شهدت الأعوام الـ15 الماضية، تنافسا عربيا غير مسبوق على الاستثمار في أندية
كرة القدم الأوروبية، مع دخول صناديق سيادية حكومية في هذا السباق.
وبعد التحول الكامل لأندية
أوروبا إلى الاحتراف، وزيادة الإيرادات من حقوق الرعاية، والبث التلفزيوني، باتت فرق كرة القدم اسثمارا مغريا لرجال الأعمال حول العالم، ما دفع بعديد الأثرياء من الولايات المتحدة، ودول آسيا وأوروبا، إلى التوجه نحو هذا المجال.
وخلال السنوات الماضية دخل مستثمرون من دول خليجية وعربية مقربون من حكوماتهم (رجال أعمال أو شيوخ وأمراء)، بشكل لافت في الاستثمار الرياضي، إما عبر صناديق سيادية، أو بشكل فردي.
رسميا، كان الملياردير المصري محمد الفايد، والد عماد "دودي الفايد" عشيق الأميرة ديانا، هو أول المستثمرين العرب في الأندية الأوروبية، عند شرائه الحصة الأكبر من نادي فولهام الإنجليزي عام 1997.
استحوذ الفايد البالغ من العمر اليوم 94 سنة، على فولهام لقاء صفقة قدرت حينها بنحو 6.25 ملايين جنيه إسترليني (نحو 7.73 ملايين دولار).
وبرغم التدهور المالي لفولهام في السنوات اللاحقة، والذي اضطر الفايد لبيعه للمستثمر ذي الأصول الباكستانية شهيد خان عام 2013، إلا أن الملياردير المصري حقق أكبر إنجاز على المستوى الأوروبي الذي يقع جنوب غرب لندن، بإيصاله إلى نهائي الدوري الأوروبي.
واللافت أن القيمة السوقية ارتفعت بشكل كبير عند بيع النادي من قبل الفايد، إذ دفع شهيد خان 150 مليون جنيه إسترليني (185.3 مليون دولار) للهيمنة على فولهام.
ركود بداية الألفية الثالثةمع بداية الألفية الثالثة، لاقت استثمارات الأندية رواجا كبيرا، إذ بدأت رحلة استحواذ عائلة غلايزر الأمريكية على مانشستر يونايتد عام 2003، كما استحوذ الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش على تشيلسي في ذات العام.
إلا أن المستثمرين العرب لم يلتفتوا مبكرا إلى الاستثمار في الأندية الغربية، وتأخر دخولهم إلى عالم كرة القدم إلى آخر سنتين في العقد الأول من الألفية الثالثة.
واستفاد تشيلسي تحت ملكية أبراموفيتش من عدم وجود قوانين مشددة في بداية ملكيته للعب المالي النظيف، إذ أبرم عشرات الصفقات في غضون مواسم قليلة.
كما كان تشيلسي من أبرز الأندية التي تتعاقد مع لاعبين صغار في السن بمبالغ زهيدة، وتقوم بالاستثمار بهم عبر الإعارات المتكررة قبل بيعهم بمبالغ طائلة، وهو ما تم منعه لاحقا من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
دخول إماراتي قوي
العام 2008، أي حين استحوذ الشيخ منصور بن زايد، نائب الرئيس الإماراتي على
مانشستر سيتي، كان انطلاقة حقيقية للاستثمارات العربية في الأندية الأوروبية.
وبرغم أن ملاك الأندية قدموا أنفسهم على أنهم جهات خاصة في كثير من الأحيان، إلا أن الدعم الحكومي كان حاضرا بشكل مستمر.
ففي حالة مانشستر سيتي، اشترى منصور بن زايد بداية النادي بشكل علني عبر "مجموعة أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار" المملوكة له، وعين مواطنه رجل الأعمال خلدون المبارك رئيسا للنادي، إلا أنه وبعد نحو ست سنوات، أعلن عن إطلاق "سيتي جروب" التابعة لمجموعة أبو ظبي.
هذا الإعلان منح منصور بن زايد سهولة في التوسع بالاستحواذ على أندية حول العالم، مع تأكيد "مجموعة أبو ظبي للتنمية والاستثمار"، عدم ارتباطها بـ"جهاز أبو ظبي للاستثمار" (الصندوق السيادي).
وعلى مدار الأعوام الـ15 الماضية، وسع منصور بن زايد من امبراطوريته في كرة القدم، إذ يستحوذ اليوم بالإضافة إلى مانشستر سيتي، على نيويورك سيتي الأمريكي، وملبورن سيتي الأسترالي، ويوكوهاما مارينوس الياباني، ولوميل البلجيكي، ومومباي سيتي الهندي، وأتلتيكو توركي الأوروغوياني.
وبات مانشستر سيتي أكثر الأندية العالمية تحقيقا للإيرادات السنوية من مصادر مختلفة، ما يشير إلى نجاح الاستثمار الإماراتي فيه بعد مرور 15 عاما.
تجارب قطرية
اتجهت قطر نحو الاستثمار في أوروبا بتجارب مختلفة، ففي العام 2010، وبشكل فردي، استحوذ الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني على كامل أسهم نادي ملقا الإسباني، الذي كان يتأرجح حينها بين وسط ومؤخرة ترتيب الليغا.
وتراوحت حينها قيمة الصفقة بحسب مصادر مختلفة بين 38-40 مليون دولار أمريكي، ونجح المالك القطري في غضون عامين في إيصال ناديه الإسباني إلى دوري أبطال أوروبا، بعد ضم كوكبة من النجوم في مقدمتهم الهولندي رود فان نيستلروي، والإسباني سانتي كازورلا، والأرجنتيني مارتين ديميكليز، والبرازيلي خوليو بابتيستا.
إلا أن السنوات اللاحقة، شهدت تدهورا في ميزانية النادي بشكل ضخم جدا، ما اضطره إلى بيع جل نجومه، أبرزهم إيسكو.
وبالرغم من استمرار عبد الله بن ناصر بملكية نادي ملقا، إلا أن التدهور المالي، مع وجود تهم بالفساد الإداري، أدت بمجلس إدارة النادي إلى إيقافه عن رئاسة النادي بشكل مؤقت في العام 2020.
التجربة الأبرز
التجربة القطرية الأبرز في الملاعب الأوروبية، كانت في العام 2011، حين استحوذ جهاز قطر للاستثمارات (الصندوق السيادي) على
باريس سان جيرمان الفرنسي، وتم تعيين ناصر
الخليفي رئيسا.
استطاع الخليفي رفع رصيد باريس سان جيرمان من بطولتي دوري فقط، إلى 11، ليصبح أكثر الأندية الفرنسية تتويجا باللقب متجاوزا سانت اتيان (10)، كما أنفق نحو مليار ونصف مليار يورو في سوق الانتقالات خلال 12 عاما، بيد أنه حقق عائدات ضخمة من جلبه أبرز نجوم العالم على غرار الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرازيلي نيمار، والفرنسي كيليان مباببي، وغيرهم الكثير.
وقالت وسائل فرنسية إن عوائد باريس سان جيرمان من صفقة ميسي فقط بعد مرور عام وصلت إلى نحو 300 مليون يورو، ما حسن العوائد المالية من عقود الرعاية والمنتجات بنسبة 13 بالمئة.
أكاديمية أسباير
أسس أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أكاديمية "أسباير" عام 2004، باعتبارها وكالة مستقلة ممولة من الحكومة، وباتت اليوم واحدة من أكبر الأكاديميات الرياضية في العالم.
وبالإضافة إلى تخريجها مئات المواهب الكروية سنويا، وتوزيعهم على أندية قطرية وخارجية، تتميز أسباير بوجود كوادر طبية متخصصة في التأهيل الرياضي للمصابين، إذ يتجه نجوم عالميون لتلقي العلاج، وإجراء العمليات الجراحية في "أسباير".
"أسباير" دخلت هي الأخرى على خط الاستثمار الرياضي، إذ تمتلك اليوم نادي يوبين البلجيكي، ونادي كولتورال ليونيسا الإسباني.
كما أبرمت الأكاديمية شراكات مع أندية مختلفة، أبرزها ليدز يونايتد الإنجليزي، والرجاء البيضاوي المغربي.
طموحات سعودية كبرى
استحوذ صندوق الاستثمارات السعودي (الصندوق السيادي)، في تشرين أول/ أكتوبر 2021 على نادي نيوكاسل الإنجليزي، بعد ضجة واسعة ومعارضة من قبل أندية إنجليزية، وجمعيات حقوقية بسبب اتهامات موجهة للمملكة بانتهاك حقوق الإنسان.
بعد مرور موسم كروي واحد على الاستثمار السعودي في نيوكاسل، بدت مؤشرات النجاح تبرز على النادي العريق، الذي ودع مراكز الهبوط في الموسم الأول مع ملاكه الجدد، ووصل اليوم إلى دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 19 سنة.
وقال الصندوق السيادي الذي يديره ياسر الرميان: "يعمل الصندوق السعودي على تنويع الاستثمار وتوسيع محفظته الاستثمارية لتحقيق مكاسب طويلة الأجل، في عملية التحول الاقتصادي المعتمد على النفط كمصدر دخل أساسي".
عبد الله بن مساعدتعد تجربة الأمير عبد الله بن مساعد (ابن أخ الملك سلمان)، من أبرز التجارب العربية في الاستثمار الرياضي بأوروبا.
الرئيس السابق لنادي الهلال السعودي، اشترى نصف أسهم نادي شيفيلد يونايتد الإنجليزي صيف العام 2013، قبل أن يسيطر على النادي كاملا في العام 2018.
نجح شيفيلد تحت ملكية عبد الله بن مساعد في الصعود من دوري الدرجة الثانية "ليغ ون"، إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في غضون سنوات قليلة.
ومع استحواذ ابن مساعد الكامل على شيفيلد يونايتد، أسس الأمير السعودي مجموعة "يونايتد وورلد"، على غرار "سيتي جروب"، ليبدأ من خلالها رحلة الاستثمار في أندية مختلفة.
تستحوذ المجموعة المملوكة لابن مساعد اليوم على 75 بالمئة من أسهم نادي بيرشكوت البلجيكي، ونادي شاتورو الفرنسي، كما اتجه نحو الهند واستحوذ على نادي كيرلا يونايتد، وأسس أيضا ناديا في الإمارات أسماه "الهلال يونايتد"، لا زال يلعب في الدرجات الدنيا.
تركي آل الشيخ
في أيلول/ سبتمبر 2017، صدر أمر ملكي سعودي بتعيين الشاب تركي آل الشيخ (36 عاما حينها)، رئيسا للهيئة العامة للرياضة (وزارة الرياضة حاليا)، لتدخل السعودية حقبة جديدة في مجال الاستثمار الرياضي عبر المسؤول المثير للجدل، والذي يقال إنه مقرب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
حاول آل الشيخ الاستثمار أولا عبر بوابة النادي الأهلي المصري، إذ ضخ في شهور قليلة مئات الملايين من الجنيهات في خزينة النادي العريق، ما دفع إدارة النادي لتعيينه رئيسا شرفيا، قبل أن يتحول الود إلى خلاف بسبب اتهامات المسؤول السعودي لإدارة النادي برئاسة محمود الخطيب بالتخبط، وعدم إدارة الأموال بالشكل السليم، قبل أن يتطور الخلاف ويصل إلى القضاء.
بقيت طموحات آل الشيخ بالاستثمار في مصر، إذ قام بشراء نادي الأسيوطي وحول اسمه إلى الأهرام أو "بيراميدز"، وضخ فيه أموالا طائلة ساهمت في رفع ترتيب النادي إلى المراكز الأولى منذ العام 2019 حتى اليوم. وفي وقت لاحق من العام 2019، أعلن تركي آل الشيخ أنه باع بيراميدز إلى المستثمر الإماراتي سالم الشامسي، وذلك بعد الهجوم الواسع ضده من قبل الجمهور المصري، وتحديدا جماهير النادي الأهلي التي هتفت ضده وشتمته بشكل جماعي في مباريات فريقها.
آخر تجارب آل الشيخ، الذي يشغل حاليا منصب رئيس هيئة الترفيه، هي شراء نادي ألميريا الإسباني صيف العام 2019، بقيمة 20 مليون يورو، ليصبح أكبر مساهم ومالك ورئيس للنادي.
ساهم آل الشيخ في صعود ألميريا إلى مصاف أندية الدرجة الأولى الإسبانية، لكن الفريق لا يزال من أضعف الفرق في الليغا بسبب قلة الجودة بين لاعبيه، إذ لم يبرم النادي صفقات من العيار الثقيل بعد.
انتشار مصري
رجال الأعمال المصريون كانوا الأكثر انتشارا في إنجلترا وخارجها في هذا المجال، ومن أكثر قصص استثمارات العرب إثارة، كانت شراء رجل الأعمال الراحل عاصم علام لنادي هال سيتي الإنجليزي عام 2010، مقابل جنيه إسترليني واحد بعد تعثر النادي ماليا، بشرط تسديد ديون النادي البالغة حينها 21 مليون جنيه إسترليني (نحو 26 مليون دولار).
ضم علام إلى صفوف هال سيتي ثلاثة من مواطنيه على فترات مختلفة، هم أحمد المحمدي، ومحمد ناجي "جدو"، وعمرو زكي، وواصل النادي مرحلة الصعود والهبوط إلى الدوري الممتاز، قبل أن يباع إلى مستثمر تركي عام 2021 بنحو 130 مليون جنيه إسترليني (161 مليون دولار).
ثالث المستثمرين المصريين في إنجلترا، هو الملياردير ناصيف ساويرس، شقيق نجيب ساويرس، الذي يمتلك حاليا الحصة الأكبر من نادي أستون فيلا، عبر شركته "NSWE".
ساويرس الذي تقدر ثروته اليوم بنحو 8.6 مليارات دولار، استحوذ على 55 بالمئة من أسهم أستون فيلا صيف العام 2018، وبات النادي اليوم يقدم مستويات جيدة في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويضم نجوما بارزين.
في بلجيكا، ظهر رجل الأعمال المصري ماجد سامي، الذي أسس نادي وادي دجلة عام 2002، واشترى نادي ليرس البلجيكي عام 2013 ليضم في صفوفه مجموعة من لاعبي وادي دجلة، ويعين المدرب هاني رمزي مديرا فنيا للفريق، لفترة وجيزة.
سامي توسع أيضا في الاستثمارات ليصل اليونان عام 2018، ويشتري نادي إيرجوتليس اليوناني الذي ينافس في دوري الدرجة الثانية.
في أيار/ مايو الماضي، ذكرت تقارير صحفية أمريكية أن رجل الأعمال المصري محمد منصور، حصل على حقوق أحد الأندية في الدوري الأمريكي للمحترفين "MLS"، ومن المقرر أن يدفع منصور نحو 500 مليون دولار لإطلاق ناد جديد عام 2025، سيتم تسميته لاحقا، لكنه سيتخذ من مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا مقرا له.
تجارب أخرى
لم يعد الحديث عن الاستثمار العربي في الأندية الرياضية الأوروبية غريبا، إذ بات اتجاه عشرات رجال الأعمال العرب نحو هذا المجال أمرا طبيعيا خلال السنوات الماضية.
في العام 2012، استحوذ رجل الأعمال الكويتي المقرب من الحكومة فواز الحساوي، على نادي نونتغهام فورست الإنجليزي، وحاول ضم نجوم عرب وكويتيين إلى صفوفه، أبرزهم السوري عمر السومة، إلا أن فترة الحساوي التي استمرت حتى العام 2020 قبل بيعه لمستثمر يوناني، اتسمت بالتخبط، بسبب سوء القرارات الإدارية، وتغيير المدربين بشكل مستمر، كما قال الملياردير الكويتي في تصريحات تلفزيونية.
رجل الأعمال الإماراتي سليمان الفهيم، كان أحد أبرز المستثمرين العرب في الملاعب الأوروبية، إذ استحوذ في أيار/ مايو 2009، على نادي بورتسموث الإنجليزي، علما أنه عضو في مجلس إدارة مجموعة أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار (الصندوق السيادي)، وينظر إليه بأنه مهندس صفقة شراء منصور بن زايد لمانشستر سيتي.
وبعد شهور أعلن الفهيم أنه باع الحصة الأكبر من النادي إلى رجل الأعمال السعودي علي الفراج، قبل أن يتشاركا رئاسة النادي لسنوات اتسمت بالفشل الشديد بعد هبوط بورتسموث الذي كان بطلا لكأس الاتحاد الإنجليزي حينما استحوذا عليه، إلى الدرجات الدنيا في إنجلترا، ليباع النادي إلى الأمريكي مايكل ايسنر عام 2017.
رجل الأعمال البحريني صلاح نور الدين، اشترى عبر بيت التمويل الخليجي (مصرف استثماري بحريني إسلامي)، حصة من نادي ليدز يونايتد الإنجليزي عام 2013، وأصبح رئيسا للنادي، إلا أن تجربته لم تستمر كثيرا حينما استحوذ رجل الأعمال الإيطالي ماسيمو سيلينيو على النادي عام 2014.
في ألمانيا، التي تتشدد في مسائل بيع الأندية للمستثمرين، نجح الملياردير الأردني حسن اسميك في الاستحواذ على نادي ميونيخ 1860 المتعثر ماليا، وذلك عام 2010.
لاحقا تخلى ميونيخ 1860 عن كرة القدم الاحترافية بعد رفض حسن اسميك دفع قيمة الرخصة في أعقاب هبوط النادي إلى الدرجة الثالثة.
وحسن اسميك صنفته مجلة "فوربس" الأمريكية بأنه من أصغر الأثرياء العرب، وكون جل ثروته في الإمارات، وبرز بعد ما يعرف بـ"صفقة القرن" من خلال مقالات تروج للسلام مع الاحتلال الإسرائيلي، وتدعو إلى ضم الضفة الغربية للأردن كجزء من حل القضية الفلسطينية، لتوجه نحوه اتهامات بأنه مقرب من القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.