نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده سفيان طه وبيثان ماكرنان حول الغضب المستمر في مدينة جنين بعد شهرين على مقتل الصحافية الفلسطينية- الأمريكية ومراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.
وقالا إن مخيم جنين يشهد يوميا مداهمات من جيش الاحتلال الإسرائيلي. ونقلا عن صاحب بقالة يدعى صالح فرح الذي كان يحضر نفسه لتنظيف آثار الرصاص الفارغ، ففي الليلة السابقة اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية عنصرا من عناصر الجهاد الإسلامي وقتل شخص خلال العملية. وبعيدا عن المكان الذي قتلت فيه أبو عاقلة وحوله اللوحات الجدارية والصور لا تزال بركة من الدم الجاف حيث قتلت.
ويقول فرح: "إنه نفس الأمر كل ليلة، لا تستطيع الخروج بدون أن تقتل، ولكن هذا لن يوقفنا عن ممارسة حياتنا اليومية" و"جنين هي مركز المقاومة الفلسطينية منذ الانتفاضة الثانية، ولم ينس الإسرائيليون هذا ويريدون معاقبتنا".
وكانت أبو عاقلة تغطي مداهمة إسرائيلية للمخيم عندما قتلت برصاص قناص إسرائيلي على أكبر احتمال، وهي واحدة من 25 فلسطينيا قتلوا في جنين منذ بداية العام الحالي. وتحولت المداهمات الليلية على جنين إلى واحدة من أكبر العمليات العسكرية خارج وقت الحرب ومنذ عقدين. ويعتبر مخيم جنين أكبر مخيم للاجئين في الضفة الغربية وعددها 19 مخيما وهو الأفقر وبنسب عالية من البطالة.
وتعتبر المعارك بين المسلحين والجنود الإسرائيليين في أزقة المخيم الضيقة أمرا شائعا. ومع أن جنين هي داخل منطقة ألف، وجزء من 18% من أراضي الضفة الغربية الواقعة تحت إدارة السلطة الوطنية إلا أن الأخيرة سمحت للقوات الإسرائيلية بحرية الحركة بالمنطقة أثناء الانتفاضة الثانية ما بين 2000- 2005.
واستخدمت إسرائيل في أثناء المعركة على مخيم جنين والتي استمرت ثمانية أيام المروحيات العسكرية والجرافات العسكرية لهدم مركز المخيم حيث قُتلت أعداد من الطرفين في واحدة من أكثر المعارك دموية في أثناء الانتفاضة. ولأنها لم تكن قادرة على إخراج المسلحين من فتح وحماس والجهاد الإسلامي من المخيم، فقد رحبت السلطة الوطنية منذ ذلك الوقت بجيش الاحتلال الإسرائيلي لملاحقة الجماعات المعادية للسلطة.
اقرأ أيضا: اتهامات لأمريكا بتبرئة إسرائيل من مسؤولية اغتيال أبو عاقلة
وجاءت العمليات الإسرائيلية الأخيرة في المخيم عقب أسوأ هجمات قتل فيها 19 إسرائيليا، وجاء معظم المهاجمين من جنين. وكانت أبو عاقلة تنتظر مع عدد من الصحافيين الفلسطينيين لتغطية مداهمة إسرائيلية، وكلهم كانوا يرتدون الخوذ والسترات الواقية التي كتب عليها كلمة صحافة.
وقال الزملاء الذين كانوا في مكان الجريمة إن الرصاص جاء من الجانب الإسرائيلي وأنه لم يكن هناك مسلحون باستثناء الجيش.
ونفت إسرائيل بداية أن تكون أبو عاقلة قتلت برصاص جنودها وأنها قتلت برصاص مسلح فلسطيني، ثم عادت وصححت واعترفت أن الرصاصة ربما جاءت من الجنود الإسرائيليين. وقالت فاطمة قصون، 45 عاما والتي تعيش في الشارع المقابل لمكان قتل الصحافية: "كان من الواضح ما حدث لشيرين، وأنا مجرد مدنية وأخبرك بهذا". و"جاءت شيرين للمخيم عدة مرات وكلنا تابعنا عملها وسنفتقدها".
وتحولت جريمة قتلها لقضية سياسية حيث طالبت عائلتها والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسلطة الوطنية بتحقيق مستقل، كما حول الفلسطينيون الملف إلى محكمة الجنايات الدولية. ورفضت السلطة الوطنية تحقيقا مشتركا مع إسرائيل لعدم الثقة بالأخيرة. وتوصلت سبعة تحقيقات صحافية وكذا التحقيق الفلسطيني إلى أن الصحافية استهدفتها القوات الإسرائيلية.
وعندما وافقت السلطة الوطنية الأسبوع الماضي على تسليم الرصاصة للسفارة الأمريكية في القدس، بشرط عدم مشاركة إسرائيلية، إلا أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجنرال ران كوشاف أخبر الإعلام أن الرصاصة ستفحص على يد المحققين الإسرائيليين بحضور أمريكي.
وبعد الفحص أصدرت واشنطن بيانا قالت فيه إن التحليل الباليستي المفصل للرصاصة أظهر أنها متضررة جدا حتى يتم التوصل إلى نتيجة قاطعة. إلا أن "الرصاص الصادر من الجيش الإسرائيلي هو المسؤول على أكبر احتمال" عن مقتل أبو عاقلة.
وقابل الفلسطينيون النتيجة بمشاعر غاضبة ودهشة ورأى الكثيرون أنها محاولة لتخفيف التوتر قبل زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط والتي تبدأ غدا الأربعاء. وقال أبو خالد من سكان المخيم: "كل هذا الكلام والتركيز في التحقيق على الرصاصة والبندقية، لا معنى له". وأضاف: "هذه إهانة وتزييف، لكن إن قالت أمريكا إنها هي الحقيقة فهي الحقيقة" معلقا بسخرية.
ورفضت عائلة أبو عاقلة التي أخبرت مقدما، نتائج التحقيق وقالت إنه "افتراض حسن نية نيابة عن قوة احتلال معادية وعنيدة" وتعهدت بمواصلة العدالة عبر تحقيق مستقل وشفاف. وفي جنين يتطلع سكانها إلى فترة راحة من المداهمات الوحشية خلال زيارة بايدن، ويعتقدون أن إسرائيل لن تخاطر بأي عملية تحرف النظر عن زيارة الرئيس وتركزه على واقع الاحتلال اليومي.
ومع حلول الظلام على المخيم، يشع القمر نوره على الأزمة المتعرجة. وعلى الجدران المثقوبة بالرصاص تظهر جذوع التين والعنب اللذين لم ينضجا بعد. ويطل وجه أبو عاقلة من الملصقات واللوحات الجدارية على كل شارع وزاوية لا تزال هادئة تنتظر ماذا سيحدث بعد.
خارجية فلسطين لـ"عربي21": ملف إعدام أبو عاقلة أمام الجنائية
إصابات واعتقالات عقب اقتحام الاحتلال للضفة والقدس (شاهد)
الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويهدم منزلا غربي رام الله