قضايا وآراء

تصاعد وتيرة الاحتجاجات.. هل آن موعد "التخلص" من قيس سعيد؟

ترسل الاحتجاجات الحاشدة رسائل متعددة الاتجاهات- عربي21
أسبوع ساخن

مسيرة 14 كانون الثاني/ يناير 2023 كانت تتويجا لجملة من التحركات والوقفات الاحتجاجية طيلة أسبوع، حيث نظمت جبهة الخلاص الوطني -كبرى القوى المعارضة لقيس سعيد- يوم 8 كانون الثاني/ يناير وقفة احتجاجية بمنطقة المنيهلة، حيث منزل الرئيس قيس سعيد، رُفعت فيها شعارات تدعوه إلى الرحيل، وتحمله مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من انسداد أفق اجتماعي ومن توتر سياسي ومن صعوبة معيشية. بعض أنصار قيس سعيد حاولوا مهاجمة المتظاهرين، ولكن أعوان الأمن كانوا حازمين في منع أي اعتداءات واستطاعوا تأمين المسيرة السلمية.

اعتبر مراقبون أن نجاح جبهة الخلاص الوطني في تنظيم نشاط احتجاجي بمنطقة المنيهلة، حيث السكن الأصلي لقيس سعيد، هو عمل له دلالات سياسية واجتماعية، مفادها أن قيس سعيد يفقد حاضنته الشعبية، ويفقد ما كان يفخر به من كونه معبرا عن ضمير التونسيين وعن مطالب الفقراء والمعطلين والمحرومين.

اختيار جبهة الخلاص لمنطقة المنيهلة كان اختيارا مدروسا، يراد منه تحسس شعبية قيس سعيد في "عُقر داره"، وتحسس ردة فعل أنصاره ومن بقي معه ممن لم يقتنعوا بفشله وعجزه. لقد نجح قادة جبهة الخلاص في إزعاج الرئيس، مما جعله يحاول بعد يومين "رد الهجوم المناطقي"، حيث قام بزيارة لمنطقتيْ باب منارة وباب الجديد لرمزيتهما التاريخية.

اختيار جبهة الخلاص لمنطقة المنيهلة كان اختيارا مدروسا، يراد منه تحسس شعبية قيس سعيد في "عُقر داره"، وتحسس ردة فعل أنصاره ومن بقي معه ممن لم يقتنعوا بفشله وعجزه. لقد نجح قادة جبهة الخلاص في إزعاج الرئيس، مما جعله يحاول بعد يومين "رد الهجوم المناطقي"، حيث قام بزيارة لمنطقتيْ باب منارة وباب الجديد لرمزيتهما التاريخية، محاولا استدعاء التاريخ ودغدغة مشاعر بعض الشبان في أحد المقاهي العتيقة، غير أن زيارته تلك تحولت إلى مادة لتندر جمهور واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان محامون وقضاة قد نظموا يوم 10 كانون الثاني/ يناير الجاري أمام المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة؛ وقفة احتجاجية ومساندة للأستاذ العياشي الهمامي، رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، بعد أن اشتكته وزيرة العدل تتهمه بارتكاب فعل موحش بحقها، حين اعتبرها مرتكبة جريمة تعطيل حكم قضائي باتّ؛ لكونها رفضت حكم المحكمة الإدارية الذي يقضي بإلغاء قرار قيس سعيد إعفاء عدد من المحامين من مهامهم دون تهم ولا ملفات حقيقية. وقال العياشي الهمامي؛ إنه والإعلاميين والسياسيين والمثقفين والناشطين المدنيين؛ سيف مسلط على كل من ينقد الرئيس ومعاونيه.

14 يناير مسيرة وطنية

في الذكرى 12 لهروب الرئيس الأسبق بن علي، سعت جبهة الخلاص الوطني إلى أن يكون الاحتفال في شكل مسيرة وطنية تعيد الأمل للتونسيين وترسل إشارات واضحة لغرفة الانقلاب، مفادها أن الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات الوطنية، رغم اختلافاتها، إلا أنها مُجمعة على رفض الانقلاب، ومتفقة على كون مشروع قيس سعيد مشروعا مهددا للسلم الأهلي، ولما تبقى من مؤسسات الدولة، بل إنه خطر جاثم على الحاضر وتهديد جدي للمستقبل، بما يقوم عليه من مقدمات التسلط والاستبداد، وبما يشيعه من خطاب الكراهية والتحريض والفتنة.

سعت جبهة الخلاص الوطني إلى أن يكون الاحتفال في شكل مسيرة وطنية، تعيد الأمل للتونسيين وترسل إشارات واضحة لغرفة الانقلاب، مفادها أن الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات الوطنية، رغم اختلافاتها، إلا أنها مُجمعة على رفض الانقلاب، ومتفقة على كون مشروع قيس سعيد مشروعا مهددا للسلم الأهلي، ولما تبقى من مؤسسات الدولة.

كانت مسيرة ضخمة عددا وتنوعا، حيث التقت أهم الأحزاب في الزمن والمكان والشعارات، ولم يهاجم بعضها بعضا، وإنما كانوا جميعا يهاجمون قيس سعيد ويدعونه للرحيل.

ولعل حجم الحضور هو الذي جعل قوات الأمن تُبدي مرونة في التعامل مع المحتجين، حيث لم تلتزم بقرار والي العاصمة منع شارع بورقيبة على جبهة الخلاص الوطني كما جاء في برقيته؛ بحجة تجنب الجمع بين مختلف الأحزاب في المكان  نفسه.

متابعون لموقف الأمن في كل من المنيهلة يوم 8 كانون الثاني/ يناير ومسيرة الذكرى 12 لهروب بن علي؛ يرون أن المؤسسة الأمنية بدأت تتخذ مسافة من الأطراف السياسية، ولا تريد التورط في "قمع" المحتجين دفاعا عن أي سلطة خاصة، وقد تعرض عدد من عناصرها سابقا إلى محاكمات بسبب تطبيقهم تعليمات ظالمة خدمة لنظام بن علي.

أهم رسائل 14 يناير

قيس سعيد لن يقرأ مشهد 14 كانون الثاني/ يناير 2023 كما تجب قراءته، ببساطة لأنه يعتقد بأن 8 في المئة الذين شاركوا في مسرحيته الانتخابية هم أفضل من 90 في المئة من المقاطعين أو من نسبة المشاركات السابقة، رغم أنه جاء إلى الرئاسة بتلك الانتخابات وبنسبة عالية، لكنه لا يسمع إلا صوته الداخلي الصادر عن قتامة نفسه الميّالة إلى سوء الظن بالجميع.

لا يمكن التعويل على أن سعيد سيلتقط الرسالة وسيدعو إلى حوار وطني أو سيستقيل، فالمنقلب لا يمكن أن يستقيل وهو يعلم أن استقالته تعني محاكمته، وتحميله مسؤولية كل ما حدث بعد الانقلاب.

لا يمكن التعويل على أن سعيد سيلتقط الرسالة وسيدعو إلى حوار وطني أو سيستقيل، فالمنقلب لا يمكن أن يستقيل وهو يعلم أن استقالته تعني محاكمته، وتحميله مسؤولية كل ما حدث بعد الانقلاب؛ من تنكيل بالمعارضين ومن اعتداء على المؤسسات الدستورية.

الرسالة -في اعتقادي- موجهة لعدة أطراف:

أولا: لعموم التونسيين الذين ربما ما زالوا يأملون خيرا في مسار 25 تموز/ يوليو الانقلابي، ولهؤلاء أعذارهم؛ كونهم رأوا أن تجربة ما قبل الانقلاب أطالت عملية التجريب الديمقراطي، ولم تسرع -كما ينبغي- بحل المشاكل الاجتماعية، خاصة أن الفقراء والعاطلين عن العمل يعنيهم ما تقدم لهم أي سلطة من خدمات، لا من خطابات ونظريات.

ثانيا: وموجهة لبعض الفاعلين في أحزاب ومنظمات؛ عسى أن يتداركوا أمرهم ويعبروا عن موقف حاسم من عبث غرفة الانقلاب بعد اتضاح خطرها على الحاضر والمستقبل، وعلى حرية الرأي وعلى السلم الأهلي وعلى الأحزاب والمنظمات، كونه ضد كل الأجسام الوسيطة التي تتعارض مع نظريته (سعيد) في "النظام القاعدي".

ثالثا: لمؤسسات الدولة التي يتكئ عليها سعيد للتمادي في عبثه، حتى لا تتحمل معه تبعات ما يصدر عنه تجاه منافسيه الذين يلاحقهم بقضايا زائفة، وتجاه المؤسسات الدستورية التي اعتدى على وجودها وهياكلها المنتخبة، ونصّب عليها موالين له.

رابعا: للقوى الدولية والإقليمية؛ حتى لا تتورط أكثر في دعم جريمة ذبح حلم أغلب التونسيين في مستقبل يبنونه معا في أجواء من الحرية، وفي مسار من التجريب الديمقراطي، وفي ظل سلم أهلية وأمن مدني وأمان نفسي، تلك القوى ليست جمعيات خيرية بالتأكيد، بل لها مصالحها التي تتحرك وفقها، ولكن عليها أن تدرك بأن مصالحها لا يضمنها نظام سياسي شعبوي متعجرف، لا مستقبل له، إنما المصالح يضمنها الاستقرار والأمن ومصادقة الشعوب بدل مصادقة المستبدين.

twitter.com/bahriarfaoui1