كتاب عربي 21

إسرائيل تقود الدول العربية: نتيجة حتمية

1300x600
خبرُ اليوم هو أنّ إسرائيل توسّع من دائرة علاقاتها مع الدول العربية. قبل عقود خلت، اضطرت عدّة دول عربية الى التطبيع مع إسرائيل نتيجة للهزائم العسكرية التي منيت بها أثناء الحرب ضدّها، وغياب الخيارات الاستراتيجية، والبدائل المتاحة لمواصلة الصراع. أمّا اليوم فتذهب العديد من الدول العربية اليوم متطوعة الى التطبيع مع إسرائيل، بالرغم من أنّ هذه الدول كانت قد وافقت على عدم التطبيع مع إسرائيل إلا اذا نفّذت الأخيرة الشروط المطلوبة منها، وهي معادلة عُرفت باسم الأرض مقابل السلام، وقدّمها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز ووافقت عليها الدول العربية في قمّة بيروت عام 2002.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يحصل هذا الآن؟ أحد الأجوبة على هذا التساؤل يكمن في حقيقة أنّ إسرائيل في وضع أفضل اليوم مما كانت عليه في ذلك الوقت، وفي المقابل فإنّ الدول العربية في وضع أسوأ ممّا كانت عليه حينها. الهاجس الأساسي والرئيسي لكل الأنظمة العربية هو كيف يمكن أن نبقى في الحكم لأطول فترة ممكنة في ظل غياب الشرعية الداخلية، ومن باستطاعته أن يحمينا من المخاطر الداخلية والخارجية. أزمة الشرعية هذه تعمّقت مع الثورات العربية التي كانت بمثابة ردّة فعل على تردّي الأوضاع. بعض الأنظمة انسجمت مع النتيجة، والأغلبية قاومتها وانقلب عليها.
إسرائيل في وضع أفضل اليوم مما كانت عليه في ذلك الوقت، وفي المقابل فانّ الدول العربية في وضع أسوأ ممّا كانت عليه حينها. الهاجس الأساسي والرئيسي لكل الأنظمة العربية هو كيف يمكن أن نبقى في الحكم لأطول فترة ممكنة في ظل غياب الشرعية الداخلية، ومن باستطاعته أن يحمينا من المخاطر الداخلية والخارجية

وبالرغم من زوال خطر الثورات في هذه اللحظة، فإنّ سؤال الشرعية وهاجسها لا يزال قائماً وأقوى من أي وقت مضى. العامل الوحيد الذي يوازن هذه المخاوف هو الدعم الخارجي أو الشرعية التي تأتي من الخارج، غالباً من الولايات المتّحدة الأمريكية. لكن منذ عهد إدارة أوباما، بدا أنّ هناك توجّها استراتيجياً لتركيز الجهود والموارد الامريكية باتجاه الصين بدلاً من الخليج، ولم تعد حماية هذه الأنظمة أولوية لواشنطن. وفضلاً عن ذلك، فقد عبّر أوباما عن توجّه شخصي لعقد صفقة مع إيران مهما كلّف الثمن، وهو ما فُهم منه أنّه سيتخلى عن الأنظمة التقليدية في الخليج لصالح اتفاق مع إيران. بخلاف موقفه من إيران، كان أوباما والعاملون في إدارته يحتقرون الى حد بعيد الأنظمة العربية ويعتبرونها عالة على واشنطن، وقد شبّه أوباما هذه الأنظمة في مقابلة له بـ"راكبي الحافلة مجاناً".

مع مجيء ترامب لم تتغيّر النظرة الامريكية، وقد عبّر الرئيس الأمريكي حينها عن احتقاره للأنظمة العربية لا سيما السعودية بشكل أكبر وأكثر مباشرة، لدرجة أنّه راح يسخر منها علناً وفي احتفالات جماعية. في الذهنيّة العربية للأنظمة الحاكمة، إسرائيل هي المفتاح الى الولايات المتّحدة، وقد اقترحت تل أبيب وهي ترى أنّ هذه الأنظمة في حالة أزمة مع واشنطن؛ أن تقوم هي بالدور الأكبر لتأمين نفوذ لهذه الأنظمة داخل واشنطن وتأمين الشرعية اللازمة للانتقال السياسي، مقابل التطبيع معها. وهذا ما حصل بالفعل، لكن تحت غطاء التعاون الأمني ضد الخطر الإيراني.

السؤال الثاني الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدافع إسرائيل عن هذه الأنظمة فعلاً اذا ما تعرّضت للتهديد؟ الجواب على هذا السؤال هو لا ونعم في نفس الوقت. لا، بمعنى أنّ إسرائيل لن تنخرط في أي حرب للدفاع عن هذه الأنظمة أو بالنيابة عنها، فهدفها هو حماية نفسها وليس الآخرين. ونعم، بمعنى أنّها ستفعل كل ما بوسعها لتحافظ على هذه الأنظمة قائمة نظراً للمنفعة التي تحصل عليها منها، وهذا يعني أنّها ستدفع الولايات المتّحدة و/أو غيرها من الدول للدفاع دوماً عن هذه الأنظمة في وجه أي تغيير محتمل. ولعلّ التجربة المصرية في هذه الحالة تُعدّ نموذجا لهذا الوضع. لكن الجدير بالذكر أنّ حرص إسرائيل على بقاء هذه الأنظمة لا يمنع في النهاية من انهيارها، بل ولربما عجّل في ذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التجربة التي يقدّمها التاريخ لنا في حالة إيران.
ستستفيد من أموال البترول، وتزيد من تصدير الأسلحة والبرمجيات التجسّسية الى الأنظمة العربية، وتستغل التطبيع لتكسر حاجز عزلتها على المستوى الإسلامي. ولمّا كان هذا الوضع هو السائد، فمن الطبيعي أن تقود إسرائيل الدول العربية في نهاية المطاف

قد يقول قائل: وما المشكلة في التطبيع مع إسرائيل، فهناك دول أخرى غير عربية فعلت الأمر نفسه، تركيا مثلاً؟ الحقيقة أنّ هذا القياس مضلل الى حد بعيد لعدد كبير من الأسباب؛ من بينها -على سبيل المثال لا الحصر- أنّ تركيا لم تطرح المبادرة العربية وتتراجع عنها، ولم تطبّع مع إسرائيل سرّاً أو تحاول إيجاد مبرّرات غير سوية. فضلاً عن ذلك، فإنّ تطبيعها مع إسرائيل لم يأت نتيجة لهزائم عسكرية ضدها، أو لغياب الشرعية الداخلية للنظام السياسي. وفي جميع الأحوال فإنّ إسرائيل تنظر الى تركيا كند، بل وتحاول -بالرغم من العلاقات بينهما- ما بوسعها لتعرقل حصولها على دعم سياسي غربي أو تزعّمها للنظام الإقليمي أو حصولها على أسلحة.

في المقابل، علينا أن نعترف انّ الانظمة العربية لا تنتج حتى تصدّر، ولا تزرع حتى تأكل، ولا تصنّع حتى تدافع عن نفسها، ولا شرعية داخلية لها حتى تقدّم نفسها كند لإسرائيل. ما ستفعله إسرائيل هو أنّها ستستثمر الانفتاح المجاني عليها لكي تعزل الفلسطينيين، وتتخلّص من أي التزامات تجاه إقامة دولتين مستقلتين، وتعزز من موقعها ودورها الإقليمي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. فضلاً عن ذلك، ستستفيد من أموال البترول، وتزيد من تصدير الأسلحة والبرمجيات التجسّسية الى الأنظمة العربية، وتستغل التطبيع لتكسر حاجز عزلتها على المستوى الإسلامي. ولمّا كان هذا الوضع هو السائد، فمن الطبيعي أن تقود إسرائيل الدول العربية في نهاية المطاف. لكن السؤال الذي نختم به هو: الى أين؟ وعلى حساب من؟

twitter.com/AliBakeer