ببلوغرافيا

هند الحسيني أقسمت أن تعيش أو تموت مع أيتام "دير ياسين"

هند الحسيني.. سنوات من العمل الاجتماعي
تعد هند طاهر الحسيني التي ولدت عام 1916 في القدس الشريف، من أعلام التربية والاجتماع في فلسطين. وهي مربية ومعلمة ومناضلة، كرست حياتها لخدمة شعبها ورعاية الأيتام والفقراء وأبناء الشهداء.

من أبرز السيدات المقدسيات اللواتي كرسن حياتهن للعمل الاجتماعي، وارتبط اسمها بدار الطفل العربي التي قضت معظم حياتها في خدمتها، وعملت جاهدة على توفير كل ما يستلزم صمودها وتطورها من دعم ومال بمساعدة أصدقائها والمانحين من أنحاء العالم كافة.

وربما لعب يتمها بعد وفاة والدها وعمرها سنتان دورا في نجاحها في هذه المهمة الإنسانية والوطنية.


                                                   هند الحسيني في شبابها

وكان التعلم والتعليم طريقها إلى ذلك بعد أن التحقت بالكلية الإنجليزية للبنات، وأنهت دراستها الثانوية عام 1937. ثم درست آداب اللغتين العربية والإنجليزية عام 1938 دراسة خاصة.

عملت مدرسة في مدرسة البنات الإسلامية لكنها ما لبثت أن توقفت عن التدريس إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية لفترة قصيرة، ثم واصلت التدريس حتى نهاية العام الدراسي 1945.

في عام 1945 تركت مهنة التعليم ثانية، وبدأت مرحلة العمل الاجتماعي التطوعي، حيث أنشأت جمعية التضامن الاجتماعي النسائي في القدس، والتي نشرت فروعها في أنحاء فلسطين حتى وصل عددها إلي 22 فرعا.

وضعت على عاتقها مع مجموعة من الفلسطينيات دراسة أحوال الأطفال في المدن والقرى التي وجدن فيها الأطفال مهملين، فقمن بتنظيم جمعيات محلية وبساتين أطفال ومراكز مكافحة أمية وتعليم خياطة في عدد من مدن وقرى فلسطين.


                          الحسيني في طابور صباحي في مؤسسة دار الطفل العربي

وعندما وقعت نكبة فلسطين عام 1948 توقفت الجمعيات عن العمل، لكن المذابح التي شهدتها فلسطين ونفذتها العصابات الصهيونية خلفت عشرات اليتامى، فقامت هند الحسيني بجمع 55 طفلا وطفلة من أيتام قرية دير ياسين التي وقعت فيها مجزرة فظيعة، ووضعتهم في غرفتين في سوق الحصر بالبلدة القديمة، ولم يكن في جعبتها يوم ذاك سوى 138 جنيها فلسطينيا وآلت على نفسها أن تعيش بهم أو تموت بهم.

فكانت تلك بداية تأسيس مؤسسة دار الطفل العربي في القدس عام 1948. ولما انتظمت المدارس قامت هند بتوزيع الأطفال الذين جمعتهم علي الصفوف المناسبة لسنهم لتلقي العلم، ثم وجدت أن الأنسب لهم فتح صفوف دراسية في حرم المنزل الذي يقيمون فيه، فاستخدمت الكراج واصطبل الخيل كصفوف مؤقتة تحت إشرافها المباشر.

وفي عام 1961 تمكنت من بناء الطابق الأول من بناية المدرسة، وفي عام 1970 تم بناء عمارة الأطفال من التبرعات.

وخلال العدوان الإسرائيلي في حزيران/ يونيو عام 1967، حولت الحسيني مقر دار الطفل العربي إلى مستوصف لعلاج الجرحى، ولم يسلم هذا المقر من اعتداء القوات الإسرائيلية، إذ تم قصفه وتدمير نصفه بالكامل، غير أن الصليب الأحمر النرويجي قام بالمساعدة في إعادة بنائه.

تدرجت مؤسسة دار الطفل العربي حتى أصبحت تشكل مجمعا تعليميا كاملا يضم الحضانة وبساتين الأطفال والمرحلة الإعدادية والثانوية وقسم الكمبيوتر والسكرتارية ومكافحة الأمية والخياطة والتدبير المنزلي.

وبحسب المؤرخ والأديب حسني جرار، فقد التحقت الحسيني بـجامعة هامبورغ، بألمانيا، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن دار الطفل العربي، ومشاركتها في عضوية العديد من الهيئات الاجتماعية والتعليمية، فهي من مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية في القدس، ورئيسة مجلس أمناء كلية الآداب للبنات، جامعة القدس، وعضو مجلس إدارة جمعية المشروع الإنشائي، وجمعية اليتيم العربي والفتاة اللاجئة، ومجلس أمناء جامعة القدس.

وفي عام 1982، تم شراء بيت الأديب الفلسطيني إسعاف النشاشيبي ليصبح "مركز إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون" وأصبح مركزا للأبحاث الإسلامية ومعهدا عاليا. وقامت هند الحسيني بمعاونة إسحاق موسى الحسيني بتأسيس مكتبة في المركز، ضمت آلاف كتب التراث العربي الإسلامي.

وأنشأت هند، في عام 1982، بمساعدة "منظمة المؤتمر الإسلامي"، "كلية هند الحسيني للآداب للبنات"، التي انضمت عام 1995 إلى "جامعة القدس" في أبو ديس، وصارت تمنح درجة بكالوريوس في الآداب.

في عام 1992 أنشئ معهد الآثار والحضارة الإسلامية، وهو يمنح درجة الماجستير.


                                      من حي الشيخ جراح كلية هند الحسيني للبنات

حصلت هند الحسيني على عدة أوسمة علي نشاطها الاجتماعي الرائد.

وبعد سنوات من العمل الاجتماعي والإنساني والتربوي توفيت هند الحسيني في عام 1994 إثر مرض عضال ودفنت في القدس.

وفي عام 2010، اختارت المخرجة الفلسطينية ساهرة درباس أن تروي في فيلمها الوثائقي "كان في جعبتي 138 جنيها" قصة عطاء هند الحسيني من دون حدود في رعاية الأطفال الأيتام. وتناول جزءا من سيرة حياتها الفيلم السياسي "ميرال" الذي أخرجه في العام نفسه المخرج الأمريكي جوليان شنابل.

المراجع

ـ حسن سلوادي وآخرون، "في وداع المربية الفاضلة هند الحسيني"، مركز الأبحاث الإسلامية، القدس، 1994 .
ـ سيرة السيدة هند الحسيني، مؤسسة دار الطفل العربي (القدس).
ـ نسب أديب حسين، كيف علمت هند الحسيني أطفال دير ياسين التحليق؟، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 114، 2018.
ـ هند الحسيني.. مسيرة طويلة في صناعة الأجيال بمدينة القدس، منصة فلسطين27 ،  31/10/2019.
ـ محمد ماجد الحزماوي، "الدور الوطني للمرأة المقدسية 1920-1967"، دورية عالم الفكر، المجلد 38، العدد 4، 2010.
ـ عزت دراغمة، "الحركة النسائية في فلسطين (1903-1990)"، القدس: مكتب ضياء للدراسات، 1991.
ـ حنان عسلي شهابي، "المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب"، لارنكا، منشورات الرمال، 2016.
ـ نساء عبر التاريخ: المقدسية الرائدة هند الحسيني، موقع المرأة الفلسطينية (جنى).
ـ مربون مقدسيون: استعادة السكاكيني والحسيني والأشهب، العربي الجديد، 8/11/2020.