كتاب عربي 21

دلالات زيارة رئيس البرلمان الليبي لأنقرة

1300x600
السكوري، أحد أبرز الشعراء الشعبيين في شرق ليبيا، تغنى حزينا على زيارة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح لتركيا، ولقائه بالرئيس التركي رجب أوردغان، وذكر في ترنمه الخسائر الفادحة ضمن مقاتلي الشرق بعد تدخل تركيا في الحرب التي شنها خليفة حفتر ودعمها عقيلة صالح، في ذهول أمام ما يجري من تحول في المواقف كبير.

ذهول السكوري تعبير صحيح عن النقلة التي وقعت في علاقات الجبهة الشرقية، جبهة طبرق- الرجمة، مع تركيا، بغض النظر عن أهداف الزيارة بالنسبة لعقيلة صالح، وهي بلا شك ذات كلفة وتأتي خصما من رصيده الذي تأكد مؤخرا أنه في تناقص، إلا أن لعقيلة مآرب في تلك الزيارة لا تقل أهمية.

ومن المهم التنويه إلى أن اتجاه عقيلة صالح، الحليف للنظام المصري، إلى تركيا والتصريح بأنها شريك في استقرار ليبيا؛ يعني أن نفوذ القاهرة لم يعد على ما كان عليه، كما يعني أن أنقرة مستعدة إلى للانفتاح أكبر على من كانوا يصفونها بالدولة الغازية ويعتقلون رعايها على خلفية العداء لها.

ما رشح بخصوص أسباب انفتاح عقيلة صالح على أنقرة هو التطور في موقف الأطراف الإقليمية التي شكلت جبهة موحدة ضد تركيا، والتي ضمت السعودية والإمارات، حليفتي طبرق- الرجمة، والذي انتهى موقفها إلى تطبيع وتبادل الزيارات على مستوى قمة هرم السلطة التنفيذية.
اتجاه عقيلة صالح، الحليف للنظام المصري، إلى تركيا والتصريح بأنها شريك في استقرار ليبيا؛ يعني أن نفوذ القاهرة لم يعد على ما كان عليه، كما يعني أن أنقرة مستعدة إلى للانفتاح أكبر على من كانوا يصفونها بالدولة الغازية ويعتقلون رعايها على خلفية العداء لها

يبدو أن عقيلة صالح، ومن خلفه النظام المصري، يدرك أن الدور التركي في تعاظم في المنطقة ومؤشره ليس تطبيع حلفائه في الخليج معه، بل وزن أنقرة في الصراع الدولي الدائر اليوم، ودورها في الملف الليبي والذي يمكن أن يكون رأس حربة الموقف الأمريكي الأوروبي ضد الوجود الروسي في ليبيا.

مما لا شك فيه أن عقيلة صالح، ربما بتنسيق مع القاهرة، يرغب باستغلال مصالح أنقرة في ليبيا من أجل تمرير مقاربة طبرق- الرجمة لصيغة التسوية السياسية، ومضمون الأساس الدستوري الذي تقوم عليه الانتخابات في البلاد، وشرعنة الحكومة التي كلفها مجلس النواب.

انتهت الجولة الثالثة للتفاوض بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى فشل، بعد أن أصر عقيلة صالح وداعموه في مجلس النواب على ضرورة السماح لحاملي الجنسيات الأجنبية والعسكريين الترشح للانتخابات الرئاسية. ويعتقد عقيلة صالح أن نفوذ أنقرة في الغرب الليبي والذي تطور بشكل كبير بعد صد العدوان على العاصمة، يمكن أن يسهم في تليين موقف رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، والثلة التي تناصره، في موقفه من نقاط الخلاف في الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، والأهم عنده هو قبولهم بالحكومة التي كلفها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، والتي تتحفظ عليها أنقرة لأسباب؛ منها الدور المصري في تشكيل الحكومة، ومنها نفوذ حفتر فيها بعد تعيين وزير الدفاع وزير المالية من الموالين للأخير، وما قد يقود إليه ذلك من إلغاء للاتفاقية الأمنية والعسكرية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019م.
تدرك أن تنفيذ اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري الذي أبرمته مع حكومة الوفاق يرتهن إلى جبهة طبرق- الرجمة، وهذا ما يفسر تقاربها مع مجلس النواب واستقبالها رئيسه مؤخرا

خطط الحكومة التي يترأسها باشاغا في الدخول للعاصمة ومن ثم حصولها على الاعتراف الدولي؛ تسهم أنقرة في تعطيلها، وبالتالي فإن التفاهم مع تركيا خيار لا بديل عنه.

في المقابل، أنقرة تدرك أن تنفيذ اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري الذي أبرمته مع حكومة الوفاق يرتهن إلى جبهة طبرق- الرجمة، وهذا ما يفسر تقاربها مع مجلس النواب واستقبالها رئيسه مؤخرا. ويدرك عقيلة صالح حجم المصالح التركية التي تتحكم فيها جبهته، وما يمكن أن يجنيه من استخدامه هذه الورقة في التدافع السياسي على الصعيدين المحلي والإقليمي.

هذه الخلطة المعقدة والتداخل في المصالح تفتح الباب أمام كل السيناريوهات، والتي منها لعب أنقرة دورا في تسوية الخلاف الحكومي والاتفاق على حكومة مصغرة، والذي سيكون أحد أسباب جسر الهوة بين الفرقاء الليبيين فيما يتعلق بالانتخابات والأساس الدستوري والقانوني لها.