وأنا أستمع لحلقة موضوعها يتمحور حول
المعتقلين في
مصر والتي بثت على يوتيوب
في 10 آذار/ مارس الحالي، لليوتيوبر عبد الله الشريف؛ أصبت بالغثيان وبحالة نفسية صعبة،
لازمتني طوال الليل، ولم أنفك أدعو على الظلمة، وأرجو الله أن ينتقم منهم وأن يفك
أسر المظلومين. لقد كان عرض السيد عبد الله شريف مؤثرا وموجعا حد الصدمة، ومن سمع
ليس كمن رأى..
وقد كنت طوال الأيام الماضية أتابع أحوال الأسرى
الفلسطينيين في معتقلات
الاحتلال، وأعد نفسي لكتابة مقالة هذا الأسبوع عنهم، لكنني
وبعد أن رأيت حلقة الشريف، علي أن أعترف بأن أحوال الأسرى الفلسطينيين ليست بأسوأ
منها في الكيان المحتل الآخر في أم الدنيا، وهذا لا ينفي إجرام المحتل
الصهيوني وتعامله غير الإنساني مع الأسرى الفلسطينيين، قبل الإجراءات الجديدة
وبعدها..
السجون المصرية عبارة عن مقبرة محتملة لأي معتقل سياسي، حتى بتنا نتوقع كل يوم خبرا عن موت معتقل في مجمع سجون بدر الجديد الذي أقيم في قلب الصحراء، والذي أُعد ليكون سجن العقرب الجديد سيئ السمعة، الذي يقبع فيه عشرات الآلاف من السياسيين
فكثير من الأسرى
لدى الاحتلال العسكري المصري لا يخرجون في الموعد، وتلفَق لبعضهم تهم جديدة ليبقوا
في الاعتقال، وربما يخرجون أمواتا
بالإهمال الطبي أو تعمد القتل
تحت التعذيب.
السجون المصرية عبارة عن مقبرة محتملة لأي معتقل سياسي، حتى بتنا نتوقع كل
يوم خبرا عن موت معتقل في مجمع سجون بدر الجديد الذي أقيم في قلب الصحراء، والذي أُعد
ليكون سجن العقرب الجديد سيئ السمعة، الذي يقبع فيه عشرات الآلاف من السياسيين
الذين يشكلون خطرا على حكم العسكر، أو الذين لُفّقت لهم التهم جزافا انتقاما من
وعيهم، وآرائهم المقاومة للإجرام، وحب الناس لهم، على الرغم من أكذوبة السجون
الجديدة التي بنيت لرفاه المعتقلين كما زعم المجرمون، بينما
يعاني فيها المعتقلون
أشد المعاناة، ويعاني أهلهم معاناة كارثية عند المجيء لزيارتهم.
لك أن تتخيل أن بعض هؤلاء المعتقلين لم يحظ بزيارة واحدة منذ نحو عشر
سنوات، وكثير منهم يقبعون في زنازين انفرادية غاية في القسوة، تنم عن حقد أسود،
وظلم لا يمت إلى روح الإنسانية بصلة. وتمنع عنهم كل أسباب الراحة، ليحيلوهم إلى
أسوأ حالة نفسية ممكنة.. زنازين ضيقة تعمل على خنق أرواحهم، تشغّل فيها الإضاءة
القوية طوال الوقت، بما يؤثر على خلاياهم العصبية، وتجويع يحيل كثيرا منهم إلى تقلبات
مستويات السكر بالدم، ومشاكل الجهاز الهضمي، والإمساك، وتساقط الشعر، والشعور
الدائم بالبرد، والأرق والتوتر، والصداع الدائم، إلى ما هنالك من مشكلات صحية أخرى.
وليس ما سبق وحسب، بل إن المعتقلين
مراقبون بكاميرات طوال الوقت، وهو اعتداء
صارخ على خصوصيتهم، كذلك منعهم من رؤية الشمس لسنين وليس لأشهر أو أيام، ناهيك عن
جلسات التحقيق المهينة والتعذيب المستمر، بما يؤثر تأثيرا نفسيا سيئا عليهم، خصوصا
حين يعلمون أن بعض أهليهم كالزوجات والأبناء والأشقاء رهن الاعتقال، لا لشيء سوى
أنهم من أهلهم المقربين.
كل ما تم ذكره من تضييق أدى بكثير منهم إلى
محاولة الانتحار للتخلص مما
يعانونه من قهر وبطش وتعرُّض للإهانة بشكل ممنهج.
أما الزيارات التي يسمح بها لبعض المعتقلين، فحدث ولا حرج؛ إذ تخرج أم
مكلومة أو زوجة مقهورة فجرا لتصل مبكرا قاطعة مئات الأميال، لتُشتم وتهان، وتفتش
تفتيشا دقيقا بعد ساعات انتظار طويلة، وكثيرا ما تعود دون رؤية من جاءت لزيارته،
بعد أن يصادروا منها ما حملت لابنها أو زوجها من طعام وشراب ولباس، وحتى لو سُمح
لها بالزيارة، فإنهم يقتطعون بعضا مما حملت من طعام، يتقاسمونه بينهم كالذئاب
الجائعة.
إن عدد السجون الجديدة التي تم إنشاؤها بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير
وحتى الآن، بلغ 35 سجنا، إضافة إلى 43 سجنا رئيسيا قبل الثورة؛ ليصبح عدد السجون
الأساسية 78 سجنا. ومن المعروف بداهة أنه كلما ازداد عدد السجون، وعدد أفراد الأمن
وتشكيلاتهم في أية دولة؛ كان ذلك مؤشرا على نظام باطش وقاهر لروح المواطن، وقابض على عنقه كما تقبض الفخاخ على أعناق الطير.
من المعروف بداهة أنه كلما ازداد عدد السجون، وعدد أفراد الأمن وتشكيلاتهم في أية دولة؛ كان ذلك مؤشرا على نظام باطش وقاهر لروح المواطن، وقابضا على عنقه كما تقبض الفخاخ على أعناق الطير
لم يقتصر الاعتقال والسجن والتعذيب على الرجال؛ بل شمل عددا كبيرا من
النساء، وقد سمعنا وقرأنا عن حالات الاغتصاب الذي أدى بعضه إلى الحمل السفاح، كما
تتعرض السجينات إلى الإهانة والتحرش الجنسي والشتائم القبيحة التي أربأ بنفسي عن
ذكرها، بما يؤثر بالغا عليهن، لا سيما أن معظمهن من بيئات محافظة، لم يعهدن مثل
هذه الإهانات البشعة التي تنفر منها الفضيلة والذائقة النقية. كما يتعرض بعضهن لكل
ما يتعرض له المعتقلون من الرجال.
الظلم ظلمات، وقد قرَن الله تعالى في كتابه العزيز الإجرام بالكفر فقال:
"أن لعنة الله على الظالمين* الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا* وهم بالآخرة
كافرون".
ويقول جان جاك رسو: "حين أرى الظلم في هذا العالم؛ أسرّي عن نفسي
بالتفكير في أن هناك جهنم تنتظر هؤلاء الظالمين"؛ فويل لمن ظلم عباد الله،
وأثخن فيهم إيذاء وقتلا وإهانة وتعذيبا.. لا لشيء سوى أن شخصا مريضا مصرّ على أن
يبقى رئيسا لأمة عظيمة، سامها صنوف القهر والجوع والمرض، وأضاع الوطن، وأنزله إلى
الدرك الأسفل من الذل والمهانة، ولا يزال يمعن في قهرها وإيذائها بكل وسيلة
ممكنة..