يعيش العالم حالة غليان في منطقتين هامتين من العالم ونقصد هنا
أوراسيا عبر غزو روسي لأوكرانيا مضى عليه أكثر من عام وكذلك في بحر الصين والذي
ينذر بغزو صيني لتايوان قد يفضي إلى
حرب مباشرة بين الصين وأمريكا.
تدخل الآن منطقة البحر الأحمر على خط التوتر رغم محاولات قوى دولية
وإقليمية عديدة إرساء الاستقرار فيها لصالحها مما يعزز تركيزها على تلك المنطقتين
الساخنتين وقوى أخرى راغبة بتسخينها لأسباب عديدة أخرى سنذكرها عند ذكر المستفيدين.
هذه التوترات الواقعة تجعل القوى الدولية تستخدم إستراتيجيات
ومقاربات مختلفة تجاه المناطق وكذلك على صعيد الأساليب.
يلاحظ منذ فترة تباين تعامل القوى الكبرى والاقليمية مع منطقة الشرق
الأوسط سواء في سورية أو ليبيا أو اليمن أو تونس أو فلسطين وأخيرا تأتي أحداث
السودان التي تسارعت أحداثها بشكل دراماتيكي ووصلت لحد الانفجار بعد محاولات عديدة
لإيجاد صيغة توافقية عبر اتفاق يزيل الازدواجية العسكرية غير المنطقية وفق منطق
الجيوش النظامية التي تخضع لقيادة عسكرية موحدة.
السؤال المطروح بالنسبة للمحللين السياسيين من هم أصحاب المصلحة فيما
يجري حاليا في السودان؟
للإجابة على هذا السؤال الهام يجب معرفة طبيعة المنطقة وأهميتها وأين
تقع مكامن قوتها؟
تنبع أهمية السودان من إطلالته على البحر الأحمر الذي يمر فيه قرابة
2.5 تريليون دولار سنويا بما يعادل 13% من حجم التجارة العالمية والتي من المتوقع
زيادته باطراد في الأعوام القادمة بسبب حرب أوكرانيا وكذلك باعتباره بوابة رئيسة
لوسط أفريقيا بحيث أنها تحد غربا ليبيا و تشاد وجنوبا أفريقيا الوسطى وأثيوبيا.
أصحاب المصلحة:
1 ـ روسيا:
لروسيا مصلحة مزدوجة من الأحداث المؤلمة في السودان، إثارة الفتن في
المنطقة حتى تسحب دائرة الاهتمام عن غزوها أوكرانيا عبر تهديدها بشكل غير مباشر
لخطوط إمداد الطاقة والتجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر وجعلها غير مستقرة
مما يعيد لنفطها وغازها أهميته السابقة، أيضا اختراق إفريقيا في منطقة شديدة
الأهمية ضاغطة على شمالها ووسطها والقرن الأفريقي مع إطلالة هامة على شبه الجزيرة
العربية عبر قوات فاغنر التي أصبحت لاعبا رئيسا في ليبيا وأخيرا في مالي بعد أن
قام ضباطها بطرد الفرنسيين منها.
2 ـ الصين:
تتشابه المصالح الصينية في أحداث السودان مع روسيا بل تكاد تكون
متطابقة مع أسبقية اقتصادية للصين، حيث تعتبر جزءا من استراتيجيتها المسماة طريق
الحرير البحري، فهي من الدول التي انتبهت لأهمية السودان مبكرا لذا قامت شركاتها
في التنقيب عن النفط وتصديره في ظل عقوبات أميركية طالتها ما بعد انقلاب الرئيس
المخلوع عمر حسن البشير.
3 ـ أثيوبيا:
الأحداث الحالية تعتبر هدية لا تقدر بثمن للأثيويبيين ويمكن اعتبارهم
أكثر المستفيدين من الأحداث، فلقد عانوا من انقلاب العلاقات مع السودان التي كانت
لا تعارض مشروع سد النهضة بسبب وجود مصلحة مشتركة معهم، إلا أن تطور علاقة السودان
مع مصر جعلهم يشكلون تحالفا مباشرا ضدها مما جعلها ترغب بشدة بإضعاف الدول المتشاركة
معها على نهر النيل وإشغالهما بمشاكل داخلية مما يجعل قضية سد النهضة محسومة
لصالحها بعيدا عن أي اتفاقات دولية أو تحالفات مضادة بعد انشغال الحشود العسكرية
بصراع داخلي في حال لم يتم حسمه في الأسابيع القريبة القادمة.
4 ـ الإمارات العربية المتحدة:
يلاحظ منذ عقد رغبة إماراتية
جامحة للعب دور رئيسي في السيطرة على ممرات الطاقة والتجارة فلقد حرصت على السيطرة
على موانئ عديدة على شط العرب والبحر الأحمر والأبيض المتوسط حتى تروج بأنها دولة
فاعلة في الاقليم مما يجعل القوى الكبرى تعتمدها كوكيل أساسي لهم وقد استطاعت في الفترة
السابقة نسج علاقات خارج إطار الدولة مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ويرى البعض أن إشارة البدء في الأحداث الأخيرة انطلقت
بالتشارك مع أبوظبي.
5 ـ إسرائيل:
مابعد انتفاضة السودانيين ضد نظام البشير لوحظ هرولة مريبة لكلا
الطرفين للتواصل مع إسرائيل حتى يخرجوا من حالة العقوبات.
إن الطموح الإسرائيلي بالتغول في أفريقيا وبناء تحالف مع الإمارات
عبر أداة ميليشيوية ويقصد هنا فريق الدعم السريع المشابه لفاغنر، أساسه المال
مقابل خدمات عسكرية، يغري الإسرائيليين بتنفيذ خططهم المريبة على الصعيد الإفريقي
خاصة أن القمة الإخيرة للإتحاد الإفريقي في أثيوبيا منعت تواجدهم بصفة عضو مراقب.
6 ـ إيران:
تحاول إيران منذ انسحاب أمريكا من اتفاقية الملف النووي عام 2018
إيجاد ملفات ضاغطة على الغرب عموما، سواء في سورية أو إسرائيل أو الخليج العربي
بالتعاون مع روسيا والصين وحتى الإمارات، لذا فإن أي فوضى تنشأ في السودان تصب في
مصلحتها ومصلحة كافة الدول المتحالفة معها وفي صالح محاولاتها إذعان العالم
بمشروعها النووي وحتى الصاروخي الباليستي.
هل تنجو السودان من حرب أهلية تزيد من معاناة العرب والمسلمين، أم تزداد حالة الشرذمة والتيه وتنسحب إلى أماكن أخرى من العالم العربي، وهل نرى تأثيرات مباشرة على الملف السوري الذي يشهد تباينًا عربيًا في قضية التطبيع مع الأسد؟!
من خلال استعراضنا للدول المستفيدة من الحرب المندلعة في السودان،
نرى غياب ذكر قوى كبرى مثل أمريكا وبريطانيا ودول أخرى فاعلة إقليميا مثل السعودية
ومصر وتركيا وقطر التي يقدر أن استراتجيتها داعمة لاستقرار السودان مما يجعلها
تحاول بشتى الوسائل الوصول لاتفاق قابل للتطبيق يكمل الاتفاق الإطاري الذي وصلت
إليه سابقا عام 2022 بحيث يعيد السلطة للقوى السياسية المدنية ويوحد الجيش وفق
عقيدة قتالية موحدة بعد احتكار الجيش للسلطة استمر منذ عام 1989 والذي جعل الشعب
السوداني يدفع ثمنه غاليا عبر صراعات مناطقية بدأت في إقليم دارفور ولاحقا بتقسيمه إلى دولتين والآن وصل الصراع إلى العاصمة الخرطوم.
متى يستطيع السودانيون تجاوز
هذه الأزمات ويصبحوا سلة الغذاء العربي فعليا والرقم الصعب على صعيده خاصة أن
أوكرانيا الدولة الهامة في هذا المجال تعاني حاليا من غزو روسيا لها والتي يستبعد
حسمه قريبا، فهل تنجو السودان من حرب أهلية تزيد من معاناة العرب والمسلمين، أم
تزداد حالة الشرذمة والتيه وتنسحب إلى أماكن أخرى من العالم العربي، وهل نرى
تأثيرات مباشرة على الملف السوري الذي يشهد تباينًا عربيًا في قضية التطبيع مع
الأسد؟!