ملفات وتقارير

"سلاح الجنس" في الحروب.. يفتك بالمجتمعات ويخلف صدمات نفسية

شرطي صيني في متحف أمام صورة لضحايا اغتصاب صينيات على يد القوات الإمبراطورية اليابانية- جيتي
سلطت الإدانة الأمريكية الأخيرة، للعنف الجنسي، الذي تتهم قوات الدعم السريع بممارسته في السودان، الضوء على هذا السلاح الذي يلجأ إليه الجنود في الحروب ومواطن النزاع المسلح، للفتك بالمجتمعات المحاربة لهم.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة تدين العنف الجنسي في السودان، وقالت إن التقارير توثق العديد من حالات الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، ضد النساء والفتيات في غرب دارفور ومناطق أخرى للقتال.

وكانت صحيفة "الغارديان" نشرت تقريرا عن الناجيات من الاغتصاب في الحرب الدائرة حاليا في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث إنهن لا يستطعن الحصول على الأدوية الحيوية التي تعطى عادة للناجيات من عمليات الاغتصاب، مثل حبوب منع الحمل والحبوب المانعة لانتشار أمراض نقص المناعة.

ما هو العنف الجنسي في الحروب؟
ووفقا لتعريف منظمة الصليب الأحمر الدولي، فإن العنف الجنسي في الحروب، يطلق على الأفعال المرتبطة بممارسة الجنس، بالقوة والإكراه والتعنيف، خلال الاحتجاز والقمع النفسي، ضد النساء والأطفال وحتى الرجال، خلال البيئة الحربية.

وتشمل أعمال العنف الجنسي، الاغتصاب والاستعباد الجنسي، والدعارة القسرية، والحمل القسري، والتعقيم القسري، وأي شكل من أشكال العنف المبني على الجنس خلال أوقات الحروب، ويعد جريمة من جرائم الحرب التي تستوجب أقسى العقوبات الدولية.

ويلجأ المسلحون سواء كانوا جنودا في الجيوش، أو مليشيات غير نظامية، إلى العنف الجنسي، كشكل من أشكال الانتقام والتنكيل بالمدنيين وحتى المقاتلين، في الطرف الآخر، من أجل إثارة الفزع والتعذيب البدني والنفسي، لتدمير النسيج الاجتماعي للخصم.

وتعد ممارسة العنف الجنسي خلال الحروب، من الانتهاكات القديمة في التاريخ، وليست مرتبطة بالعصور الحالية، وهو تكتيك متعمد في الحروب، وكان اليونانيون القدماء، يعتبرونه فعلا مقبولا ضمن قواعد الحروب، ويقوم على إفساح المجال للجنود بإشباع رغباتهم ونزواتهم في المدنيين الذين يأسرونهم، فضلا عن توسيع دائرة الانتهاكات لتطال عددا كبيرا من مجتمع الخصم بكافة شرائحه لمزيد من التدمير الاجتماعي وإلحاق الهزيمة النفسية.

ولم يقتصر العنف الجنسي في الحروب القديمة، على ما يجري في ساحة المعركة، بل كان يجري اختطاف النساء والأطفال واعتبارهم غنائم حرب، ودفعهم لتلبية رغبات الجنود في المعسكرات، أو بيعهم لاحقا في الأسواق باعتبارهم ملكيات خاصة لتلبية الرغبات.

نساء المتعة الكوريات
ومن أشهر جرائم العنف الجنسي، في القرن الماضي، قضية نساء المتعة الكوريات، وهن النساء اللوتي جرى اختطافهن نهاية الحرب العالمية الثانية، من أجل تقديم خدمات جنسية، للجيش الإمبراطوري الياباني، خلال الحكم العسكري لكوريا.

وتقدر الدراسات أن نحو 200 ألف امرأة، غالبيتهن من كوريا، إضافة إلى صينيات ونساء من تايوان آسيا، أرسلن إلى معسكرات المتعة اليابانية، عبر احتجازهن في بيوت دعارة، أنشئت خصيصا للجنود.

وكانت النساء يستدرجن بدعوى الحصول على وظائف، عبر وكلاء يعملون مع الجيش الياباني، ويتم إرسالهن إلى محطات الدعارة ويحتجزن هناك في ظروف سيئة، ويجبرن على ممارسة البغاء بصورة قسرية ومستمرة، فضلا عن التعذيب والقتل في حال مقاومتهن ذلك.

وكشف تقرير للأمم المتحدة عام 1996، عن إعدام القوات اليابانية، العديد من نساء المتعة، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وقبل إعلان الهزيمة أمام قوات الحلفاء.


صورة تاريخية لمجموعة من "نساء المتعة" الكوريات في أحد معسكرات اليابانيين إبان الحرب العالمية الثانية.

تبعات الاغتصاب

ووفقا لدراسة أصدرتها جامعة إدنبرة، في المملكة المتحدة، فإن للعنف الجنسي في الحروب، تبعات صحية ونفسية مدمرة، على الأفراد الذين تقع بحقهم الجرائم.

وقالت الجامعة في الدراسة، إن الأبحاث التي أجريت على الأفراد الناجين من الحروب، ووقعت بحقهم جرائم عنف جنسي، تظهر أنهم يعانون من عواقب طويلة الأمد، مثل الإصابات الجسدية والصدمات النفسية، ووصمة العار المجتمعية.

ولفتت إلى أن الحمل الذي يحدث نتيجة الاغتصاب، واضطراب ما بعد الصدمة، والاستبعاد الاجتماعي، للمغتصبات خلال الحروب، يترك آثارا سلبية طويلة الأمد.

ولا تقتصر الآثار المدمرة على من وقع عليهم العنف الجنسي، بل إن عائلاتهم ومجتمعاتهم، تعاني مشاكل مروعة، وعواقب طويلة الأمد من قبيل النبذ الاجتماعي، ورفض التعامل معهم.

أما على الصعيد الصحي، فقالت الدراسة، إن الاغتصاب من أكثر أنواع العنف الجنسي شيوعا في الحروب، وعانى الكثير ممن ارتكب بحقهم، من أمراض منقولة جنسيا وصدمات جسدية.

وبحسب الدراسة، فإن التأثيرات الصحية، شملت مشاكل عقلية تنشأ نتيجة ما جرى، وقالت إن ثلاثة أرباع الناجين، تأثروا باضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق.

ويخلق العنف الجنسي، مشاكل تتعلق بالأطفال، سواء من وقع عليهم الفعل، أم من ولدوا نتيجة اغتصاب النساء في الحروب، والذين سيعانون في لحظة لاحقة مستقبلا، من الاستبعاد الاجتماعي ووصمة العار، والحرمان من التعليم، وسوء التغذية.

وبحسب الموقع الرسمي للمكتبة الوطنية للأدوية الأمريكي، فإن دراسة أجريت على 92 ناجية من حرب، مع تعرضهن للعنف، الجنسي، في دول أفريقية، أصيب ثلثهن بعدوى منقولة جنسيا، تنوعت ما بين فيروس نقص المناعة البشرية، والكلاميديا وعدد منهن كان الحمل إيجابيا، في حين أجريت عمليات إجهاض لبعض النساء اللواتي حملن من عمليات الاغتصاب.

وقال الموقع الأمريكي، إن المغتصبات، عانين من إنجاب أطفال غير مرغوب فيهم، وتسبب العنف الجنسي، في ارتفاع معدلات الإجهاض ووفيات الأمهات، وسلس البول، وكثير من الأحيان، ظهرت أمراض الزهري والناسور وأعراض صحية جنسية فاقمت الأمراض المنقولة جنسيا.

إحصائيات مفزعة

ووفقا لصندوق تنمية المرأة التابع للأمم المتحدة، فإن ما بين 250 ألفا إلى 500 ألف، امرأة وفتاة، تعرضن للاغتصاب، خلال مجازر الإبادة الجماعية، التي وقعت في رواندا عام 1994، وما تبع ذلك، من ظهور مواليد بعشرات الآلاف لا يعرف نسبهم، في أسوأ استهداف عرقي وقع في القرن العشرين.

وأشارت إحصائيات للصندوق، إلى أن أكثر من 60 ألف فتاة تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي، في الحرب الأهلية في سيراليون.

ووثقت كذلك، وقوع حالات اغتصاب وانتهاكات جنسية، بحق ما بين 20 ألفا إلى 50 ألفا من النساء والفتيات، خلال حرب البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي.

وبحسب الصندوق، فإن ما لا يقل عن 200 ألف من النساء والفتيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي.

ووفقا لموقع وزارة شؤون قدامى المحاربين الأمريكية، فإن جرائم الاغتصاب، خلال الحروب، وقعت بحق مئات الآلاف من النساء، في عدة مناطق من العالم، منها كوريا الشمالية، وبنغلاديش، وليبيريا وجنوب شرق آسيا، وأوغندا.