أثار الاتفاق السعودي
الإيراني على إعادة تطبيع العلاقات بين
البلدين، العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية انعكاس ذلك على نفوذ
الإمارات في
اليمن، الذي أشعل صراعا متناميا مع الرياض، قائدة التحالف العربي.
ويسود الاعتقاد أن الاتفاق بين الرياض وطهران برعاية صينية، تم دون
علم دولة الإمارات حليفة
السعودية في حربها باليمن، أو جرى بعيدا عنها، وهو ما
سيلقي بتأثيرات على النفوذ والمصالح الإماراتية جنوب وشرق اليمن، وفق مراقبين.
وفي وقت سابق، أعربت المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم
المتحدة، لانا نسيبة، في تصريحات لها، عن أملها في أن "يتم الحصول على خارطة
طريق تساعد على التنفيذ الكامل للسلام في اليمن"، مؤكدة أن "الاتفاق
السعودي الإيراني، هو أفضل فرصة لاستقرار الوضع في اليمن".
"اصطفاف إماراتي إيراني"
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع
أنه لا بد أن نفصل بين علاقات السعودية مع الدول وعلاقات إيران، ومن ثم نستطيع
التمييز بين الاتفاق السعودي الإيراني وعلاقات الدولتين ببقية الدول الأخرى.
وقال الشجاع في حديث خاص لـ"عربي21"؛ إن الاتفاق لا يمنع
إيران من الإبقاء على علاقتها بالإمارات، وهو في الوقت نفسه، لن يمنع التوتر بين
السعودية والإمارات.
ومن هذا المنطلق، يشير الأكاديمي اليمني إلى أن الصراع السعودي
الإماراتي على قيادة المنطقة ومنها اليمن، لا علاقة له بالاتفاق السعودي الإيراني،
بل سيعطي مساحة لإيران أن تدعم الإمارات للتأثير على الوجود السعودي في المنطقة
ومنها اليمن، مؤكدا أن ذلك، سيخفف العبء على طهران في إضعاف السعودية والدفع بها
لمواجهة أكثر من طرف، وسيعود ذلك بالنفع على إيران في تجنيدها لحلفاء جدد بطريقة
غير مباشرة في مواجهة الرياض.
وحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، فإن هذا الاتفاق سيدفع
الإمارات لتعزيز علاقتها بإيران ورفع منسوب التعاون، إضافة إلى التعاون مع
الحوثيين، فيما لم يستبعد أن تدعم أبوظبي الشيعة في السعودية بطريقة سرية.
وقال الشجاع؛ إن الإمارات تتعاون مع الحوثيين منذ وقت مبكر في حرب
اليمن، وستعمل على تعزيز ذلك، لكي تعيق أي تقارب بين السعودية وإيران، أو حتى بقاء
الاستقرار الداخلي للمملكة.
وتابع بأن حكومة أبوظبي تعمل على إغراق السعودية في رمال اليمن
المتحركة منذ بداية الحرب، ولن تقبل بأقل من إضعافها واستلام راية القيادة منها،
خاصة أن أبوظبي ترى نفسها أحق بقيادة المنطقة، بعد أن شعرت بقوتها الاقتصادية
ونسيج علاقاتها السياسية، تحديدا مع إسرائيل وإيران.
"صدام وشيك"
من جهته، يقول الصحفي والكاتب اليمني، كمال السلامي؛ إنه بلا شك،
سيكون للاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين قبل أيام، تأثير مهم على المشهد
الإقليمي برمته، واليمن جزء منه أيضا.
وقبل الإشارة لهذا التأثير، يضيف السلامي في حديثه لـ"عربي21"، أنه لا بد من العودة إلى الوراء قليلا، ففي كانون الأول/ديسمبر من العام ٢٠١٩، وفي ذروة توتر
العلاقة بين الرياض وطهران، قررت الإمارات الذهاب إلى طهران، وهناك عُقد اجتماع
أمني رفيع، أثار حينها الكثير من التساؤلات.
وتابع: لكن المؤكد أن الإمارات قررت مغادرة ملف الصدام مع حلفاء
إيران في اليمن، لحماية نفسها من الصواريخ والطائرات المسيرة.
وأشار الصحفي اليمني إلى أنه بعد ذلك، انتقلت الإمارات من مربع العداء
لإيران إلى مربع الحياد ثم الصداقة، حيث ترجم ذلك بزيارة مستشار الأمن القومي
الإيراني طحنون بن زايد إلى طهران في كانون الأول/ديسمبر من العام ٢٠٢١، ومن ثم إعادة سفير
الإمارات إلى طهران في آب/أغسطس من العام ٢٠٢٢.
وقال؛ إن هذا الأمر، منح أبوظبي فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها
وأجندتها في اليمن، والانتقال من التركيز على الحوثي، إلى التركيز على تكريس
أطماعها في المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة الشرعية، فشكلت وعززت قوة الفصائل
الانفصالية المناوئة للحكومة اليمنية الشرعية، وعززت نفوذها في سقطرى والجزر
اليمنية والساحل الغربي.
وحسب الكاتب السلامي، فإن هذا الأمر، بلا شك، كان بفضل خروجها من مربع
الحرب ضد الحوثي، حتى صارت أجندتها منسجمة مع أجندة الحوثيين في ما يتعلق بالحرب
على الحكومة اليمنية، كل هذا عبر وكيلها المحلي "المجلس الانتقالي".
وأكد أن الرياض أدركت ذلك حينها، وتناقلت وسائل إعلام عربية
ودولية امتعاض المملكة من توجهات أبوظبي، ويبدو أن الأولى قررت أخيرا خوض التجربة
الإماراتية، من خلال التقارب المباشر مع إيران، لحماية حدودها ومدنها ومنشآتها.
ولم يستبعد المتحدث ذاته، أن تسعى السعودية من وراء الاتفاق إلى
إعادة ترتيب أولوياتها في المناطق المحررة، التي بلا شك ستصطدم بأجندة أبوظبي
وأدواتها هناك.
وبخصوص موقع الإمارات من التفاهمات أو الاتفاق السعودي الإيراني،
أوضح السلامي أنه يتفق مع الآراء التي تؤكد أن السلطات الإماراتية لم تكن على
اطلاع بتفاصيل المباحثات التي توجت باتفاق بيجين.
وأردف قائلا: "ويبدو أن الإمارات صارت تعرف أقل بخصوص السياسة
السعودية مؤخرا، إذ من الواضح أن العلاقة بين قيادتي البلدين اللتين تمتعتا بتحالف
متين طيلة السنوات الماضية، قد دخلت أخيرا مرحلة الفتور".
ولفت إلى أن التحركات الإماراتية التي تلت الاتفاق السعودي الإيراني
"يؤكد أن أبوظبي ربما فوجئت بذلك، وسرعان ما استضافت أمين المجلس الأعلى
للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في عاصمتها.
ومضى بالقول: "ويبدو أنها ستخوض سباقا مع الرياض لتسريع تحسين
العلاقة مع طهران، وكسب ود الأخيرة بشكل يقطع الطريق على الرياض".
كما توقع الصحفي والكاتب اليمني أن تذهب الإمارات للتفاوض مع
الحوثيين، بل إنه من غير المستبعد أنه سبق للإماراتيين أن فتحوا خطوط تواصل مع
الحوثيين حتى قبل الرياض.
ووفقا للصحفي السلامي، فإن المشهد العالمي مضطرب، وحالة الاستقطاب
تدفع دول الإقليم للبحث عن موضع قدم في الصيغة الدولية التي تتشكل على أكثر من
صعيد، وتنضج حاليا على نار الحرب الأوكرانية.
ورأى أن الخليج ربما حسم أمره ليقترب أكثر من المعسكر الروسي الصيني،
وهذا يتطلب بتطبيع العلاقة مع إيران، كنوع من الرد على الخذلان الغربي لحكومات
المنطقة، في مواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم، على حد قوله
وقبل ما يزيد عن أسبوع، أعلنت السعودية وإيران، الاتفاق على استئناف
العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارتين في مدة أقصاها شهران، وذلك عقب
مباحثات برعاية صينية في بكين، ما وضع حدا لخلاف استمر لسبع سنوات.