تزداد مؤشرات تعثر مسار
التطبيع العربي
مع النظام السوري، وهو ما تعكسه الانتقادات التي تُثار في وسائل إعلام موالية للنظام
السوري لـ"الاشتراطات" العربية، وفرض المملكة العربية
السعودية قيوداً
"معقدة" على دخول الشاحنات السورية المحملة بالبضائع والخضار والفواكه إلى
أراضيها عبر الأردن.
وفي التفاصيل، هاجمت صحيفة "
البعث"، الناطقة باسم الحزب الحاكم في
سوريا، ما وصفته بـ"التخلي" والتضحية بسوريا،
وقالت في مقال تحت عنوان "سوريا والاشتراطات.. عن الأردوغانية كأنموذج معدٍ"
إن "هذا التخلي لا لشيء إلا لأن السياسات الأمريكية تخطط لذلك، وهي خطط باتت للحقيقة
الصادمة، على تعارض مباشر مع مصالح البلدان العربية، حيث يصمّم المحافظون الجدد على
الحرب بالوكالة ضد سوريا حتى آخر "دولار" في جيب أي لبناني أو أردني أو عراقي،
تماماً كما يخوضون الحرب مع روسيا حتى آخر جندي أوكراني".
وقالت الصحيفة إن الاشتراطات تدفع إلى
"التسريع بسوريا إلى أحضان الدول الغربية، وإلا فتحميل النظام مسؤولية الإبطاء
أو التأخر أو المماطلة في ملاقاة الحلول المفترضة التي خطّطوا لها، والماثلة مسبقاً
في أذهانهم".
وأضافت البعث: "من سمع ترحيب الزعماء
العرب بالرئيس بشار الأسد في قمة جدة كان يدرك تماماً، وبما لا يحتمل أي تأويلات، أن
سوريا كانت وستبقى في قلب عروبتها، وأنه حتى الدولة المضيفة للقمّة كانت موافقة، بل
"متواطئة ضمنياً" مع سوريا، بهذا الفهم، وهي لم تكن لتوافق على بنود المبادرة
السداسية، ولكنها سارت فيها لاعتبارات لوجستية وفنية في التمهيد لعقد القمة العربية".
وفي تحد لـ"الاشتراطات" ختمت
الصحيفة مقالها: " سوف تنتهي الأزمة الاقتصادية في سوريا غداً أو بعد غدٍ، فلا
شيء يدوم للأبد، ومن يظن أن الشعب العربي السوري يمكن ترويضه إنما يتوهّم ويخدع نفسه".
ومن المؤشرات الأخرى التأخر في افتتاح السفارة
السعودية في دمشق، حيث كان من المقرر افتتاح السفارات وتعيين دبلوماسيين، في مطلع حزيران/
يونيو الماضي، حسبما أفادت تسريبات شبه رسمية، بعد إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول
العربية.
وبجانب ذلك، زادت القيود المفروضة على الشاحنات
السورية المتوجهة للسعودية، وذلك بسبب الإجراءات الأمنية وعمليات التفتيش المركزة،
خشية وجود شحنات مخدرة.
والسؤال: هل تعثر مسار التطبيع العربي مع
النظام السوري، وما أسباب ذلك؟
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في مركز
"الحوار السوري" الدكتور أحمد قربي إن "التصريحات الصادرة عن مسؤولي
النظام خلال الفترة الماضية، ومنها مطالبة وزير خارجية النظام في حزيران/ يونيو الماضي
الدول العربية بـ "إبداء حسن النوايا" تجاه نظامه، تدل على تعثر المسار الذي
مهد لمشاركة بشار الأسد في قمة جدة في أيار/ مايو الماضي".
وأضاف لـ"عربي21" أن الدول العربية
أساسا ركزت في مسار الانفتاح على النظام السوري على الشق الإنساني والقضايا الأمنية
فقط، أي ملف اللاجئين والإرهاب والمخدرات، وقال: "من الواضح أن النظام لن يقدم
أي تنازل في هذه الملفات، فهو لن يتنازل عن تجارة المخدرات (الكبتاغون) لأن هذه التجارة
باتت مصدر تمويل أساسي له، وفي ملف الإرهاب لا يستطيع النظام تنفيذ المطلوب منه لأنه
أضعف من التحكم بهذا الملف وخاصة المليشيات غير المنضبطة، أما في ملف اللاجئين يريد
النظام ابتزاز الدول العربية للحصول على المال في إطار إعادة الإعمار".
وبذلك، يرى قربي أن هذا المسار يفتقد المقومات
الموضوعية للنجاح، مختتماً بقوله: "المتوقع أن يتعثر هذا المسار نظراً لأن الملفات
التي بُني عليها غير قابلة للتطبيق".
أما الصحفي عبد العزيز الخطيب فيشير بدوره
إلى "التريث" السعودي في المضي في مسار الانفتاح على النظام السوري، ويقول
لـ"عربي21": "لا يُمكن القول إن التطبيع فشل أو تعثر، لكن الواضح أن
الرياض حازمة وتطالب النظام باتخاذ خطوات قبل استكمال هذا المسار، ولذلك لم يتم تبادل
فتح السفارات للآن".
ومن جانب النظام، "يمر الأسد في أسوأ
أزمة اقتصادية، ومن الطبيعي مع انهيار الليرة وارتفاع التضخم، أن نشاهد انتقادات للدول
المُطبعة"، كما يقول الخطيب، مشيراً إلى تأكيد صحيفة "فورين بوليسي"
الأمريكية في تموز/ يوليو الماضي عن أن التطبيع العربي مع النظام السوري وإعادته إلى
الجامعة العربية لم يؤديا إلى استقرار سوريا بل فاقما من مشاكلها، بسبب عدم التعامل
من جانب النظام مع المطالب العربية.
وفي آذار/ مارس الماضي، كانت صحيفة
"عكاظ" السعودية كشفت عن تعهد النظام السوري بحزمة من الإصلاحات على
مستوى الوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة السورية، والتعهد بوقف تدفق المخدرات إلى
الأردن ودول الخليج، وذلك مقابل إعادة السعودية للعلاقات معه.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد هاجم جامعة الدول العربية في ظهوره قبل أيام على قناة "سكاي نيوز عربية"،
قائلاً: "لم تتحول (الجامعة العربية) إلى مؤسسة بعد"، وكذلك حمل الدول الداعمة
للمعارضة مسؤولية انتشار تجارة المخدرات.