صحافة دولية

مضاوي الرشيد: لا يمكن لابن سلمان استبدال الصين بالولايات المتحدة

وقعت الرياض وبكين اتفاقيات استراتيجية خلال الزيارة الأخيرة لشي إلى الرياض - (واس)
قالت الأكاديمية والمعارضة السعودية، مضاوي الرشيد؛ إن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، لا يمكنه التخلي عن الولايات المتحدة الأمريكية، حتى لو تقرب من الصين.

ولفتت في مقالها المنشور على موقع "ميدل إيست آي"، إلى أن السعودية غازلت الصين وروسيا، لكن لا يبدو أنها ستوقف اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية في الحماية العسكرية قريبا.



وتابعت بأن بإمكان ابن سلمان أن يبدو حازما، أو تصوره آلته الدعائية كذلك، لكن استبدال الصين بالولايات المتحدة الأمريكية ليس أمرا واقعا، بل هو أمر في غاية الحماقة.

وأكدت أنه طالما بقيت القدرات العسكرية السعودية ضعيفة، فإن العلاقات مع الصين لن تتجاوز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية، أما الحماية العسكرية فستبقى معتمدة على الولايات المتحدة الأمريكية.

وتاليا نص المقال كاملا:

يُعتقد بأن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى الرياض، تمثل ذروة التحالفات الاستراتيجية الجديدة التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فبينما شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين ازدهارا على مدى عدة سنوات، يعتقد ولي العهد أنه آن الأوان للعمل مع الصين على أعلى المستويات السياسية.

من الواضح أن أي تعامل سعودي مع الصين أو مع روسيا في هذا الخصوص، لا مفر دوما من أن يُفسر باعتباره نأيا بالنفس عن واشنطن.

صحيح أنه في عام 2022 لم تكن العلاقات السعودية الأمريكية في أفضل أحوالها، حيث رأت الرياض أن واشنطن تنسحب من المنطقة بدون خطط إضافية لتعزيز نفوذها المنكمش. ومع أنها كانت قد أخفقت مؤخرا في حماية حقول النفط السعودية، إلا أنها تتوقع باستمرار من شركائها في المنطقة الاستجابة لرغباتها.

رفضت المملكة العربية السعودية زيادة إنتاجها من النفط بعد أن طلبت منها الولايات المتحدة ذلك، من أجل التخفيف من حدة أزمة الطاقة العالمية. ومع ذلك، مُنح محمد بن سلمان حصانة في المحاكم الأمريكية، ولم يعد من الممكن مقاضاته على جريمة قتل صحفي الواشنطن بوست، جمال خاشقجي، أو على أي جرائم أخرى. بعد زيارة الرئيس جو بايدن إلى الرياض في شهر تموز/يوليو، والحكم الذي صدر مؤخرا، أحس محمد بن سلمان بالقوة وبالتمكن.

في هذه اللحظة، يبدو أن العالم لا يملك استعداء محمد بن سلمان، بما يتوفر لديه من موارد نفطية مهمة، وخاصة عندما تعاني هذه الموارد من شح. باستطاعة محمد بن سلمان بناء على ذلك أن يثبت لجمهوره المحلي أنه فاعل مستقل، يملك قرار نفسه ويسهر على حراسة السيادة السعودية في مواجهة الأوامر الأمريكية.

تعجب الناس مظاهر التحدي في العادة، وبسبب التحدي يبدو الزعماء القوميون أقوياء في عيون أتباعهم. يبدو محمد بن سلمان زعيما استراتيجيا، يبحث عن تنويع تحالفاته تفاعلا مع المناخ السياسي الحالي، وفي الوقت نفسه يحرس بقوة شكيمة استقلال بلده.

حكم سلطوي

يشترك محمد بن سلمان مع روسيا والصين في مصالح اقتصادية معينة. من الواضح أن النفط أمر أساسي بالنسبة للبلدين، وذلك أن لروسيا مصلحة خاصة في بيعه بسعر مرتفع لتمويل حربها في أوكرانيا، بينما ترغب الصين في استمرار تدفق النفط من المملكة العربية السعودية بسعر معقول. كما أن كلا من المملكة العربية السعودية والصين لديهما الاستعداد لاستثمار ما لديهما من أموال فائضة في اقتصاد بعضهما البعض.

بالإضافة إلى ذلك تشترك البلدان الثلاثة في نظرة أيديولوجية واحدة تربط الازدهار الاقتصادي بالحكم السلطوي، بدلا من الديمقراطية الليبرالية. فالتنمية الرأسمالية مازالت تقودها الدولة مع اعتقاد قوي بأن الحكم السلطوي وحده يمكن أن يحقق الرخاء والنمو. ويُنظر إلى الديمقراطية في البلدان الثلاثة باعتبارها ضارة بالنمو الاقتصادي، وثلاثتهم حريصون على إثبات أن الرخاء قابل للتحقق في ظل حكم الرجل القوي الواحد.

دخل محمد بن سلمان في الخصخصة وتحرير الاقتصاد، ولكنه يرفض التخلي عن الاقتصاد بشكل تام والسماح للقطاع الخاص السعودي الضعيف بتولي المبادرة واكتساب الفضل في تحقيق أي نمو. مازال يريد للدولة أن تبقى في مركز القيادة ومن النمو الاقتصادي.

تناسب هذه النظرة شركاءه الجدد في كل من موسكو وبكين، فكلاهما تقدران انعدام الشفافية ورفض كل ما له علاقة بقضية حقوق الإنسان، وقوانين العمل، وغير ذلك مما يعتبر من زخارف الديمقراطية الليبرالية.

إلا أن المصالح الاقتصادية التي تشترك فيها المملكة العربية السعودية مع روسيا والصين، بالإضافة إلى ما بينهم من تقارب أيديولوجي، ليست كافية لإخراج الولايات المتحدة نهائيا من شبه جزيرة العرب.

قد يبالغ محمد بن سلمان في قدرته على ممارسة الفعل المطلوب حين يتعلق الأمر باختيار وتنويع شركاء السعودية الاقتصاديين، ولكن من المؤكد أن خياراته تظل محدودة حين يتعلق الأمر بالتحالفات العسكرية والسياسية.

لابد أنه يراقب باهتمام بالغ رد الفعل الموحد للغرب تجاه غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية والمالية الواسعة التي فرضت على موسكو. بالنسبة لبلد يعتمد على النفط، وعملته مربوطة بالدولار، وجيشه مجهز ومدرب من قبل الولايات المتحدة، سيكون من الحماقة تصور أنه بالإمكان استبدال الولايات المتحدة بقوى أخرى في المستقبل القريب.

الخطوط الحمر الأمريكية

تستمر المملكة العربية السعودية في الاعتماد على الولايات المتحدة من أجل الحماية. لا يمكن لا للصين ولا لروسيا أداء هذا الدور. بل إن الصين مترددة في أن تجر إلى أي صراع عسكري خارج حدودها، ومن غير المحتمل أن تهب للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد أي عدوان خارجي.

وتبدو روسيا غارقة في حرب استنزاف داخل أوكرانيا ولا تلوح في الأفق تباشير نصر قريب.

إذا ما استمر ولي العهد السعودي في الغزل مع الصين على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد ينتهي به الأمر في الواقع إلى تسريع نأي الولايات المتحدة بنفسها من المنطقة، وبشكل خاص عن بلاده هو.

بإمكانه الاستمرار في التقارب مع الصين اقتصاديا، ولكن عليه أن يعرف متى يتجاوز الخطوط الحمر الأمريكية. إن أي تحالف سعودي روسي سيكون بالغ الخطورة على الرياض، وذلك لأسباب جلية.

بإمكان محمد بن سلمان أن يكون حازما بقدر ما يرغب وبقدر ما تسمح له آلته الدعائية، ولكن أن يظن أن بإمكانه على المدى القصير استبدال الولايات المتحدة بالصين، فهذا ليس أمرا غير واقعي فحسب، بل هو أمر في غاية الحماقة.

سوف يتوجب عليه تقبل أنه طالما ظلت القدرات العسكرية السعودية ليس فقط ضعيفة، وإنما أيضا معتمدة على الولايات المتحدة، فإن علاقة الصين مع السعودية لا مفر من أن تبقى اقتصادية وتكنولوجية.

ميدل إيست آي