أحداث كثيرة هذا الأسبوع تطفو على السطح، لكن لا يمكن تجاهل ذكرى
النكبة
الفلسطينية التي مر عليها 75 عاما، شهدت أحداثا جساما وانتصارات هنا وهناك، لكنها
شهدت كثيرا من الإجرام الصهيوني في حق أبناء فلسطين في موطنهم وخارجه؛ فمنذ مجزرة
دير ياسين و70 مجزرة أخرى عام 1948 حتى اليوم حدثت الكثير من المجازر، كمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في
16 أيلول/ سبتمبر 1982 والتي سقط فيها ما بين 800 و1300 شهيد من رجال وأطفال
ونساء، ثم الغارات والحروب المتتالية على قطاع غزة الذي يعد أكثر المناطق كثافة
سكانية في العالم، حيث يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني، وقد تجاوزت الحروب والغارات
على قطاع غزة أكثر من عشرين حربا وغارة منذ 2007 حتى اليوم، سقط فيها آلاف الشهداء
والمصابين، وهدمت مئات البيوت.
لكن أهم ما شهدته هذه السنوات وأبرزها وأكثرها إدهاشا هو صمود الفلسطينيين الذين
لم تستطع الآلة العسكرية الصهيونية هدم عزائمهم، فقاموا بعدة عمليات جريئة في
الداخل الفلسطيني وعلى حدود الضفة الغربية، هزت أركان الأمن الصهيوني، وحققت
معادلة توازن الرعب، بل تجاوزتها إلى معادلة تفوق الرعب..
أهم ما شهدته هذه السنوات وأبرزها وأكثرها إدهاشا هو صمود الفلسطينيين الذين لم تستطع الآلة العسكرية الصهيونية هدم عزائمهم، فقاموا بعدة عمليات جريئة في الداخل الفلسطيني وعلى حدود الضفة الغربية، هزت أركان الأمن الصهيوني، وحققت معادلة توازن الرعب
بعد
وعد بلفور، وخيانة بريطانيا حينها للشعب الفلسطيني، ضمن مؤامرة عربية
دولية، كشفت عنها الوثائق السرية المسربة في السنوات الأخيرة، ما انفك اليهود
الصهاينة يعملون في الخفاء تارة وفي العلن أخرى، للسيطرة على فلسطين، وطرد أهلها
منها؛ ففي سنة 1837 كان عدد اليهود في
فلسطين 1500 يهودي، وارتفع عددهم من خلال الهجرة إلى 10 آلاف يهودي عام 1840، ثم
إلى 15 ألفا عام 1860، ثم 22 ألفا عام 1881.. وفي عام 1882م بدأت أفواج المهاجرين
الروس بالتوافد إلى فلسطين رغم إصدار السلطات العثمانية قانونا يحد من هجرة
اليهود. وارتفع هذا العدد ليصل إلى 25 ألفا عام 1903م، وفي سنة 1923بلغ عددهم نحو 35 ألفا..
وفيما يسمى بالموجة الرابعة للهجرة اليهودية من بين سنة 1924 إلى 1932 والتي
بدأت في زمن الانتداب البريطاني، توافد على فلسطين نحو 89 ألف مهاجر معظمهم من
أبناء الطبقة الوسطى، خصوصا من بولندا. وفيما أطلق عليه الهجرة الخامسة 1933-1939،
بلغ عدد المهاجرين اليهود الذين قدموا إلى فلسطين نحو 215 ألفاً جاء معظمهم من دول
وسط أوروبا بعد وصول النازية إلى الحكم، فهاجر من هذه الدول خلال هذه الفترة نحو
45 ألف مهاجر. وقد بلغت نسبة المهاجرين اليهود من ألمانيا إلى فلسطين سنة 1938م
نحو 52 في المئة من المجموع العام لليهود المهاجرين، هربا من النازية الألمانية.
وبناء على ما سمي "الكتاب الأبيض" الذي أصدرته بريطانيا سنة 1933،
والذي تم فيه تحديد الهجرة اليهودية بـ 75 ألفا خلال خمس السنوات القادمة؛ فقد
انخفض عدد المهاجرين عبر الطرق الرسمية، وازداد عددهم عبر الطرق الاحتيالية، ثم ما
لبثت الأعداد بالتناقص بعد اشتعال ثورة 1936 في عموم فلسطين، وقد مثل عدد اليهود
حينها 10.5 في المئة من سكان فلسطين.
وبعد سنة 1948 بدأت الوكالات الصهيونية بتشجيع اليهود في العالم على الهجرة
إلى فلسطين، ومنحتهم الكثير من المزايا، وخصوصا السكن في مستعمرات زراعية للراغبين
في الزراعة، أو السكن في مدن صناعية، وسهّلت لهم التراخيص بأنواعها، ومنحتهم البطاقة
الشخصية حال وصولهم، ثم الجنسية بسرعة قياسية؛ فهاجر إلى فلسطين حتى عام 1967 نحو
700 ألف يهودي، بينما كان عددهم سنة 1948 يبلغ 650 ألفا فقط، فقد تضاعف العدد،
وبعد هزيمة 1967 بدأ العدد بالتزايد بشكل ملحوظ، حين أحس اليهود بقوة كيانهم
وقدرته على ردع العرب للأسف.
أقام الصهاينة مدنهم وقراهم ومستعمراتهم على أنقاض القرى الفلسطينية التي دمروها، وشردوا أهلها، في مشهد تراجيدي مليء بالوجع والفزع والقلق، وربما استطاع مسلسل التغريبة الفلسطينية للكاتب الفلسطيني العبقري د. وليد سيف أن يصوره بطريقة مكنت المتابعين من فهم كثير من أبعاد القضية الفلسطينية والهجرات القسرية
لقد استطاعت العصابات الصهيونية المسلحة المتمثلة بالهاجاناه والبالماح والأرغون
وشتيرن عام 1948 تهجير العرب من مدنهم وقراهم حين اعتمدوا أسلوب الترهيب فقاموا
بنحو 70 مجزرة؛ كلفت الفلسطينيين نحو 15 ألف شهيد، وأوقعت الرعب في قلوب الناس
البسطاء؛ فخرجوا من ديارهم باتجاه قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان،
وقليل منهم توجهوا إلى مصر والعراق؛ وتم تهجير الفلسطينيين من 577 قرية و11 مدينة،
وظل الفلسطينيون يترقبون أن يعودوا بعد أيام كما صورت لهم بساطة تفكيرهم، وقلة
وعيهم بما يحدث، وخصوصا القرويين الذين كان كثير منهم مغيبا تماما عما يحدث وعن
حجم المؤامرة التي حيكت ضدهم.
وقد أقام الصهاينة مدنهم وقراهم ومستعمراتهم على أنقاض القرى الفلسطينية التي
دمروها، وشردوا أهلها، في مشهد تراجيدي مليء بالوجع والفزع والقلق، وربما استطاع
مسلسل التغريبة الفلسطينية للكاتب الفلسطيني العبقري د. وليد سيف أن يصوره بطريقة
مكنت المتابعين من فهم كثير من أبعاد القضية الفلسطينية والهجرات القسرية.. ولم
يتوان د. وليد عن كشف بعض نقاط الضعف، بقصد أو بغير قصد؛ فقد أظهرت بعض الأحداث ما
أومن به شخصيا من أن الوعي الفلسطيني في تلك الأثناء لم يكن كافيا للتصدي للمؤامرة
الكبرى على فلسطين..
في حين كان اليهود يخططون للاستيلاء على فلسطين قبل المؤتمر الصهيوني الأول
للمنظمة الصهيونية، الذي عقد بزعامة تيودور هرتزل والذي أقيم في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 آب/ أغسطس 1897، كان العرب في واد والصهيونية الجديدة في واد آخر.. لم
يكن الفلسطينيون واعين لما يحدث بما فيه الكفاية، ولم يواكبوا التخطيط بالتخطيط،
فقد كانوا من البساطة بحيث لم يدركوا اللعبة جيدا.. صحيح أنه كان ثمة مؤامرات
بعضها للأسف عربي وبعضها الآخر أوروبي، وخصوصا المؤامرة البريطانية الكبرى
المتمثلة بوعد بلفور وما بعده، تحاك ضد الفلسطينيين، وذلك لأن الأوروبيين أرادوا
أن يتخلصوا من الوجود اليهودي في بلدانهم، إضافة إلى الإحباط الذي أصاب المثقفين
اليهود جراء الملاحقات والمضايقات التي تعرضوا لها في أوروبا وخصوصا في ألمانيا
وروسيا.. إلا أن الأداء الفلسطيني بخاصة والعربي بعامة كان دون المستوى المطلوب.
استطاع اليهود التغلب على الفلسطينيين والعرب في وضع البرامج والخطط للاستيلاء على فلسطين، بمساعدة بريطانيا وتشجيع بقية دول أوروبا، لكن على الجانب الآخر كانت ثمة خيانة عربية تكشّف بعضها في ذلك الوقت، وبعضها الآخر تكشّف تباعا في السنوات اللاحقة، فقد وافق بعض الزعماء العرب في حينها على إنشاء وطن قومي لليهود
لقد استطاع اليهود التغلب على الفلسطينيين والعرب في وضع البرامج والخطط
للاستيلاء على فلسطين، بمساعدة بريطانيا وتشجيع بقية دول أوروبا، لكن على الجانب
الآخر كانت ثمة خيانة عربية تكشّف بعضها في ذلك الوقت، وبعضها الآخر تكشّف تباعا
في السنوات اللاحقة، فقد وافق بعض الزعماء العرب في حينها على إنشاء وطن قومي
لليهود (المساكين) كتابة وبتوقيعهم الذي لم يستطع أحد من أحفاد الموقعين نكرانه..
واكتملت فصول المؤامرة بتسخير الأمم المتحدة لرعاية شؤون اللاجئين وتوطينهم في
مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات العيش، وصار الحصول على التموين الأسبوعي الشغل
الشاغل للعاطلين عن العمل وغير القادرين على إعالة أسرهم، ومثّلت طوابير الدقيق
والسمن الذي كانت توزعه وكالة غوث الفلسطينيين مشهدا مؤلما لمصير قاتم لشعب بات
يبحث عن لقمة عيشه بعيدا عن أرضه ووطنه، إلى أن ظهرت حركة فتح التي أعادت
للفلسطينيين شيئا من الأمل حين رفعت شعار تحرير فلسطين، كل فلسطين، وانتهاء بمهزلة
أوسلو التي أضاعت كفاحا بطوليا استمر نحو 30 عاما، سقط فيه آلاف الشهداء، واعتقل
فيه آلاف الأسرى..
واليوم يقف الفلسطينيون في وجه المحتل بصمود أسطوري وإصرار كبير لم يكسرهم
آلاف الضحايا، وآلاف المصابين، وآلاف المعتقلين وضياع الأرض.. لم يزل الفلسطينيون
رغم العذابات التي لم يتعرض لها شعب في العالم يؤمنون بحقهم في أرضهم، وحقهم في
الحياة، وكلما جاء جيل جديد كان أكثر قوة ووعيا من الجيل الذي سبقه، في ظل انهيار
اجتماعي وأخلاقي على الطرف الآخر؛ مما يجعل الفلسطيني لا يفكر إلا بالعودة
والتحرير، بعد أن فشلت كل المخططات في تخريب أخلاق الشباب الفلسطيني وتمييع قضيته.