أثارت دعوة
المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات لحوار مع المكونات السياسية في محافظات جنوب وشرق
اليمن، منذ أيام، أسئلة عديدة حول أهداف هذه الخطوة وتوقيتها.
وبدأت جلسات الحوار الذي أسماه المجلس الانتقالي المنادي بانفصال الجنوب عن الشمال الخميس الماضي، رغم رفض قوى ومكونات سياسية جنوبية فاعلة ووازنة في الساحة، وهو أمر اعتبر بمثابة "صفعة جديدة" تلقاها المجلس ورئيسه، عيدروس الزبيدي، من تلك المكونات، في لحظة حساسة ومفصلية في البلاد.
ومؤخرا، رفع الزبيدي، رئيس الانتقالي، شعار "الانفصال" خلال كلمته في افتتاح اللقاء التشاوري الذي عقد في مدينة
عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وهو العنوان الذي طالما عادت له قيادات المجلس الانفصالي كلما تأزمت العلاقة بين أبوظبي والرياض، وفق مراقبين.
ولعل الهدف الأبرز لهذا اللقاء التشاوري الذي دعا له الانفصاليون المدعومون من حكومة أبوظبي هو "محاولة احتواء ما أمكن من القوى والمكونات في محافظات جنوب وشرق اليمن من قبل المجلس الانتقالي، ليكون هو المتصدر الوحيد في المشهد السياسي الجنوبي، في ظل مساع إقليمية ودولية للتوصل إلى تسوية شاملة للحرب الدائرة في اليمن.
"مرحلة مفصلية"
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي، منصور صالح، إن المجلس يمضي بثبات وحكمة نحو إرساء قواعد متينة للشراكة الوطنية في صناعة القرار السياسي الجنوبي، بعيدا عن الإقصاء.
وأضاف صالح عبر "تويتر" قبل أيام، أن ما يحدث اليوم من فعل سياسي وطني هو ترجمة واقعية لرؤية المجلس وموقفه الثابت تجاه احترام حقوق الشركاء في هذا الوطن، انطلاقا من أن الجنوب ملك لكل أبنائه".
وأشار المسؤول الإعلامي في الانتقالي إلى أن الجنوب لن ينتصر أو يزدهر إلا بتشابك أيدي الجميع، وتوافقهم حول رؤية ونموذج موحد لماهية وشكل الجنوب القادم، مؤكدا على أن المرحلة مفصلية، وسيحفظ التاريخ لصانعيها فعلهم هذا في أنصع صفحاته، ومن الحكمة ألا يفوت أحد على نفسه هذا الشرف العظيم، وفق تعبيره.
"احتواء واختزال"
من جانبه، قال عبدالكريم السعدي، رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، وعضو القيادة العليا للحراك الجنوبي السلمي، إن دعوة مكون الانتقالي للتشاور والحوار ليست جديدة، فهي الدعوة السادسة التي تشكلت لها لجان تقريبا، لكن جميعها عانت من غياب الآليات والضوابط والأسس المتعارف عليها في مثل هذه الحالات ومثل هذه الدعوات.
وأضاف السعدي في حديث خاص لـ"عربي21"، أن كثيرا من القوى التي اشترطت للحضور تطبيق الأسس والضوابط خلال الدعوات السابقة، هي ذاتها المتمسكة بمواقفها تجاه هذه الدعوة الجديدة اليوم، وقد أوضحت بيانات تلك القوى مواقفها وأسبابها في عدم التجاوب مع هذه الدعوة للحضور.
وحسب السياسي اليمني في جنوب البلاد، فإن "الانتقالي يعاني من معضلة مزمنة، تتمثل في الرغبة الجامحة في الاستحواذ على القرار الجنوبي والاستئثار بالتمثيل"، مؤكدا أن هذه المعضلة هي إحدى أهم أسباب إفراط الانتقالي في إعلان وتشكيل لجان الحوار .
وقال: "ورغم هذا الإفراط، يستمر الانتقالي في إهمال أبسط مقومات وضوابط وأسس تلك الدعوات".
ورأى رئيس تجمع القوى المدنية جنوب اليمن، أن حالة الرفض وعدم القبول الواسعة التي واجهت الدعوة الأخيرة للانتقالي طبيعية ومبررة، إذا ما تم النظر إلى إصرار مكون الانتقالي على الاستمرار في ممارسة القوامة، وادعاء الوصاية على قرار تلك القوى".
وتابع بأن الانتقالي لا يريد حوارا بقدر ما يريد الإثبات للإقليم بأنه نجح في احتواء تلك القوى، وبالتالي تخطى العائق الذي يقف أمام أحلامه في الاستئثار بالتمثيل الجنوبي.
وأوضح السياسي اليمني الجنوبي السعدي، أن المجلس الانتقالي سيستمر بالانتقال من إخفاق إلى إخفاق ما دام مستمرا على نفس النهج ونفس الآليات ونفس الشخوص في إدارة الحوار وفي تنفيذ دعواته تلك.
" مقاطعة جلسات الحوار"
وفي وقت سابق، تداعت مكونات سياسية وشخصيات لها ثقلها الواسع في محافظات جنوب اليمن، إلى رفض اللقاء التشاوري الذي دعا له المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، والذي بدأت جلساته يوم الخميس الفائت، من بينها " المؤتمر الشعبي العام ( فرع جنوب البلاد)، والذي يقوده وزير الداخلية السابق، أحمد الميسري، و"مؤتمر حضرموت الجامع"، و"مرجعية قبائل حضرموت، و"الائتلاف الجنوبي"، و"لجنة الاعتصام السلمي في المهرة، شرقا"، و الحراك الثوري الجنوبي، وغيرها.
وقال مؤتمر حضرموت الجامع، في بيان له، إن الأسس التي تبنى عليها قاعدة الحوار لم تكن مكتملة بعد، الأمر الذي يلزم مؤتمر حضرموت الجامع عدم المشاركة والحضور في ذلك اللقاء، من منطلق العدل والمنطق، وحفاظًا على حضرموت ومكانتها.
كما أعلنت مرجعية قبائل حضرموت ( مكون سياسي واجتماعي ينشط بشكل فاعل في وادي المحافظة الغنية بالنفط)، رفضها المشاركة في اللقاء التشاوري؛ كون "اللقاءات التحضيرية التي شاركت فيها لم تكن سوى لقاءات شكلية فقط، ولم تلامس لب القضية، المتمثلة في الحوار النّدي مع حضرموت، ومناقشة كل القضايا دون سقف مسبق".
من جهته، أعلن المجلس الأعلى للحراك الثوري اعتذاره عن عدم المشاركة في اللقاء التشاوري الذي دعا له المجلس الانتقالي للمكونات الجنوبية.
وقال مجلس الحراك الثوري، في بيان له، إن "الانتقالي يسعى إلى فرض نفسه كممثل حصري عن القضية الجنوبية، استباقاً للحوار والتفافا عليه".
وقالت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي، التي يقودها محمد علي أحمد ( وهو قيادي جنوبي)، إن "لجنة الحوار تم تشكيلها بقرار من المجلس الانتقالي، انطلاقا من أنه وصي على الجميع، وأن عليهم الانضواء تحت مظلته في مشاورات يحدد شكلها وتوصياتها".
وأضافت لجنة المؤتمر الجنوبي: "كما حدد المجلس الانتقالي تاريخ إقامة هذه الفعالية في 4 مايو، وهو تاريخ احتفال المجلس بما يصفه بتفويض الشعب له".
"كيان مشبوه"
بدوره، قال الكاتب الناشط السياسي اليمني، عمر بن هلابي، إن دعوة المجلس الانتقالي للحوار هي دعوة مشبوهة، لمكون وظيفي يسير حسب توجيهات دولة وظيفية، في تلميح منه إلى دولة الإمارات الممولة لهذا الكيان منذ تأسيسه ( في العام 2017).
وتابع بن هلابي حديثه لـ"عربي21" بأن هذه الخطوات التي يسير بها هذا الكيان، والقرارات والسياسيات التي يتخذها، لا علاقة لها بـ"القضية الجنوبية"، بل تضر بها أيما ضرر.
وأضاف: "ولذلك، الكل ينظر إلى المجلس الانتقالي على أنه كيان مشبوه، وكذلك الدعوات التي يصدرها".
وتساءل الكاتب اليمني المتحدر من محافظة حضرموت، قائلا: ما معنى أن يحدد الانتقالي تاريخ 4 مايو لانعقاد حواره المزعوم، والذي يصادف يوم تنصيب عيدروس الزبيدي ( رئيس المجلس) رئيسا مفوضا عن الجنوبيين.
وأردف: "المجلس يريد من خلال هذه الذكرى أن يتنزع من الكل أن هناك تفويضا لرئيسه، لإيهام المجتمع الدولي بأنه هو الممثل للجنوب، وأنه يستطيع أن يذهب للحوار وتقاسم الثروة والسلطة مع الخاطفين الآخرين للسلطة في صنعاء"، في إشارة منه إلى جماعة
الحوثيين.
وأشار الناشط السياسي الحضرمي إلى أن المكونات الحضرمية بمختلف تسمياتها، بما فيها "مؤتمر حضرموت الجامع" و" مرجعية حضرموت الوادي والصحراء" و"الهبة الحضرمية"، إضافة إلى جميع الشخصيات والرموز السياسية، يعتبرون الحوار الذي دعا له الانتقالي بأن "قاسم مثنى يحاور مثنى قاسم"، وهي إشارة إلى أن الفعالية تنحصر بين مجموعة معينة تنتمي لمنطقة جغرافية تسمى "المثلث"، أي محافظة الضالع وأجزاء من لحج، إضافة مدينة يافع، التي تتشكل منها الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الانفصالي.
وحسب المتحدث ذاته، فإن المكونات الجنوبية الأخرى ذات التأثير في الحراك الجنوبي، مثل الحراك المشارك في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء ( 2013) وأبناء مدينة عدن، والحراك الثوري الجنوبي، والائتلاف الجنوبي، ورموز وشخصيات وازنة، رفضت المشاركة في هذا الحوار، ما يبعث بدلالة واضحة على أن هذه الفعالية مشبوهة لانتزاع المجلس الانتقالي تمثيل محافظات الجنوب.
ولفت بن هلابي إلى أن الانتقالي وجد أن القوى الإقليمية توجهها لإنهاء الحرب، والجلوس على طاولة مستديرة للسلام بين جميع القوى اليمنية، لتحديد التوافق على خطة سلام دائم ومستدام، وبناء دولة مستقبلية وضامنة، وبالتالي هرول نحو هذه المسرحية، بتمويل من تلك الدولة الوظيفية التي أنشأته لتدمير القضية الجنوبية العادلة التي يؤمن بها الجميع.
وعلى الرغم من صعود المجلس الانتقالي، الذي تشكل في العام 2017، وتصدره للمشهد جنوب اليمن، إلا أن هذا الأمر، وفق مراقبين، أماط اللثام عن الانقسامات التي تعتري القوى الجنوبية، كون هذا المجلس لم يكن محل إجماع كامل بين جميع الجنوبيين، ولا يوافق الكثير من الفرقاء السياسيين هناك على أجندته.