قالت
صحيفة "
نيويورك تايمز" إن الرئيس السابق دونالد
ترامب، وبعد توجيه لائحة
الاتهام الرابعة له، ليصل إجمالي عدد التهم الجنائية الموجهة إليه إلى 91، قام الأسبوع
الماضي بنشر مقطع فيديو على الإنترنت يتهم فيه الرئيس
بايدن وعائلته بأنهم مجرمون.
وأضافت
الصحيفة في تقرير لمراسلها الرئيسي في البيت الأبيض، بيتر بيكر أن ترامب يزعم أن
"عائلة بايدن الإجرامية" تلقت ملايين الدولارات من دول أجنبية. ويقول:
"أعتقد أن لدينا رئيسا فاسدا"، مضيفا: "إنه مرشح من منشوريا (من أقاليم
الصين). ولهذا السبب يسمح جو الفاسد للدول الأخرى بالدوس على الولايات المتحدة".
بالنسبة
لترامب، يعد الغضب سلعة انتقائية عندما يتعلق الأمر بالعائلات الرئاسية التي تحصل على
ملايين الدولارات من دول أجنبية. خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض،
وفي أكثر من عامين ونصف منذ ذلك الحين، كان ترامب وأقاربه يتلقون أموالا من جميع أنحاء
العالم بمبالغ أكبر بكثير من أي مبالغ يُقال إن، هانتر بايدن، نجل الرئيس حصل عليها.
على
عكس الرؤساء المعاصرين الآخرين، لم يتخل ترامب أبدا عن السيطرة على أعماله المترامية
الأطراف بمصالحها في بلدان متعددة، ولم يتخل عن الأعمال الأجنبية حتى عندما كان رئيسا.
لقد حطم المعايير في كسب المال وقام بتعزيز شركة عائلته بلا خجل. على سبيل المثال،
أصبح الفندق الفاخر الذي افتتحه في الشارع المواجه للبيت الأبيض، الوجهة المفضلة لجماعات
الضغط وصانعي الصفقات والحكومات الأجنبية، بما في ذلك السعودية والكويت والبحرين، التي
دفعت بسخاء مقابل الإقامة والحفلات وغيرها.
كما
سمح ترامب لعائلته بتولي مناصب في الحكومة أدت إلى عدم وضوح الخطوط الفاصلة عندما يتعلق
الأمر بمصالحهم الخاصة. وعلى عكس هانتر بايدن، عملت إيفانكا ترامب، ابنة ترامب، وصهره
جاريد كوشنر، ضمن طاقم البيت الأبيض، حيث كان بوسعهما صياغة السياسات التي تهم الشركات
الخارجية.
وقد
شارك كوشنر بشكل كبير في تحديد نهج الإدارة تجاه الشرق الأوسط وأجرى اتصالات متعددة
في المنطقة. بعد خروجه من البيت الأبيض، أنشأ كوشنر شركة أسهم خاصة بتمويل قدره 2 مليار
دولار من السعودية ومئات الملايين من الدول العربية الأخرى التي ستستفيد من السياسات
الأمريكية ولها مصلحة في إدارة ثانية لترامب.
ونقلت
الصحيفة عن نورمان آيسن، المحامي الذي قاد التحديات القضائية غير الناجحة لممارسة الرئيس
السابق المتمثلة في أخذ أموال أجنبية أثناء وجوده في منصبه: "كانت التشابكات التجارية
الخارجية لعائلة ترامب أكثر عددا بكثير، وشملت العشرات من النزاعات التجارية الأجنبية".
وأضاف
آيسن أن هذه التشابكات "تورط أشخاصا مثل جاريد وإيفانكا الذين كانوا يعملون بالفعل
في الحكومة، في حين أن هانتر لم يفعل ذلك أبدا. في الواقع، ترامب نفسه استفاد بشكل
علني، في حين لا يوجد أي دليل على أن الرئيس بايدن استفاد من ذلك على الإطلاق".
وأثارت
تعاملات هانتر بايدن التجارية المخاوف لأن الشهادات والتقارير أشارت إلى أنه كان يتاجر
باسم عائلته لتحقيق صفقات مربحة. قال شريك تجاري سابق لمحققي الكونغرس إن بايدن الأصغر
استغل "وهم الوصول إلى والده" لكسب الشركاء المحتملين.
ولم
يظهر أي دليل دامغ على أن بايدن، أثناء توليه منصب نائب الرئيس، شارك شخصيا في الصفقات
التجارية أو استفاد منها أو استخدم مكتبه لصالح شركاء ابنه.
لكن
تصريحات بايدن التي تنأى بنفسه عن أنشطة ابنه تم تقويضها من خلال شهادة تشير إلى أن
هانتر فتح سماعة هاتفه كي يتحدث والده مع شركاء الأعمال الدوليين. تحدث الرئيس المستقبلي
عن أشياء غير رسمية مثل الطقس، وليس العمل، وفقا للشهادة، ولكن يبدو أن المقصود منها
إثارة إعجاب شركاء هانتر.
كل هذا
من شأنه أن يولد التدقيق في واشنطن، حيث استغل أقارب الرؤساء منذ فترة طويلة مناصبهم
لكسب المال. يعد الوصول للمشاهير من العملات الثمينة في عاصمة البلاد، ويمكن لأحد الأقارب
الذي يتردد على كامب ديفيد، أو يستمتع بمقعد جيد في عشاء رسمي أو يركب طائرة الرئاسة،
أن يستقبل ردا على مكالماته الهاتفية. لقد أدى هذا التقليد إلى نفور العديد من الأمريكيين،
وحتى الديمقراطيون أعربوا سرا عن عدم ارتياحهم لأنشطة هانتر بايدن.
قال
النائب جيم هايمز، الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت، على قناة "MSNBC" مؤخرا: "إذا كان يتاجر بنفوذ والده، فيجب أن يتحمل المسؤولية
عن ذلك. وأنا أؤكد على هذا لأنك لم تسمع قط جمهوريا يقول نفس الشيء عن دونالد ترامب
أو عائلته".
يقول
الجمهوريون الذين يحققون في شؤون عائلة بايدن إنهم حصلوا على أكثر من 20 مليون دولار
من مصادر أجنبية في الصين وأوكرانيا وأماكن أخرى، لكن تحليل صحيفة "واشنطن بوست"
لمذكرات الكونغرس أشار إلى أن معظم الأموال ذهبت إلى شركاء العمل، حيث ذهبت 7 ملايين
دولار إلى عائلة بايدن أنفسهم، بشكل أساسي هانتر.
قال
دون فوكس، المستشار العام السابق لمكتب الأخلاقيات الحكومية الأمريكي: "إن الشيء
المشترك بين هانتر وجاريد هو أنهما أبناء متعلمون جيدا لشخصيات بارزة، وأن روابطهم
العائلية ساعدتهم بالتأكيد في مجال الأعمال التجارية. هذا هو المكان الذي ينتهي فيه التشابه".
وتابع
فوكس قائلا: "لم يشغل هانتر أي منصب عام قط، وكان قدر لا بأس به من عمله المتعلق
بأوكرانيا يحدث عندما كان والده خارج منصبه". وأضاف أن حجم الأموال التي يمكن
أن يكسبها كوشنر من الأموال التي استثمرها السعوديون، "يُقزّم ما دفعه أي شخص
لهانتر".
إن التشبيه
بهانتر بايدن يثير غضب كوشنر، الذي كان لديه سجل طويل في مجال الأعمال قبل انضمامه إلى
الحكومة ويفخر بالتفاوض على اتفاقيات "أبراهام"، وهي الاتفاقيات الدبلوماسية
لتطبيع العلاقات بين الاحتلال والعديد من الجيران العرب.
ويقول
المقربون منه إن استثمارات السعوديين وغيرهم من العرب كانت مبنية على الثقة في قدرته
على كسب المال لهم، وليس بسبب الامتنان للسياسات التي روج لها. وأشاروا إلى أن إدارة
بايدن لم تغير تلك السياسات بل سعت بدلا من ذلك إلى البناء على اتفاقيات أبراهام.
وقال
ممثل عن كوشنر في بيان: "لا توجد مقارنة واقعية بين هانتر وجاريد. كان جاريد رجل
أعمال ناجحا قبل دخوله السياسة، وحقق اتفاقيات سلام واتفاقيات تجارية تاريخية، ومثل
كثيرين قبله، عاد إلى عالم الأعمال بعد أن خدم مجانا في البيت الأبيض، حيث امتثل تماما
لقواعد مكتب الأخلاقيات الحكومية".
وقال
تشاد ميزيل، كبير المسؤولين القانونيين في شركة أفينيتي بارتنرز، شركة كوشنر، في بيان:
"بغض النظر عن السياسة الحزبية، لم يشر أحد على الإطلاق إلى مبدأ توجيهي قانوني
أو أخلاقي محدد انتهكه جاريد أو أفينيتي".
أحد
الجمهوريين القلائل الذين انتقدوا مزج عائلة ترامب بين الخدمة الحكومية والأعمال التجارية
الأجنبية كان كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي السابق الذي ينافس الرئيس السابق على
ترشيح الحزب الجمهوري العام المقبل. وقال لشبكة "سي إن إن" في حزيران/ يونيو:
"لقد كانت عائلة ترامب متورطة في الكسب غير المشروع لبعض الوقت".
وسلط
كريستي، الذي كان محاميا أمريكيا يحاكم والد كوشنر، الضوء على المعاملات التجارية لصهر
الرئيس السابق.
وقال:
"جاريد كوشنر، بعد ستة أشهر من مغادرته البيت الأبيض، حصل على ملياري دولار من
صندوق الثروة السيادية السعودي. ماذا كان يفعل جاريد كوشنر في الشرق الأوسط؟ كان لدينا
ريكس تيلرسون ومايك بومبيو وزيرين للخارجية. لم نكن بحاجة إلى جاريد كوشنر. لقد تم
وضعه هناك لإقامة تلك العلاقات، ثم استفاد من تلك العلاقات عندما غادر المكتب".
أثناء
وجوده في البيت الأبيض، عزز كوشنر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، وأقنع
والد زوجته بجعل المملكة وجهته الخارجية الأولى كرئيس، وساعد في التوسط في مبيعات الأسلحة
بمليارات الدولارات وإقامة علاقة وثيقة مع ولي العهد محمد بن سلمان.
دافع
كوشنر عن الأمير محمد بعد أن قتل عملاء سعوديون جمال خاشقجي، الذي كان كاتب عمود في
صحيفة "واشنطن بوست" وكان مقيما في الولايات المتحدة. وخلصت وكالة المخابرات
المركزية إلى أن الأمير محمد أمر بالقتل عام 2018. وفي عام 2021، وافق صندوق الثروة
السيادية التابع للأمير محمد على استثمار بقيمة 2 مليار دولار في شركة كوشنر الجديدة
على الرغم من اعتراضات مستشاري الصندوق.
واعترف
النائب جيمس آر كومر، الجمهوري من ولاية كنتاكي ورئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب التي
تحقق في قضية بايدن، بالمخاوف بشأن صفقة كوشنر مع السعودية.
قال
كومر عندما سأله جيك تابر من شبكة "سي إن إن": "أعتقد أن ما فعله كوشنر
تجاوز حدود الأخلاق. ما قاله كريستي، حدث بعد أن ترك منصبه. ألا زال لا يوجد عذر، جيك.
لكن ذلك حدث بعد أن ترك منصبه. وفي الواقع، لدى جاريد كوشنر عمل مشروع. هذه الأموال
من عائلة بايدن جاءت عندما كان جو بايدن نائبا للرئيس، بينما كان يسافر جوا إلى تلك
البلدان".
في الواقع،
كما تشير تقارير لجنة كومر، جاءت بعض أموال هانتر بايدن في الخارج عندما كان والده
نائبا للرئيس، لكن حصة كبيرة جاءت بعد ذلك.
ولم
يستجب المتحدثون باسم كومر وترامب لطلبات التعليق.
لم يكن
ترامب حساسا أبدا تجاه الأموال الأجنبية. وحتى عندما كان مرشحا في عام 2016، سعى سرا
إلى التوصل إلى اتفاق لبناء برج ترامب في موسكو إلى أن حصل فعليا على ترشيح الحزب الجمهوري.
تواصل أحد محاميه مع الكرملين لدعم المشروع، وهو نفس الكرملين الذي سيتفاعل معه ترامب
بعد بضعة أشهر كرئيس.
ولمعالجة
المخاوف بشأن المصالح المالية الأجنبية، وعد ترامب بعدم السعي في أعمال جديدة في الخارج
أثناء وجوده في منصبه، لكنه لم يتخل عن العديد من مشاريعه القائمة لكسب المال في بلدان
أخرى واستمرت شركته، التي يديرها رسميا ولداه دونالد ترامب جونيور وإريك ترامب في توسيع
عملياتها في الخارج.
خلال
السنوات الأربع التي قضاها ترامب في البيت الأبيض، تلقت منظمة ترامب 66 علامة تجارية
أجنبية، وفقا لتقرير صادر عن منظمة "مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق"
في واشنطن، معظمها يأتي من الصين ولكن البعض الآخر من الأرجنتين والبرازيل وكندا وبيرو
والفلبين وإندونيسيا والمكسيك والإمارات والاتحاد الأوروبي.
وكانت
الكيانات الأجنبية من العملاء الجيدين لترامب. وأثناء وجوده في منصبه، زار 145 مسؤولا
أجنبيا من 75 حكومة ممتلكات ترامب، واستضافت الحكومات الأجنبية أو المجموعات التابعة
لها 13 حدثا في فنادقه ومنتجعاته، وفقا لتقرير مجموعة الأخلاقيات.
وبينما
وصف ترامب في مقطع الفيديو الأسبوع الماضي بايدن بأنه دمية في أيدي الصينيين، مدعيا
كذبا أن "الصين دفعت له ثروة"، فإن عائلته كانت لها علاقات مالية كبيرة مع
بكين. وبعيدا عن العلامات التجارية، حسبت مجلة "فوربس" أن إحدى شركات ترامب
خلال فترة رئاسته جمعت ما لا يقل عن 5.4 ملايين دولار من الإيجار من البنك الصناعي والتجاري
الصيني الذي تسيطر عليه الدولة.
وتفاوضت
عائلة كوشنر مع كيانات صينية وقطرية لإنقاذ برجها المثقل بالديون الواقع في 666 الجادة
الخامسة في مانهاتن، وفي النهاية توسطت في صفقة إيجار بقيمة 1.1 مليار دولار مع شركة
أمريكية كان من بين مستثمريها صندوق الثروة السيادية القطري.
ومن
جانبها، احتفظت إيفانكا ترامب في البداية بخط الملابس والإكسسوارات الخاص بها أثناء
خدمتها في البيت الأبيض وحصلت على موافقة على 16 علامة تجارية من الصين في عام
2018 قبل أن تقرر لاحقا إغلاق الشركة.
بالرغم
من الدعاوى القضائية التي رفعها آيسن وآخرون بدعوى انتهاك بند المكافآت في الدستور،
لم يتم تحديد أي من صفقات عائلة ترامب في الخارج على أنها غير قانونية من قبل أي سلطة.
ولا يوجد أي من أعمال هانتر بايدن.
لكن
بحسب رواية ترامب، فإن أحدهما يكفي لاعتبار الرئيس فاسدا والآخر ليس شيئا يمكن الحديث
عنه.