شعب ابن نكتة
عبارة فلكلورية لخصت حال الشعب
المصري
الذي اتخذ من إطلاق النكات والضحك والسخرية سلاحا يواجه به كل مصاعب الحياة
اليومية حتى بات شعبا ابن نكتة دمه خفيف.
ظل المصريون في صدارة صناعة الكوميديا
وتصدير البسمة والضحك للعالم العربي بمسرحيات وأفلام ونجوم باتت نكاتهم داخل كل
بيت ويتم تداولها على المقاهي وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل حتى أتانا
السيسي.
الرجل أفسد مفهوم
الضحك والسخرية عند
المصريين، فصاحب النكتة لا يضحك عليها وإنما يترك ردة الفعل لجمهور الحاضرين، في
حالة السيسي الرجل يطلق نكتة من أسخف ما يكون لا طعم لها ولا لون ثم يبدأ بالضحك
مباشرة بشكل هيستيري، تكرر هذا الأمر كثيرا منذ وصوله للسلطة.
المشكلة الحقيقية ليست في ضحكه السمج، أو في
نكاته السخيفة، المشكلة في التوقيت، متى يضحك السيسي ولماذا يضحك وعلام يضحك وما
هو السياق الأكبر لكل هذه الضحكات؟
خلال الأسبوع الماضي ذهب السيسي إلى سوهاج
لافتتاح بعض المشروعات، وجلس مخاطبا بعض العمال وأصحاب المصانع والموظفين عبر
تفنية الفيديو، وفي كل مداخلة كان السيسي يضحك بنفس الطريقة البلهاء.
"العصافير بتاكل العلف"
تعاني مصر من أزمة كبيرة في قطاع الأعلاف
والدواجن في الأشهر الماضية وسط فشل كبير من السيسي وحكومته في السيطرة على الأزمة
وتوفير العلف اللازم ما أدى إلى ارتفاع أسعار الدواجن والبيض بشكل لافت للنظر، ما
يتوقعه المصريون من السيسي أن يخرج ليحدثهم عن حلول لأزمة كهذه ولكنه على العكس
وجد أن سبب الأزمة هو في مجموعة من العصافير التي تطير بكثافة داخل أحد مصانع
العلف وهو يخاطب صاحب المصنع.
المصريون يعيشون حالة من الحزن والقهر والعجز وقلة الحيلة، لا يخلو بيت من بكاء أب أو أنين أم لا يجدوا قوت يومهم وسد رمق أطفالهم ولكن السيسي يشعر بالسعادة ويضحك ويشعر بأن الجو منعش وجميل.
المشهد لا يدعو للضحك وليس فيه أي رائحة من
قريب أو بعيد للنكتة ولكنه السيسي الذي يضحك، بدأ الرجل في مخاطبة صاحب المصنع وهو
في حالة ضحك هستيري وفتح فمه حتى رأى المصريون بلعومه وهو يردد العصافير كتير في
المصنع يا أحمد، العصافير بتاكل العلف.
عزيزي القارئ لماذا لم تضحك؟ إنه مشهد
كوميدي للغاية.
بعدها بدقائق، يتناقش السيسي مع أحدهم
فيسأله عن زيادة وزنه ثم يضحك، يسأل عن مكسب صاحب مصنع فيضحك، ثم يخاطب آخر يطمئنه
من نجاته من وزير المالية ويضحك.
يصنع له عباس كامل لقطة محكمة فيأتي بأحد
أصحاب المصانع ويلقنه كلمات بعينها يرددها أمام السيسي من عينة مبادرات سيادتك دفعة
للأمام وحضرتك صاحب الفضل والمنة فيقاطعه السيسي منزعجا مطالبا إياه بتجاهل الشخص
الذي يلقنه بجوار الكاميرا.. وهنا يشعر السيسي بأن الأمر ما هو إلا نكتة من نكاته
السخيفة فيدخل في نوبة ضحك مستمرة.
يذهب السيسي إلى الكاتدرائية لحضور قداس عيد
الميلاد المجيد، يلتقي البابا تواضرس، يوزع ضحكاته يمينا ويسارا حتى يبدأ في
الحديث وهنا أبدع الرجل.
المصريون خائفون وقلقون، عندما أسأل أحدهم
لماذا تقلق؟ يخبرني أنا قلقان عليها، وأنا أقول له: أنا سعيد بقلقك عليها.
عبارة قالها السيسي عن حوار تخيلي بينه وبين
مواطن مصري خائف من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، بعيدا عن سطحية
الحوار وتفاهة المنطق الذي تحدث به الرجل، وبعيدا عن رداءة الفكرة واستفزازها
لمشاعر المصريين بأن الرئيس سعيد بشعورهم بالقلق، بعيدا عن كل هذا، المصيبة الأكبر
أن السيسي كان يردد هذه الكلمات وهو يضحك أيضا.
"أنا في غاية السعادة"
في مشهد شهير من فيلم الكيف، ذهب يحيى
الفخراني برفقة صديقه لحضور جنازة وهناك كان تحت تأثير المخدرات ويبدو أنه كان "صنف
عالي"، فبدأ بالنظر إلى الناس ببلاهة والضحك دون سبب واضح، عندما سأله زميله
عما يجري قال له مش عارف، أنا في غاية السعادة والجو منعش وجميل.
عبد الفتاح السيسي هو الرجل المناسب في
المكان المناسب، ولا أحد يستطيع أن يعيد تمثيل مشهد الفخراني ببراعة كما يفعل
السيسي الآن، فالمصريون يعيشون حالة من الحزن والقهر والعجز وقلة الحيلة، لا يخلو
بيت من بكاء أب أو أنين أم لا يجدون قوت يومهم وسد رمق أطفالهم ولكن السيسي يشعر
بالسعادة ويضحك ويشعر بأن الجو منعش وجميل.