يثير توقيت قرار أذربيجان بافتتاح سفارتها لدى دولة
الاحتلال، رغم التعاون المسبق بين الجانبين في كل المجالات، ووجود
سفارة إسرائيلية في باكو منذ العام 1993، التساؤلات حول الأسباب التي دفعت باكو لهذه الخطوة الآن لدى الأوساط الإسرائيلية.
وتبدي باكو حساسية تجاه التطورات في الساحة الفلسطينية، وبجانب افتتاح سفارتها في
تل أبيب، فقد تقرر فتح مكتب تمثيلي في رام الله.
ويحاول الإسرائيليون فهم افتتاح السفارة الأذرية في تل أبيب على خلفية نتائج حرب ناغورنو قره باغ الثانية في 2020، واتفاقات التطبيع، والتوترات المتزايدة بين إيران وأذربيجان، رغم أن علاقات أذربيجان والاحتلال صمدت في العديد من الاختبارات، بما في ذلك تدهور علاقات الأخير مع تركيا، حليف باكو الرئيسي، التي رغم طبيعتها العلمانية، فلا ينبغي النظر لعلاقاتها مع تل أبيب بمعزل عن علاقات الأخيرة مع بقية الدول العربية والإسلامية.
غاليا ليندشتراوس، الباحثة في شؤون تركيا والدول الإسلامية المحيطة فيها، ذكرت "خمسة أسباب لقرار باكو، أولها انتصار أذربيجان في حرب ناغورنو قره باغ الثانية ضد أرمينيا في 2020، وإذا كانت هناك خشية أذرية في الماضي من أن فتح سفارة في تل أبيب سيثير انتقادات بين العرب والمسلمين، ويؤدي لتصويت ضدها في المحافل الدولية، لكن نصرها الساحق ضد أرمينيا يجعلها بحاجة لدعم أقل في الساحة السياسية".
وأضافت في
دراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ترجمتها "عربي21" أن "السبب الثاني هو استئناف علاقات تل أبيب وأنقرة، مما جعل العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين دولة مسلمة وإسرائيل روتينية أكثر من ذي قبل، واليوم تحافظ 12 دولة إسلامية على علاقات دبلوماسية كاملة مع الاحتلال".
أما السبب الثالث فهو "التوتر المتزايد بين أذربيجان وإيران، سواء لوجود عدد كبير من الأذريين فيها، وخشيتها من تطلعاتها الانفصالية، وتأييدها لأرمينيا في نزاعها مع أذربيجان".
وأكدت الباحثة أن طهران تنظر لتعاون باكو مع تل أبيب بشكل سلبي، وأعطت لذلك تعبيرا صريحا وواضحاً، لأن توطيد علاقاتهما يتيح للاحتلال فرصة لتعميق وجوده ونفوذه في مجالات الأمن والاستخبارات، بما في ذلك استخدام الأراضي الأذرية لنشاطه ضد أهداف في إيران، التي لم تتمكن من منع تعاونهما الأمني على مر السنين.
وأوضحت أن السبب الرابع يكمن في استيراد النفط الإسرائيلي من أذربيجان بنسبة 40٪، وتصدير الصناعات العسكرية الإسرائيلية إليها، وتعاونهما الاستخباراتي.
وبعد حرب أوكرانيا، تصدير الحبوب من أذربيجان لـ"إسرائيل"، كما تشارك شركة إسرائيلية في منشأة لتحلية المياه ببحر قزوين.
ويواكب ذلك تزايد سياحة الاحتلال بسفر 50 ألف سائح إسرائيلي لأذربيجان سنويا، وتوسيع تعاونهما الاقتصادي، مع بلوغ حجم تجارتهما المدنية، بدون النفط، 200 مليون دولار.
وأشارت إلى أن "السبب الخامس يتعلق بأن أذربيجان لديها واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في بلد إسلامي، رغم أنها صغيرة نسبيا مقارنة بالمجتمعات اليهودية في البلدان خارج العالم الإسلامي، وتتراوح التقديرات بين 15-30 ألفا، أما مجتمع المهاجرين الأذريين في إسرائيل فيقدر عددهم بـ50-70 ألفا".
وكشفت أن "الرئيس الأذري إلهام علييف توسط بين تل أبيب وأنقرة لتطبيع علاقاتهما عام 2018، ورغم توتراتهما، لكن باكو لم تخفض علاقاتها مع تل أبيب، بل تعمقت.
وفي مثلث علاقات الثلاثة، هناك إمكانية لتنافس الصناعات العسكرية الإسرائيلية والتركية تجاه أذربيجان، ويرجح اشتدادها مع تقدم تركيا بشكل أكبر بصناعاتها التسلحية، بالتزامن مع تشكيل حكومة إسرائيلية قريباً، وعلاقة بنيامين نتنياهو الجيدة مع علييف".
الخلاصة الإسرائيلية أن أذربيجان تعتبر شريكا مهما للاحتلال في العقود الأخيرة، سواء من حيث كونها موردا موثوقا للطاقة، أو من ناحية الأمن، مما يجعل افتتاح سفارتها لديه خطوة مرحب بها من الاحتلال، ويعكس إمكانية توسيع العلاقات لمناطق أخرى في العالم الإسلامي، لكنه قد يقابل بتوتر إيراني أذري في حال أقدم الاحتلال على استغلال وجوده الأمني والاستخباري في باكو لتنفيذ أعمال عدوانية ضد طهران.