سياسة عربية

سعيّد يقيل مستشارا جديدا له.. خامس مسؤول يغادر القصر بأقل من عامين

أقال سعيّد مستشاره المكلف بالاتصال الرقمي - جيتي
أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد أمرا يقضي بإعفاء مستشاره المكلف بالاتصال الرقمي، وذلك بعد أيام قليلة من الجدل الذي أحدثته تصريحات سعيّد بشأن المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وصدر في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية) أنه "بمقتضى أمر عدد 205 لسنة 2023 مؤرخ في 1 آذار/ مارس 2023، تُنهى مهام السيد إحسان الصبابطي، ملحق برئاسة الجمهورية".

وأثارت الإقالة موجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث ربط نشطاء القرار بخطاب سعيّد، الذي وُصف بـ"العنصري"، بشأن المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء.



وفي تعليق، كتب رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني أن "السيد الصبابطي لا يتحمل أية مسؤولية عن خطابات رئيس الجمهورية التي يصر شخصيا ومحيطه الاستشاري والعائلي وبطانته الفوضوية على تمريرها".

وأضاف في تدوينة عبر حسابه بـ"فيسبوك" أن "السيد الصبابطي مجرد ناقل للكلام الرِئاسي وللإصرار الرئاسي على نشره، وهو مجرد كبش فداء، بل وقد سبق له وأن اختلف مع المستشار الهُمام لكل المهام بدون تكليف رسمي".



واعتبر أن "إقالة اليوم دليل على التخبط في قصر قرطاج وما جاوره من غرف الحكم الخفية الخلفية المظلمة.. وهي تضرب مصداقية الخطاب الرسمي لسلطات التدابير الاستثنائية الَّتي اتهمت جهات معلومة باختلاق عنصرية مزعومة، في إشارة للقوى السياسية والمدنية والاجتماعية ولنخب البلاد التي أدانت ودون مواربة الخطاب العنصري اللا مسؤول لرئيس الجمهورية".

ودعا سعيّد خلال مجلس الأمن القومي، في 21 شباط/ فبراير الماضي؛ إلى ضرورة وضع حد لظاهرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، مرجعا الأمر إلى "ترتيب إجرامي يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمغرافية".



وقال سعيّد إن "هذا الوضع غير طبيعي، وهناك ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، وهناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011، لتوطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس".



وأثار خطاب الرئيس التونسي غضبا واسعا، حيث دعا سعيّد إلى "ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة، والعمل على كل الأصعدة الدبلوماسية والأمنية والعسكرية، والتطبيق الصارم للقانون المتعلق بوضعية الأجانب في تونس ولاجتياز الحدود خلسة".

وأدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد في بيان "بشدة تصريحات السلطات التونسية الصادمة ضد مواطنينا الأفارقة، والتي تتعارض مع روح منظمتنا ومبادئنا التأسيسية". 

وحاولت السلطات التونسية استدراك الأمر من خلال بيان لوزارة الخارجية قالت فيه إنه يوجد "خلط غير مبرّر وغير مفهوم" في بيان الاتحاد الأفريقي بين المهاجرين القانونيين و"الجماعات غير القانونية التي تتاجر بالبشر وتزج بهم في قوارب الموت وتستغلهم لأغراض إجرامية"، بحسب زعمها.

وفي خطوة أخرى، أعربت تونس عن رفضها للاتهامات الموجهة إليها بـ"العنصرية" ضد المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، معلنةً عن قرارات لتسهيل إقامتهم في البلاد، بعد جدل واسع بسبب تصريحات الرئيس قيس سعيّد.

وقالت الرئاسة التونسية في بيان، إنها "تعبر عن استغرابها من هذه الحملة المعروفة مصادرها (لم توضحها) والمتعلقة بالعنصرية المزعومة في تونس".

وأضاف البيان: "الرئاسة ترفض هذا الاتهام للدولة التونسية وهي من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت في ما بعد إلى الاتحاد الأفريقي والتي ساندت كل حركات التحرير الوطني في العالم وليس أقلها حركات التحرير الوطني في أفريقيا".

وأعلنت أن الرئاسة قررت في هذا الصدد جملة من الإجراءات، منها "تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الأفريقية وذلك قصد تسهيل فترة إقامتهم بالتراب التونسي وتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة".

كما أنها قررت "التمديد في وصل الإقامة من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول الأفريقية بتونس".

وبإقالة الصبابطي، بلغ عدد المسؤولين الذين غادروا القصر الرئاسي منذ تولي سعيّد الرئاسة في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إلى 13، و5 منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021.

ولم يسبق أن عرفت رئاسة الجمهورية التونسية هذا العدد الهائل من الاستقالات قبل نهاية الفترة الرئاسية التي تمتد لخمس سنوات، ما يعكس حجم الانقسامات والاختلافات بين حلفاء سعيّد.

وظهر الانقسام داخل القصر الرئاسي منذ استقالة مدير التشريفات طارق الحناشي في 3 شباط/ فبراير 2020 بعد أن ضمه سعيّد لفريقه بعد أسبوع واحد من توليه منصب الرئاسة، قبل أن يتبعه مدير الديوان السابق طارق بالطيب بعد يوم فقط، فيما اختار سعيّد لاحقا عكاشة لتولي هذا المنصب.

وفي اليوم ذاته، استقال عبد الرؤوف بالطيب المستشار السياسي لقيس سعيّد من منصبه، قبل أن يلتحق بمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، المناوئة لرئيس البلاد وإجراءاته التي أعلن عنها في 25 تموز/ يوليو 2021.

ثم جاء الدور على مستشار الأمن القومي محمد الصالح الحامدي الذي التحق بركب المستقيلين في 16 آذار/ مارس 2020، بعد أن استنجد به سعيّد منذ تنصيبه رئيسا لتونس، ثم الملحق برئاسة الجمهورية الذي غادر القصر في 1 حزيران/ يونيو من العام ذاته.

الوافدون الجدد

ولم تقتصر موجة الاستقالات داخل القصر على الذين اختارهم سعيّد ضمن فريقه الرئاسي الأول، بل شملت أيضا الوافدين الجدد عقب استقالة الملحقة الإعلامية بالديوان هالة الحبيب في الواحد من أيلول/ سبتمبر 2020، بعد مضي ستة أشهر على تكليفها بمهمتها.

وفي 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، استقالت رشيدة النيفر المستشارة الإعلامية لسعيّد، ثم لحقت بها المستشارة المكلفة بالمتابعة ريم قاسم في 20 آذار/ مارس 2021.

بعد 25 تموز/ يوليو

وعقب إعلان سعيّد تدابيره الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو التي أعلن من خلالها تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان، عرف القصر الرئاسي مغادرة معز الورتاني، المستشار المكلف بالعلاقات مع المؤسسات الدستورية والمجتمع المدني.

كما خسر سعيّد مستشاره المكلف بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي مصطفى النابلي، وزميلته سارة معاوية المستشارة المكلفة بالعلاقات الدولية، بعد أن قدما استقالتيهما مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، دون ذكر اسميهما في الإعلام، في وقت تعاني فيه البلاد من عزلة دولية بسبب تراجع منسوب الحريات وغلق البرلمان وتعليق عمل المؤسسات الدستورية والتضييق على وسائل الإعلام.

وفي 24 كانون الثاني/ يناير، أعلنت نادية عكاشة مديرة ديوان سعيّد الرئاسي استقالتها من منصبها بسبب ما اعتبرته "اختلافات جوهرية في وجهات النظر"، بحسب منشور لها على حسابها الرسمي بـ"فيسبوك".

ورغم تداول نص استقالتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن قيس سعيّد أصدر في اليوم الموالي أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء عكاشة من منصبها، رغم اعتبارها ظل سعيّد وذراعه اليمنى منذ الحملة الانتخابية.

13 عضوا في الطاقم الرئاسي

في المقابل، يحتفظ قيس سعيّد بـ13 عضوا في طاقمه الرئاسي، أبرزهم مدير عام أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، خالد اليحياوي، والمستشار الدبلوماسي وليد الحجام،  حيث يعتبران أكثر الشخصيات المقربة من الرئيس في علاقة بمشروعه السياسي.

ونال المستشار الدبلوماسي للرئيس ثقته من خلال ولائه، حيث يتولى أحيانًا دور المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، رغم أن سعيّد اختار سياسة التواصل غير المنتظم، مع الاقتصار على الظهور عبر صفحة الرئاسة بـ"فيسبوك" دون الخروج عبر وسائل الإعلام.




وتخرّج الحجام من كلية الاقتصاد والإدارة في تونس، والتحق بوزارة الخارجية التونسية في عام 2002، وهو من مواليد مدينة الوردية، وهي منطقة شعبية في تونس، تقع شرقي البلاد.

وكان وليد الحجام مسؤولا بشكل خاص عن القضايا الأفريقية، قبل أن يتم تعيينه نائبا للقنصل التونسي في باليرمو عام 2006، وعمل على عودته عام 2011 في الملف الليبي.

وفي عام 2012، عُهد إليه بملفات العالم العربي ضمن حكومة النهضة في ذلك الوقت، تحت إشراف وزير الخارجية، رفيق عبد السلام.

وبعد ذلك، عُيّن وليد الحجام نائبا لرئيس البعثة الدبلوماسية في أبوظبي عام 2014، حيث نال تقدير السفير طارق بالطيب، الذي أصبح في عام 2019 أول رئيس لديوان قيس سعيّد، وقام بدمج الحجام في فريقه. 

ورغم استقالة بالطيب من منصبه في 4 شباط/ فبراير 2020، إلا أن الحجام احتفظ بمنصبه كمستشار دبلوماسي وناطق رسمي باسم الرئاسة، حيث وفر لنفسه مكانًا بين كبار المسؤولين في الدولة.

"رجل سعيّد"

بدوره، احتفظ المستشار الأمني لسعيّد خالد اليحياوي، صاحب خبرة 25 سنة في المجال الأمني، بمنصبه، وهو الذي يُعرف على أنه "رجل سعيّد".

وبرز اسم اليحياوي خلال صراع الأجنحة بالقصر الرئاسي بين شق رئيسة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة الذي انتمى إليه المستشار الأمني، خالد اليحياوي، وشق وزير الداخلية توفيق شرف الدين وزوجة الرئيس وشقيقه من جهة أخرى.

ويعتبر خالد اليحياوي من ضمن الأسماء المذكورة في ما سُمي بـ"وثيقة الانقلاب" التي سربها موقع "ميدل إيست آي" في 23 أيار/ مايو، التي كشفت تنسيقا تونسيا مصريا من أجل إسقاط تجربة الانتقال الديمقراطي، وتمكين سعيّد من كل السلطات. 

وأشارت الوثيقة إلى أن اليحياوي سيتولى وزارة الداخلية عقب استيلاء سعيّد، وهو ما تم فعلا في أعقاب 25 تموز/ يوليو 2021، قبل أن يتم إعفاؤه في أعقاب تسمية توفيق شرف الدين على رأس الوزارة مع قدوم رئيسة الوزراء نجلاء بودن.

وتدرب خالد اليحياوي في أكاديمية الفندق الجديد العسكرية، وأكمل دورته التدريبية في المدرسة التنفيذية لشرطة صلامبو، قبل التحاقه بالمديرية العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية.

وفي عام 2007، قضى فترة مع فرقة مكافحة الإرهاب، وخضع للتدريب في الخارج، قبل أن يصبح مديرًا للمرافقة والقوات الخاصة، ثم عاد إلى الأمن الرئاسي في عام 2011.

وظل اليحياوي على رأس الجهاز الأمني، المعروف بصرامته، تحت رئاسة أربعة رؤساء متعاقبين منذ عام 2011. وقد نال احترام الرئيس الحالي سعيّد، الذي عينه في مديرية الأمن الرئاسي.

وتاليا، قائمة تركيبة الديوان الرئاسي لقيس سعيّد: