قضايا وآراء

مَنْ ينقذ مصر من حكم الجنرال؟ (2-2)

1300x600

(1)

لما جاء الجنرال عبد السيسي أتى بالخيبة من أطرافها، دعمته مخابرات عالمية رأت في تحرر مصر من التبعية نهضة شاملة تهدد العدو الصهيوني، ثم إنها تكرس لنهضة مماثلة في الوطن العربي كله.. فلن يصل النعناع الجزائري لباريس بثمن زهيد صباحاً ليباع بأضعاف أضعاف سعره بعد ساعة أو أكثر قليلاً، ولن تستقبل الأسواق الأمريكية والأوروبية خيرات العرب كل ثانية، بل ينافس القطن المصري نظيره الأمريكي الأقل درجة، وسوف تتراجع الصادرات من القمح التي تدر المليارات، وتتوقف مسيرة شراء الأسلحة بمليارات المليارات التي يخزنها الحكام العرب خوفاً من إفاقة شعوبهم، ولسوف يصنع أصحاب العقول والمواهب العرب السيارات والطائرات والدبابات بإمكانات محلية خالصة؛ مثلما تفعل تركيا منذ بدأت مسيرة النهضة والحراك نحو المستقبل والتقدم، وسيكتفي العرب من الدواء فيضيع جزء كبير من تقدم الغرب، وربما يتحد أبناء يعرب فيهددون العالم بقوة جديدة تبشر بعودة حضارتهم الرحيمة.

من هنا، اجتمع أعداء الحياة الحقيقية وعاشقو التزييف من الحكام الفاشلين، وإن برعوا في خنق شعوبهم حول السيسي، لكن ساقي حصان الأخير افتقدت الرضا الشعبي، فجاءت المجازر والاعتقالات والقتل والتشريد بمستوى لم تشهده مصر من قبل منذ قرون!

(2)
رأى السيسي كيف تخلى أسياده في تل أبيب والغرب كله عن مبارك وتركوه يستف التراب، وإن بقي في مصر وإن تمتع بنجليه بعد حبس أشهر قليلة، وإن أبقوا له ماله الذي سرقه من دماء المصريين وزهرة أيامه، لكنه عاش بلا جبروته المعهود واستسلام البشر والطرقات له بعد نهبه الملايين وتسبيح المفسدين بحمده.

رأى السيسي أن أنفاس الحرية القليلة التي منحها مبارك مضطراً أو مطمئناً هي التي أودت في النهاية به، ورأى أسياده ويرون وسيظلون يرون طويلاً أن أدنى نسمة حرية ستجعل المصريين يستحضرون عزتهم وكرامتهم في2011 و2012م

رأى السيسي أن أنفاس الحرية القليلة التي منحها مبارك مضطراً أو مطمئناً هي التي أودت في النهاية به، ورأى أسياده ويرون وسيظلون يرون طويلاً أن أدنى نسمة حرية ستجعل المصريين يستحضرون عزتهم وكرامتهم في2011 و2012م، مع الاختلاف في درجات فقْد تلك الحرية حتى 3 تموز/ يوليو 2013م.

وعلى النقيض من الأحاديث حول ملف الحرية، فإن الغرب اتفق واجتمع على حبس مصر كلها وعدم إبقاء شيء من الحرية والكرامة لدى أهلها، فالمراقبة الأمنية تتم على الطبيب الذي يعالج مريضاً مصاباً من الحراك الثوري، ولو كان العلاج تلبية لقسمه عند التخرج، والمراقبة تجعل الأخ يبلغ عن أخيه حرفياً، وتقطع دابر ونسيج المصريين، وتمنع استمتاعهم بالحياة، وتقطع دابر الفئة الثورية التي لا تجاوز 4 أو 5 في المئة من المصريين وغيرهم، وتخلق جيلاً جديداً همه الحياة على أي نحو..

يعايرهم السيسي بلقمتهم وأنه "يشحتها" لهم ويجلس على كرسيه للمرة الأولى في تاريخهم مولياً ظهره لأهل الكنانة ويحدثهم، يحتقرهم دائماً ويعايرهم كل حين بخطيئتهم كانون الثاني/ يناير 2011م، يعرّفهم أنه ينتقم منهم، يصرخ مُقراً بأن بلده ليس بلداً ولا يملك صفات الوطن الذي هو "حضن" لديه في لقاءات أخرى.. يفرغ كرهه وحقده لكل المصريين علناً ولا يبقي على شعرة مبارك أو معاوية بينه وبينهم، فهو يلعنهم عياناً بياناً جهاراً نهاراً، والحل معروف فالمعترض له السجن وأحياناً القتل وكل أجهزة الدولة في يمينه. وهو يجيد تمثيل البلاهة والغباء ليخدع الأغبياء من مقاوميه الذين لا يقلون غباء عنه وحباً للحياة ولو على رفات أقرانهم ورفات دربهم.
على النقيض من الأحاديث حول ملف الحرية، فإن الغرب اتفق واجتمع على حبس مصر كلها وعدم إبقاء شيء من الحرية والكرامة لدى أهلها

(3)
نجح السيسي وحكام الغرب والعرب والطغاة عموماً في إسكات المصريين عما نتوقع أنه أبعد شأناً من اليوم وغداً والعام المقبل والذي يليه، ومع أسفنا وألمنا فإن الواقع كذلك، ولكن متى كانت البلاد تدار بالأفراد وحدهم وإن كانوا من كبار الخونة؟ ومتى كانت البطانة المساندة لأمثال السيسي تتبع الحاكم طوال الدهر؟ ومتى كانت الأقدار ترضخ لرغبة إنسان؟

ظن عبد الناصر أنه يعيش ربع قرن وكان حتى آخر خطاباته يعاير المسجونين من الإخوان بعدم الإفراج عنهم ولو عاش طويلاً، فمات بعد أيام وخرجوا بعد سنوات قليلة.. وغيّر السادات مادة الدستور الخاصة بمدتي بقائه وفق دستوره في 1971م، وكانت اللجنة المختصة بالتغيير فيها المطربة الراحلة فايدة كامل، صاحبة أغنية "عظيمة يا مصر"، ففتحت للسادات مدد الحكم مدى الحياة في 1980م فقتل (رحمه الله) قبل مرور العام التالي.. وكان مبارك يستعد لتوريث حكمه لنجله جمال بعد تجاوز الأكبر علاء لأسباب خافية، فلا حكم مبارك نفسه لتسع سنوات بقت من حياته قبل أن يتوفاه الله، ولم ير كرسي الحكم جمال ولا علاء وبالتالي أبناؤهما وأحفادهما كما كانوا يأملون جميعاً بمن فيهم السيدة سوزان التي تمنت توريث الكرسي حتى يوم الدين.

(4)
ولكن يبقى السؤال الأهم: مَنْ يخلص مصر من السيسي إذن ويحيي مصر؟!

فإنه من المفهوم والمعلوم والمأمول أنه بذهاب الجنرال القاتل المنقلب (بأي طريقة) تنقلب الطغمة الحاكمة التي يتسيدها لحساب نظام جديد، تأكل نفسها بنفسها، تفني غير القادر على تجديد جلده والسجود للنظام التالي. والحاكم الجديد مضطر لإعادة النظر في نسيج الشعب ليبقي لنفسه شرعية بعد زوال شرعية دماء سابقه وعدم رضا العالم عن نهايته ونتائج سياسته، فمن طباع أولاء تغيير عبيدهم.

ولكن كيف يتم التخلص من السيسي وهو يستعد للتحصن في عاصمته الإدارية وترك القاهرة ومصر للبسطاء ومتوسطي الدخل؟

وكيف وهو محاط بمصالح وتكتلات حقيرة صغرى وضخمة محلياً وعالمياً؟

وكيف وهو يصطفي رجالاً مثل الأسود من حوله يأكلون الأموات قبل الأحياء؟

وكيف والمصريون إما مقهورون أو على شاكلة السيسي في الداخل والخارج إلا القليل غير الفعال؟

ومَنْ.. ومَنْ..؟

باختصار: تخلصنا منه الأقدار بمفردها (إن عجز البشر)، فلما تشاء تفعل بطريقة أعجب من إطاحة بأشباهه بدرجاتهم: عبد الناصر والسادات وكينيدي وهتلر وتشاوشيسكو والقذافي وعبد الله صالح ورابين، وهلم جراً ورفعاً ونصباً وتسكيناً حتى حين.

فإن سألوا: متى هو وأنغضوا رؤوسهم؟

قلنا: عسى أن يكون ردف لكم وتأخر عنكم حتى قليل الخبر، ويومئذ يفرح شرفاء العالم لا المصريون والعرب وحدهم!