نشرت مجلة "
فورين بوليسي" تقريرا للصحفي جاك ديتش، قال فيه إن
الولايات المتحدة سمعت من العديد من الدول الأفريقية أنها نادمة على منحها إمكانية الوصول إلى مجموعة
فاغنر شبه العسكرية الروسية، بحسب ما أكد مسؤولون عسكريون ودفاعيون أمريكيون حاليون وسابقون، بينما تحاول إدارة بايدن استخدام الفترة الفاصلة في سيطرة المجموعة لوقف تقدمها.
وأجرى مسؤولون دفاعيون وعسكريون أمريكيون محادثات مع ممثلي العديد من الدول الأفريقية في الأشهر الأخيرة، ما يشير إلى الإحباط المتزايد تجاه فاغنر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان واستهداف المدنيين.
وتمتلك فاغنر قوات كبيرة في جمهورية
أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا، وأرسلت مستشارين وممثلي اتصال إلى بلدان أخرى، بما في ذلك السودان وموزمبيق، حيث إن وجود جماعة المرتزقة الروسية هو وسيلة للكرملين لتوسيع نفوذه في أفريقيا بينما يحارب الإرهاب ظاهريا، بحسب التقرير.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "لقد جاءت إلينا دول لتقول إننا لا نريد أن نعتمد على فاغنر. إننا نرى مشاكل في تواجدهم"، و"إننا نشهد فهما متزايدا بأن هذا، على الأقل، سيف ذو حدين، ولكنه في أسوأ الأحوال سلبي تماما بالنسبة للدول التي مكنت فاغنر من التواجد فيها".
وذكر التقرير أنه على الرغم من أن مجموعة فاغنر كانت قادرة على استغلال الانقلابات التي أحدثت فوضى في جميع أنحاء منطقة الساحل، إلا أن الجيش الروسي لم يتمكن من التوسع بشكل متقطع منذ أن تولى دورا قياديا في ضمان بقاء النظام العسكري في مالي والإطاحة بمهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هناك.
وحاولت الجماعة، التي قادها يفغيني بريغوجين حتى وفاته في آب/ أغسطس الماضي، توسيع عملياتها في بوركينا فاسو، وقامت بمحاولات لاستغلال الإطاحة بالرئيس، محمد بازوم، في النيجر على يد المجلس العسكري، وتم صد محاولاتها للدخول إلى تشاد وتوسيع نفوذها في الصراع المستمر منذ خمسة أشهر بين الجنرالين المتحاربين.
وأعرب أحد الفصائل السياسية عن "ندمه بشأن السماح لقوات فاغنر بالوصول إلى المنطقة الشرقية من ليبيا بقيادة أمير الحرب خليفة حفتر"، بحسب ما نقل التقرير عن ستيفن تاونسند، وهو جنرال متقاعد شغل منصب رئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا حتى العام الماضي.
وقال التقرير: "أثبتت قوات فاغنر عدم فعاليتها في مكافحة الإرهاب في مالي وليبيا، وارتبطت بحالات الاختفاء والقتل الجماعي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة".
ويشعر الخبراء بالقلق من أنه حتى في الوقت الذي تخبر فيه الحكومات الأفريقية وحركات المعارضة المسؤولين الأمريكيين أنهم نادمون على السماح لفاغنر بالدخول، فإن مجموعات مثل القوات المسلحة السودانية والمعارضة المالية تستخدم الأمر هذا ضد إدارة بايدن كوسيلة لانتزاع المزيد من المساعدة الأمريكية.
وقال جون ليتشنر، وهو محلل مقيم في واشنطن وله اتصالات داخل فاغنر: "ما لم يأت الناس إليهم ببديل قابل للتطبيق، فلن يتخلوا عن هؤلاء الأشخاص. هؤلاء الأشخاص محترفون في تحقيق التوازن بين المصالح الخارجية".
وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير إنه بعد وفاة بريغوجين هذا الصيف، فقد ذهبت وفود عسكرية روسية رسمية إلى الدول الأفريقية لجس النبض بشأن قدرة الكرملين على العمل هناك.
وقال ليتشنر إن الجهود المبذولة "لتحذير وتهديد تلك الدول"، تم تنسيقها إلى حد كبير من قبل نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، الذي سافر إلى ليبيا هذا الشهر بعد أن تسببت الفيضانات القاتلة في دمار شامل.
ودفعت وفاة بريغوجين الحكومة الروسية إلى تقييم احتمال إعادة تسمية مجموعة فاغنر. وهذا قد يسمح لها بمواصلة عملياتها تحت اسم مختلف، وتجنب مشاكل العلاقات العامة التي ارتبطت بالاسم القديم، وربما يمنح الكرملين وسيلة لإدخال مرتزقة إلى دول مثل بوركينا فاسو، التي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنها كانت تطمح إليها منذ فترة طويلة.
وقال ليتشنر: "قد يفتح هذا في الواقع فرصة للتدخل الأجنبي دون الاضطرار إلى التعامل مع العلامة الفوضوية لـ فاغنر. لكنهم سيكونون في الواقع نفس الأشخاص".
على الرغم من أن هيكل قيادة فاغنر لامركزي في معظمه، فإن المسؤولين الأمريكيي يعتقدون أنه كان قادرا على البقاء على حاله بعد وفاة بريغوجين، الذي كان حليفا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم أصبح ينتقد بشكل متزايد سلوك الكرملين في حرب أوكرانيا قبل شنه "انقلابا مشؤوما" في حزيران/ يونيو، بحسب ما وصف التقرير.
ووصف التقرير سفر بريغوجين إلى أفريقيا بـ"العرضي"، إلا أنه خطط هو ونائبه ديمتري أوتكين لكل التقدم الذي حققته فاغنر في القارة السمراء. وقال تاونسند: "كان هؤلاء الرجال يعرفون كل حركة كبيرة".
وقال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، للصحفيين في جيبوتي، حيث وصل في محطته الأولى في جولة أفريقية تشمل ثلاث دول، إنه "من المرجح أن تتمكن مجموعة فاغنر من الحفاظ على نفسها على المدى القريب بدون بريغوجين".
وأضاف أوستن: "لكنها لا تستطيع القيام بذلك في الوقت الراهن. على المدى المتوسط إلى الطويل دون دعم
روسيا"، موضحا أنه "قد تم التخلص من قيادتهم. أعتقد أن ما سترونه في المستقبل هنا ربما يكون بعض المنافسة داخل صفوفها لتحديد من سيكون القائد التالي".
وذكر أن الولايات المتحدة لم تحدد بعد ما إذا كان بوتين قد اتخذ قرارا بشأن ما إذا كان سيستمر في استخدام فاغنر كذراع غير رسمية للحكومة، أو دمجها في الجيش أو وزارة الدفاع، أو حلها تماما.
وقد أتاحت عمليات مجموعة المرتزقة في أفريقيا وسيلة منخفضة التكلفة وبدون تدخل رسمي لروسيا في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية وبدون إشراك القوات الروسية النظامية اسميا.
في الوقت الحالي، ظلت قيادة فاغنر سليمة إلى حد كبير، لا يزال فيتالي بيرفيليف وديمتري سيتي، خريج كلية إدارة الأعمال، يديران امتيازات الذهب والماس والأخشاب في جمهورية أفريقيا الوسطى، إضافة لشركة بيرة تحمل علامة فاغنر التجارية، بحسب ما جاء في التقرير.
وفي الوقت ذاته "تعرض إيفان ماسلوف لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية لدوره في إدارة مجموعة فاغنر في مالي، حيث تجمع فاغنر بين مهمتها الأمنية المزعومة والرغبة في الحصول على الموارد المحلية".
وقال ليتشنر إن المجموعة يمكنها البقاء على شبكاتها المالية الخاصة لبعض الوقت ولكنها ستحتاج إلى مساعدة من الحكومة الروسية للحفاظ على المعدات العسكرية وإمدادات الذخيرة وغيرها من المؤن.
وأشار التقرير إلى أن التحدي الذي يواجه واشنطن هو أنه ليس لديها الكثير لتقدمه للدول الأفريقية في المقابل، حتى مع انسحاب الشركاء الأوروبيين مثل فرنسا من النيجر ودول أخرى بشكل تام، مضيفا أن "القيادة الأمريكية في أفريقيا مشغولة بالفعل بتدريب المقاتلين المحليين في أماكن مثل الصومال، وتستمر الانقلابات على قدم وساق في جميع أنحاء أفريقيا".
وقال إن هذا يعني أن الجماعة، على الرغم من عيوبها، لا تزال تتمتع بجاذبية لدى الأنظمة ذات القبضة الضعيفة على السلطة.
بينما قال تاونسند: "أخبرُك من الذي لم يتعب من فاغنر – الطغاة. الطغاة لا يملون منها، لأن فاغنر هي الضمانة لحكمهم".