقع بالقرب من ميدان النهضة بالجيزة، حيث عقد أول مؤتمر انتخابي له، بعد واقعة اقتحام مصريين للسفارة احتجاجاً على جلد طبيب مصري يعمل في المملكة، وكانت وفود المعتذرين من الشخصيات العامة وقادة الأحزاب لم تتوقف!

رسالة عمرو أديب الأولى كانت لأن هناك تململاً إقليميا من عدم قدرة نظام السيسي على حل مشاكله، وقد تحول إلى عبء على الإقليم، ثم إنه يناور من أجل الالتزام بما عليه تجاه مساعديه، ولهذا فربما يرون أنه من الأفضل استبداله بغيره، أو بتحريض الشعب عليه، لينصلح حاله ويتعامل بمسؤولية

وحتى لو حدث المستحيل وحدثت المقاطعة، فلا أعتقد أن أسرة عبد الحي أديب يمكن أن تنقلب انقلاب رؤساء تحرير الصحف القومية في الموقف من صدام حسين، لأسباب يطول شرحها. فإذا لم يكن باستطاعتها المساهمة في إصلاح ذات البين، فعلى الأقل ستعتزل الأزمة إذا بدا النظام المصري ليس متسامحاً مع من يقف على الضفة الأخرى.

مما قيل إن رسالة عمرو أديب الأولى كانت لأن هناك تململاً إقليميا من عدم قدرة نظام السيسي على حل مشاكله، وقد تحول إلى عبء على الإقليم، ثم إنه يناور من أجل الالتزام بما عليه تجاه مساعديه، ولهذا فربما يرون أنه من الأفضل استبداله بغيره، أو بتحريض الشعب عليه، لينصلح حاله ويتعامل بمسؤولية.

ولا تنسَ أن هذا كان عقب هذا "الظهور الرئاسي" لجمال مبارك مرتين في يومين متتالين! ناهيك عن أن هناك من أعادوا العزف على لحن "حديث الأجهزة"، التي لا تسلم بسلامة توجه الحاكم، وتخشى من حدوث انهيار سريع في المستقبل لا يمكن تدارك آثاره، والإجماع يكاد يكون منعقداً بأنه إذا حدث الانفجار فسوف يكون كبيراً مخيفاً، ولن يكون على قواعد ثورة يناير، التي كانت ثورة لم يقم بها ثوار، ولكن دعاة للإصلاح بعد أن سدت في وجوهم وسائله الطبيعية!
هذا كان عقب هذا "الظهور الرئاسي" لجمال مبارك مرتين في يومين متتالين! ناهيك عن أن هناك من أعادوا العزف على لحن "حديث الأجهزة"، التي لا تسلم بسلامة توجه الحاكم، وتخشى من حدوث انهيار سريع في المستقبل لا يمكن تدارك آثاره، والإجماع يكاد يكون منعقداً بأنه إذا حدث الانفجار فسوف يكون كبيراً مخيفاً

لمن تقرع الأجراس؟

بيد أن ما جرى سابقاً تبين أنه مجرد تمهيد لما قاله في حلقته الأخيرة، فقد ثبت أن ما سبق لم يكن رسالة للشعب بما ينتظره من بؤس قادم، ولكن رسالة إلى الإقليم بالأساس، وللغرب أيضاً، ولهؤلاء وهؤلاء كان قرعه للأجراس!

بدا الأمر كما لو كانت "مقاولة" رست على "الأخوين أديب"؛ عماد وعمرو، فالأول كتب مقالاً كان يمكن ألا ينتبه له أحد، لكن الثاني أعاد قراءته في برنامجه، ومهد لأهميته وأهمية الكاتب، الذي هو الوحيد الآن الذي يكتب مقالاً يومياً، بحسب عمرو. ولم أعد مطلعاً على الصحافة المصرية الآن، لكي أقف بنفسي على توقفها عن أهم ما كان يميز الصحيفة اليومية، من أعمدة وزوايا يومية لكبار الكتاب!

المقال يرصد الأزمة التي ستواجه الاقتصاد المصري مع بداية العام المقبل، حيث ستحتاج الموازنة العامة إلى 25 مليار دولار إضافيا، بسبب تبعات الحرب الروسية والأوكرانية، وبسبب تأثيرات أزمة كورونا. وإذا كان يمكن للأمور أن تسير سيراً آمناً في الربع الأخير من العام الحالي، فإن ما ينتظر الدولة المصرية بعد ذلك هو "كارثة بكل المقاييس"، وأن ما يفعله الأشقاء الخليجيون الآن من ضخ الودائع، لا يمثل حلاً!

وهذا الانهيار الذي ستتعرض له الدولة المصرية نتيجة عدم القدرة على الإيفاء بهذه المتطلبات ستستفيد منه إيران وتركيا وإسرائيل!

ولم يوضح الكاتب كيف ستستفيد هذه الدول الثلاث من انهيار السلطة في مصر، وإذ كنت أعتقد أن الإقليم لم تعد إسرائيل تقلقه، فإن ذكر ايران وتركيا كاف لإزعاجه، ويبدو أنه يقصد تمدد الدولتين المنافستين إذا سقط النظام، وهو أمر لا بد أن يمثل رسالة قلق للإقليم بما فيه إسرائيل.
الإقليم لم تعد إسرائيل تقلقه، فإن ذكر ايران وتركيا كاف لإزعاجه، ويبدو أنه يقصد تمدد الدولتين المنافستين إذا سقط النظام، وهو أمر لا بد أن يمثل رسالة قلق للإقليم بما فيه إسرائيل

وعلى ذكر العراق وصدام حسين، فيبدو أن أهل الحكم في القاهرة يعيدون إنتاج دور الرئيس العراقي، بتقديم نفسه بأنه المانع من الخطر الإيراني للمنطقة، وهو أمر إن وجد آذاناً صاغية وخزائن مفتوحة في البداية، إلا أنه مثّل استفزازاً في النهاية دفع بعض الدول إلى التمرد على هذه المطالب التي لا تتوقف، فكان غزو الكويت!

ومهما يكن، فصدام حسين لم يتوقف عند القيام برسم دوره كحام للمنطقة في "كراسة الرسم"، ولكنه اتخذ خطوات عملية بإعلان الحرب على إيران، وهي الحرب التي استمرت سنين عددا، في حين أن البديل في القاهرة ليس في عداء مع طهران، وقد شاهدنا التمدد الشيعي في مصر، في إسناد عملية تمويل مراقد ومساجد آل البيت، وهو تعاون غير مسبوق، قدّم فيه مبارك رِجلاً وأخّر أخرى!

أما تركيا، فهي تعود للانكماش الداخلي، وبدأ الرئيس أردوغان في التقارب مع السعودية والإمارات، بل ومع مصر نفسها، ولم يعد هو الذي كان قبل سنوات شغوفاً بالوصول للمنطقة، وأنتج هذا الشغف حضوره إلى ليبيا والسودان!

النزوح البري الكبير

لا يمكن التسليم بالقول إن عمرو وعماد يقدحان من رأسهما، وهما يتعرضان لملف يخص "الدولة المصرية" بهذا الوضوح، وكيف أنها على جرف هار، ومعرضة للسقوط إذا لم يتدخل الأشقاء لنجدتها!

وحديث السقوط ذُكر واضحاً، فما جاء في مقال عميد العائلة "عماد أديب"، وتلاه أحد أفرادها "عمرو"، أنه لا أحد يتوقع رد فعل الشعب المصري؛ فقد كتب نصاً عن تداعيات الأزمة: "سوف يؤدّي إلى حالة من عدم الاستقرار في مصر تعيد حالة الفوضى التي صاحبت سابقاً أحداث كانون الثاني/ يناير 2011، وساعتئذٍ لا أحد سيتمكّن من توقّع ردود فعل القوى الشعبية الداخلية".
حديث واضح، وتحذير جلي، لوضع الإقليم والعالم أمام مسؤولياتهما لإنقاذ الدولة المصرية من السقوط. ولم يعد الأمر هنا حديث "أماني" للمعارضة في تركيا وغيرها، ولكنه حديث من قلب النظام بأن الانهيار قادم، ما لم تأت المساعدات، ليكون السؤال: هل سيهب العالم لإنقاذ السيسي

وقال إن أبواب جهنم ستفتح على المنطقة، وسيحدث "النزوح البري الكبير" عبر الحدود مع ليبيا وفلسطين والسودان. ولم يذكر إن كان هذا النزوح بهدف الاستقرار في هذه الدول الثلاث، أم بوابات مرور لدول أخرى، وإن كان المدهش هو ذكره النزوح إلى فلسطين، وكأنه يضم إسرائيل إلى الدول المعنية بإنذاره، والمطالبة بتقديم الدعم للنظام، ولأنها البوابة إلى البيت الأبيض، فهي معنية بدفعه لمساعدة ولي الأمر في القاهرة حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه ويكون أمن إسرائيل في خطر، بسبب هذا النزوح الذي ستنتجه الأزمة الاقتصادية!

ولم ينس "عماد أديب" أن يحذر الغرب والخليج مما وصفه بكابوس الهجرة بـ"الملايين"، عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وعبر البحر الأحمر إلى دول الخليج!

إنه حديث واضح، وتحذير جلي، لوضع الإقليم والعالم أمام مسؤولياتهما لإنقاذ الدولة المصرية من السقوط. ولم يعد الأمر هنا حديث "أماني" للمعارضة في تركيا وغيرها، ولكنه حديث من قلب النظام بأن الانهيار قادم، ما لم تأت المساعدات، ليكون السؤال: هل سيهب العالم لإنقاذ السيسي، إن لم يكن من أجل استمرار حكمه فخوفاً من الهجرة بـ"الملايين"، ويتحرك الإقليم (السعودية والإمارات تحديداً) لإنقاذ نظام يرسل رسالة جريئة بأنه يترنح، بشكل سيكون في صالح إيران وتركيا؟!

الواقع أن نظام السيسي أسس شرعيته لدى الغرب بإبرام صفقات تدفع فيها مصر ولا تأخذ، كما علاقته بألمانيا وفرنسا. ثم إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدو متحمسة لسد هذا العجز الذي تحتاجه القاهرة (25 مليار دولار)، فهل يستطيع الإقليم؟!
يريد أن يحكم وفي المقابل على الخليج أن يتحمل فاتورة ذلك. وقاعدتنا القديمة أن الخليج لو تدخل لتوفير وجبة فطار لشعب تعداده مئة مليون نسمة (فول وطعمية فقط)، سينتهي المطاف بصحفه للكتابة عن مساكن الإيواء، في حين أن القاعدة المعتمدة عنده "لديهم فلوس زي الرز"!

لقد قلنا مبكراً إن القاعدة العامة هي "خد من التل يختل"، وأن أمثال السيسي موجودون في قرانا كنماذج للشاب الذي يريد من والده أن يزوجه ثم ينفق عليه، فهو يريد أن يحكم وفي المقابل على الخليج أن يتحمل فاتورة ذلك. وقاعدتنا القديمة أن الخليج لو تدخل لتوفير وجبة فطار لشعب تعداده مئة مليون نسمة (فول وطعمية فقط)، سينتهي المطاف بصحفه للكتابة عن مساكن الإيواء، في حين أن القاعدة المعتمدة عنده "لديهم فلوس زي الرز"!

والأزمة أن هناك ثلاث دول خليجية عملت على تعويمه، لكنه كان حريصاً على الغرق، وكأن الله سلطه على نفسه، فبدد المليارات في بحر الرمال المتحركة (العاصمة الإدارية الجديدة)، أيضاً في الشغف بإنشاء أكبر قدر من الكباري، بشكل تحول إلى حالة مَرضية، وبهدف تحقيق غاية الانتشار السريع للجيش والشرطة، إذا حدث مكروه لحكمه.

وليس مضمونا إذا تحرك الإقليم استجابة لهذا الإنذار، وقدم المطلوب، أنه يمكن منع ما وصفه "عماد أديب" بـ"الكارثة"، ولعله لم يعد لديه سوى ورقة واحدة للحصول على ما يريد، هي فتح أبواب السجون للإخوان، لإعادة استخدام نفس الفزاعة التي كان يستخدمها مبارك لإخافة الغرب، لإحداث الفزع المطلوب لحلفائه الخليجيين والإسرائيليين على حد سواء! وبدون هذا، فان هذا الإنذار لن يؤدي الغرض منه، فلا يزال لدى الإقليم المزيد من الوقت لصناعة البديل!

إن مفاد رسالة النظام المصري عبر "وسائطه" هي: "الحقونا".. فهل "يلحقوه"؟!

 

twitter.com/selimazouz1