قضايا وآراء

دلالات إسقاط الصحفيين المصريين لمرشحي السلطة

شهدت نقابة الصحفيين وقفات احتجاجية- فيسبوك
وسط عتمة سياسية حالكة جاءت نتائج انتخابات نقابة الصحفيين التي فاز فيها مرشح مستقل بمنصب النقيب ومعه 4 أعضاء في المجلس، لتمثل شعاع أمل جديد للتغيير العام الذي يحلم به المصريون قبل عام على الانتخابات الرئاسية التي تجري منتصف العام 2024.

هي نتيجة مخالفة لأكثر التوقعات تفاؤلا، لأن النظام نجح في تصدير حالة من اليأس والإحباط لدى جموع الشعب، بما في ذلك النخب المصرية وفي القلب منها الصحفيون، لكن مبالغة النظام نفسه في الضغط، واحتقار الصحفيين بترشيح شخص ضعيف ليكون نقيبا لهم، وقبل كل ذلك تصاعد القمع الذي يتعرض له المجتمع عموما والصحافة خصوصا، دفع قطاعا كبيرا من الصحفيين للاحتشاد والتصويت العقابي ضد مرشحي السلطة، ناهيك بطبيعة الحال عن احتشاد الصحفيين أصحاب المبادئ الذين ينحازون دوما للمرشحين المدافعين عن الحريات، والذين وجدوا في خالد البلشي، النقيب الجديد للصحفيين، وعدد من المرشحين لعضوية المجلس عنوانا لما يريدون.

أن نقابة الصحفيين واحدة من أصغر النقابات المهنية إن لم تكن أصغرها من حيث العدد، لكنها الأقوى والأعلى صوتا، متقدمة على نقابات أخرى تضم في عضويتها أكثر من مليون عضو، ببساطة لأنها النقابة الأولى للرأي في مصر
رغم أن نقابة الصحفيين واحدة من أصغر النقابات المهنية إن لم تكن أصغرها من حيث العدد، لكنها الأقوى والأعلى صوتا، متقدمة على نقابات أخرى تضم في عضويتها أكثر من مليون عضو، ببساطة لأنها النقابة الأولى للرأي في مصر، ولأن الصحفيين أنفسهم قدموا للحياة الثقافية المصرية العديد من الأدباء والشعراء والفنانين والمذيعين المشهورين، وبالتالي فإن نقابتهم تعتبر هي بيت النخبة المصرية، وإن لم تقتصر على النخبة خلال السنوات السابقة لثورة يناير حيث استضافت على سلالمها الخارجية أو في قاعاتها الداخلية وقفات احتجاجية وندوات لكل الفئات التي عانت من المظالم.

هزيمة مرشحي السلطة في انتخابات نقابة الصحفيين مثلت زلزالا سياسيا وليس فقط نقابيا، رغم محاولة داعمي السلطة التقليل من هذه النتائج، ورسالتها واضحة للسلطة الغاشمة أن أي انتخابات تجري بحرية ونزاهة وتحت إشراف قضائي فإنها لن تأتي بمرشحي السلطة، وقد سبقتها على هذا الطريق انتخابات نقابة المهندسين في مثل هذا التوقيت من العام الماضي، التي فاز فيها بمنصب النقيب المرشح اليساري طارق النبراوي ضد مرشح السلطة الوزير ونقيب المهندسين السابق هاني ضاحي، لكن نقابة المهندسين رغم عضويتها الضخمة (حوالي 850 ألف مهندس وفقا لتصريحات نقيبها) إلا أنها لا تتمتع بقوة تأثير نقابة الصحفيين في المجال العام، وهذا لا يعيبها فهي نقابة مهنية متخصصة، على خلاف نقابة الصحفيين التي هي نقابة رأي بالأساس، كما أن أعضاءها هم من يوجهون الرأي العام عبر صحفهم والقنوات والمواقع التي يعملون فيها.

هزيمة مرشحي السلطة في انتخابات نقابة الصحفيين مثلت زلزالا سياسيا وليس فقط نقابيا، رغم محاولة داعمي السلطة التقليل من هذه النتائج، ورسالتها واضحة للسلطة الغاشمة أن أي انتخابات تجري بحرية ونزاهة وتحت إشراف قضائي فإنها لن تأتي بمرشحي السلطة،
وما اختلف في نتائج انتخابات نقابة الصحفيين عن المهندسين هو فوز 4 بعضوية المجلس من تيار الاستقلال ذاته الذي يمثله النقيب الجديد، يضاف إليهم اثنان في المجلس القديم، أي نصف المجلس، وهنا يكون صوت النقيب مرجحا، فيمتلك بذلك أغلبية بسيطة تمكنه من العمل، على خلاف نقيب المهندسين الذي يعاني في تعامله مع مجلس النقابة بعد تدخلات السلطة وحزبها (مستقبل وطن) لتأليب بعض الأعضاء ضده بهدف إفشاله، وربما بهدف تجميد عمل النقابة أو الدفع في اتجاه انتخابات جديدة.

نقابة الصحفيين تعد "ترمومتر" للحياة السياسية وخاصة بين النخبة، فلا يمكن تجاهل دورها في الحراك الشعبي الذي سبق ثورة 25 يناير، وأسقط مبارك، حيث أسقطت قانونا له بعد أن صدق عليه عام 1995، ثم احتضنت الكثير من الفعاليات الاحتجاجية ضده، ومن داخلها بدأ تطبيق شعار تظهير الإعلام الذي رفعه الثوار في الميادين، وذلك بطرد نقيبها الأسبق مكرم محمد أحمد ، ثم هي التي احتضنت فعاليات معارضة للرئيس مرسي أيضا (رغم خلافي شخصيا مع تلك الفعاليات وأصحابها)، واحتضنت الاجتماعات التحضيرية لمظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013.

وكانت الخطيئة الكبرى التي تدفع النقابة والوطن كله ثمنها هي دعم انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وهو موقف لم يحصنها ضد تغول هذا النظام الذي اقتحمها بوليسه مطلع أيار/ مايو 2016 لأول مرة في تاريخها، واعتقل صحفيين من داخلها ثم أحال نقيبها السابق يحيي قلاش ووكيل النقابة في ذلك الوقت والذي انتخب نقيبا الآن خالد البلشي للمحاكمة، ثم فرض هيمنته التامة على النقابة من خلال رجاله داخل مجلسها، الذين منعوا أي فعاليات داخل النقابة أو على سلالمها، بل قاموا بوضع السواتر القماشية الكثيفة على مدخلها بحجة الصيانة.

واليوم حين يتحرك الصحفيون لاختيار من يتبنون الدفاع عن الحريات العامة وكرامة المهنة، ويلفظون في الوقت نفسه مرشحي السلطة الذين ساهموا في تردي المهنة وتردي النقابة، فإنهم يبعثون برسالة أمل جديدة لقوى التغيير قبل عام أو أقل من الانتخابات الرئاسية.

كانت الخطيئة الكبرى التي تدفع النقابة والوطن كله ثمنها هي دعم انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وهو موقف لم يحصنها ضد تغول هذا النظام الذي اقتحمها بوليسه مطلع أيار/ مايو 2016 لأول مرة في تاريخها، واعتقل صحفيين من داخلها ثم أحال نقيبها السابق يحيي قلاش ووكيل النقابة في ذلك الوقت والذي انتخب نقيبا الآن خالد البلشي للمحاكمة، ثم فرض هيمنته التامة على النقابة من خلال رجاله داخل مجلسها
لم يقتصر الأمر على فوز مرشحي تيار الاستقلال النقابي، بل كانت الجمعية العمومية التي انعقدت خلال يوم الجمعة الماضي تعزف لحنا وطنيا مشابها لنتيجة الانتخابات بل كان دالا عليها قبل حدوثها، حيث عبرت عن تضامنها الكامل مع الصحفيين المعتقلين، ودعت المجلس الجديد لاعتبارهم الموضوع الأولى بالرعاية، وفرضت دعما ماليا لأسرهم حتى إطلاق سراحهم. كما جددت الجمعية العمومية رفضها للتطبيع مع الكيان الصهيوني، متحدية بذلك الموجة العامة للتطبيع التي يشارك فيها النظام المصري بحماس، ناهيك عن قرارات اقتصادية تتعلق برفض ميزانية النقابة، والمطالبة بزيادة الرواتب.. الخ.

قد يرى البعض أن الربط بين انتخابات نقابة الصحفيين والانتخابات الرئاسية يحمل قدرا كبيرا من المبالغة، منطلقين في ذلك من واقع مؤلم فرض فيه النظام هيمنته على الحياة السياسية، وأغلقها بشكل كامل، وهذه حقيقة مرة، لكن الصحيح أيضا أن نتائج هذه الانتخابات أوقدت الأمل الذي انطفأ في نفوس الكثيرين، وقد تابعنا فرحة رموز المعارضة داخل مصر بذلك، وغالبا ستمثل هذه التغييرات دافعا لتلك القوى المعارضة لإعادة تنظيم نفسها، وحشد طاقاتها لإحداث تغيير سياسي. وصحيح أن التغيير السياسي بمعنى الخلاص من السيسي يبدو أمرا صعبا نظرا لاستناده إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، لكنه ليس مستحيلا وفقا لدروس الماضي القريب والبعيد، والكرة الآن في ملعب قوى التغيير.

twitter.com/kotbelaraby