سياسة عربية

هل يستجيب سعيّد لدعوة المعارضة بتونس لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟

تطالب جبهة الخلاص الوطني بإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها- عربي21
تعالت الأصوات المعارضة في تونس المنادية بإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها من أجل الإطاحة بالرئيس الحالي قيس سعيّد، مع الدور الثاني من الانتخابات التشريعية الذي سيدور يوم الأحد المقبل.

وتبرر المعارضة التونسية دعوتها بتبدد آمالها في إجراء حوار وطني واسع من أجل الخروج بالبلاد من أزمتها الحالية، فضلا عن نسبة المشاركة في الدور الأول من الانتخابات النيابية التي بلغت 11.22 بالمئة، كأضعف نسبة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ما دفع المعارضة إلى التشكيك في شعبية سعيّد، المنتخب في 2019 بأكثر من 70 بالمئة من أصوات التونسيين، لولاية رئاسية تدوم خمس سنوات.

وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عقب الثورة 52 بالمئة، و69 بالمئة في انتخابات مجلس نواب 2014، و41.3 بالمئة في انتخابات البرلمان السابق الذي حلّه سعيّد العام الماضي.

والانتخابات النيابية التي تختم الأحد، هي آخر نقطة في خارطة الطريق التي أعلن عنها سعيّد نهاية العام الماضي، والتي تضمنت إجراء استشارة وطنية واستفتاء شعبي على دستور جديد وعقد انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، الذي يتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لانطلاق الثورة. 

وجددت المعارضة التونسية مطالبتها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال المظاهرات الحاشدة التي عرفتها تونس العاصمة في 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، والتي تم خلالها رفع شعار "ارحل" في وجه رئيس البلاد.

وفي السياق، قال رئيس "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي إن الجبهة طالبت منذ مدة طويلة بإجراء حوار وطني شامل لا يقصي أحدا، بشأن إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية واقتراح حكومة إنقاذ تتولى برنامج الإصلاح والإعداد لانتخابات مبكرة.

"فشل سعيّد"


 وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "لكن، في 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي (الدور الأول من الانتخابات التشريعية)، عرفت الأمور تطورا مهما يجب أخذه بعين الاعتبار، يتمثل أولا في أن المواطن سحب ثقته من رئيس الدولة".

وتابع الشابي: "وثانيا، فشل رئيس الدولة في إدارة العلاقات الخارجية للبلاد، ويتجلى ذلك من خلال زيارته إلى الولايات المتحدة بعد 17 كانون الأول/ ديسمبر، وكذلك في إدارة العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية حيث قرر صندوق النقد الدولي تأجيل النظر في ملف تونس إلى موعد غير محدد". 

وشدد رئيس جبهة الخلاص على أن "رقعة المعارضة اتسعت كثيرا وباتت تشمل كامل الطيف السياسي، حيث أصبح الوضع لا يحتمل، ولا بد من الذهاب مباشرة إلى انتخابات مبكرة".

وفي قراءة، قال باحث الدكتوراه في القانون وعضو المكتب السياسي لحزب العمل والإنجاز (معارض)، عدنان الكرايني، إن "جبهة الخلاص الوطني تعتبر واجهة المقاومة ضد سعيّد برفقة بقية الشركاء في الوطن. لذلك فالانتخابات التي تشير إليها هي انتخابات في ظل الشرعية الدستورية التي يؤطرها دستور 27 كانون الثاني/ يناير 2014 لأن تونس ليس لها دستور آخر". 

وفي تصريح لـ"عربي21"، اعتبر الكرايني أن "ما يسمى بدستور 25 تموز/ يوليو 2022 هو وثيقة أمر واقع تأسست طبق مقتضيات مخالفة تماما للدستور وبطريقة أحادية لا تلزم سوى من أتى بها ولا تلزم الدولة التونسية بشيء. ولا يمكن البناء على ما يقوم مقام جريمة تبديل هيئة الدولة المنصوص عليها في الفصل 72 من المجلة الجزائية (قانون العقوبات)". 

وعن الإجراءات القانونية، قال الكرايني: "الانتخابات الرئاسية المبكرة تقتضي شغورا نهائيا في منصب رئاسة الجمهورية. ليتولى رئيس مجلس نواب الشعب الرئاسة الوقتية، لمدة أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما، ليتم انتخاب رئيس جديد للبلاد لمدة رئاسية كاملة. وعند إسقاط قيس سعيّد، نكون قد استرجعنا المسار الدستوري وتتم إعادة الشرعية للمؤسسات في أسرع الآجال وفق خارطة طريق وطنية جامعة".  

وعن البديل، قال الشابي، الذي أطلق دعوة إجراء الانتخابات المبكرة، إن الوضع السياسي القائم يفرض أن يقدم كل مرشح في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها مشروع خارطة طريق ليتم إقرار برنامج إصلاحي من خلال صندوق الاقتراع بناء على المقترحات التي سيقدمها المترشحون.

"موافقة سعيّد"


في المقابل، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة غير متوفرة حاليا لأن هذه الانتخابات لن تجرى إلا بموافقة رئيس الجمهورية قيس سعيّد.

وفي تصريح لـ"عربي21"، قال الجورشي إن "إجراء انتخابات سابقة لأوانها يصبح المقصود بها إحراج رئيس الجمهورية، بأن يقبل بعقد انتخابات تحت إشرافه وفي عهده وعلى حسابه".

وشدد على أن الدعوة لانتخابات المبكرة "مجرد دعوة للضغط السياسي أكثر من كونها إمكانية يمكن القيام بها في وقت قريب، خاصة في هذا الوقت الذي ينشغل فيه سعيّد بتنظيم الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، التي سيبني عليها العديد من القرارات في المرحلة المقبلة، والتي لن تكون في مصلحة المعارضة".

أما رئيس "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشابي، فقال إن المعارضة طالبت بإجراء انتخابات مبكرة بعد عقد حوار وطني، وهو ما لم يحصل، لذلك لا يمكن لتونس أن تبقى على وضعها الحالي دون أن يتعافى الوضع.

وأضاف: "لا يوجد تسرع في إطلاق دعوتنا لإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، كل يوم يمر دون ذلك لا يفيد البلاد، بل يزيد من تعكر الأوضاع".

وأشار إلى أنه "يوجد هناك اتفاق بين مكونات المشهد السياسي بشأن تشخيص الوضع وكذلك في الهدف، الذي يتمثل في العودة إلى الديمقراطية وإنقاذ تونس".

واستدرك بالقول إن "الاختلاف يبقى دائما بشأن تقييم ما قبل 25 تموز/ يوليو 2021، وهو ما يعيق توحد المعارضة، لكن الاتفاق على تقييم الماضي يبقى ليس مهما في هذا الظرف، بل سيطرح على الرأي العام بعد العودة إلى الديمقراطية".

الدستور الجديد


وعن عدم الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة تتزامن مع التشريعية، بعد تغيير الدستور والنظام السياسي في البلاد، قال المختص في القانون عدنان الكرايني، إن "البديهة إلى أن أي تنقيح في الدستور خاصة إذا يمس شكل النظام السياسي، أن يتم تنظيم انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية على أساس الأحكام الدستورية الجديدة وكذلك الشأن إذا تم تغيير الدستور". 

وأوضح أن "تغيير نص التعاقد الاجتماعي يؤدي إلى تجديد الشرعية لأن الانتخاب الذي كان قبل التنقيح كان على صلاحيات معينة تغيرت عند تغيير النص. وعند تغيير موضوعات التعاقد (الصلاحيات) من المنطقي أن نعيد الانتخابات حتى يكون الشخص الشاغل للمنصب في النص الجديد منتخبا على أساس الصلاحيات الجديدة". 

واعتبر أنه "في تونس خرجنا من باب المنطق والذوق القانوني السليم من تاريخ 25 تموز/ يوليو 2021 ودخلنا دوامة اللامنطق وارتهان البناء القانوني لرغبات شخص. وحتى عندما قام قيس سعيد بإصدار دستور جديد لم يكلف نفسه الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة بعد تغير الصلاحيات مقارنة بدستور 2014. فالحد الأدنى للمنطق أضحى منعدما وبالتالي فقدت أبسط المعايير الثابتة للتفاعل والحكم على الأمور". 

وختم بقوله إن "الدولة تقاد وتدار عبر القوانين والمؤسسات، ولكن الدولة التونسية يديرها قيس سعيد الآن بما يرضيه هو عبر الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)". 

من جهته، قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن "رئيس الجمهورية قيس سعيّد لا يهتم بالتناقضات في الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها، بل لديه تصور لنظام سياسي محدد، وهو بصدد إنجازه وتحويله إلى واقع، بقطع النظر عن كون هذا التوجه ينسجم مع الديمقراطية والمنطق  أم لا".

واعتبر الجورشي أن "مَن يعترضون على الرئيس، يبنون مواقفهم وأحكامهم على أساس الأعراف والمرجعية الدستورية المتوفرة لدى جزء كبير من الطبقة السياسية، لكن سعيّد لديه وجهة نظر، وهي الوحيدة التي يجب أن تنفذ بمختلف الوسائل السلمية، على الأقل لحد الآن".

وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فاز قيس سعيّد بولاية رئاسية من خمس سنوات بعد انتخابه بنسبة 72.71 بالمئة، مقابل 27.28 بالمئة لمنافسه رجل الأعمال نبيل القروي، في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المبكرة التي عُقدت بعد وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي، في 25 تموز/ يوليو من العام ذاته.