كيف يؤثر تغير التوازنات في جنوب القوقاز على طموحات تركيا؟

تعمل تركيا على زيادة نفوذها ودورها في منطقة القوقاز، التي كانت تاريخيا تشكل "الفناء الخلفي" لروسيا، والتطورات الأخيرة في أذربيجان ومساع فتح "ممر زنغزور" قد تسهم في تعزيز طموحها الجيوسياسي في المنطقة، المتمثل في توحيد دول العالم التركي.

وتولي تركيا أهمية خاصة لمنطقة القوقاز، وتعتقد أن هذه المنطقة سيكون لها دور استراتيجي حاسم في الفترة المقبلة، مع زيادة أهمية الممر الأوسط البديل للممر الشمالي الرابط بين الصين وأوروبا، ويعبر من تركيا إلى منطقة القوقاز، ومنها يعبر بحر قزوين إلى تركمانستان وكازاخستان، وصولا إلى الصين.

وتتمتع منطقة جنوب القوقاز بأهمية حيوية من حيث تنشيط مشروع طريق الحرير، ولهذا السبب، فإن المنطقة تقع عند نقطة رئيسية فيما يتعلق بالنقل بالسكك الحديدية والطرق ومبادرة الحزام والطريق.

وشكلت حرب قره باغ في الأشهر الأخيرة من عام 2020، التي استمرت 44 يوما، استعادت خلالها أذربيجان أراضيها بعد 30 عاما، نقطة تحول في العلاقات مع أرمينيا، وسياسة تركيا في جنوب القوقاز.

وعقب تلك الحرب، بدأت تركيا في اتباع سياسة أكثر استباقية في جنوب القوقاز، عززت خلالها علاقاتها مع أذربيجان لتنتقل إلى مستوى أعلى مع "إعلان اتفاق شوشا" في حزيران/ يونيو 2021، والذي تناول مسائل هامة مثل العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والتعليمية والرياضية وأمن الطاقة، وممر الغاز الجنوبي، والتعاون العسكري، وفي صناعة الدفاع، وممر زنغزور، وغيرها.

ووفقا لإعلان شوشا، فإنه في حال وجود تهديد أو هجوم محتمل ضد أحد الطرفين في المستقبل، سيقدم الطرف الآخر المساعدة ويدعمه، وفقا لشروط الأمم المتحدة.

 وقبل أيام، شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، في وضع "حجر أساس" خط أنابيب "إغدير- ناختشيفان" لنقل الغاز الطبيعي في جمهورية ناختشيفان، التي تعد بوابة أنقرة للعالم التركي.



وحاليا، يتم توريد احتياجات ناختشيفان من الغاز الطبيعي من إيران. ووقعت تركيا وأذربيجان "مذكرة تفاهم بشأن توريد الغاز الطبيعي لجمهورية ناختشيفان " في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2020، لتقليل اعتماد الجمهورية على إيران في الحصول على الغاز الطبيعي إلى الصفر.

وتسعى تركيا إلى إعادة فتح "ممر زنغزور"، الذي سيوفر نقل وسائل نقل برية دون انقطاع لدول العالم التركي، والذي قد يتسبب في إضعاف نفوذ إيران في آسيا الوسطى، ويعزز تطلعات تركيا الإقليمية لاسيما في القوقاز.

وعند فتح ممر زنغزور أمام النقل البري، سيتم ربط المقاطعات الغربية لأذربيجان مع ناختشيفان  عبر أرمينيا، كما سيشكل الطريق أيضًا أحد مسارات الممر الأوسط الذي يمتد من الصين إلى آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز وتركيا، وبالتالي، فإن أهمية ناختشيفان سوف تتضاعف مع فتح هذا الممر البري.

لكن العائق الذي يقف أمامها هو ضمان السلام والاستقرار في جنوب القوقاز في الفترة المقبلة، والتوافق مع دول المنطقة، لاسيما إيران وأرمينيا، وذلك في مواجهة مساع غربية وأمريكية في فتح ممرات أخرى، لكن التطورات في قره باغ لصالح باكو غيّر من كفة التوازانات في المنطقة لصالح تركيا.

وبعد معركة قره باغ التي استمرت 44 يوما، عملت تركيا على تطبيع العلاقات مع أرمينيا، وعلى إثر الرسائل الإيجابية التي صدرت من أنقرة ويريفان بشأن تطبيع العلاقات، تم تعيين ممثلين خاصين للمحادثات بين البلدين.

والخميس، أكد مجلس الأمن القومي التركي مواصلة أنقرة دعم الجهود الرامية إلى ضمان السلام والاستقرار الدائمين في منطقة جنوب القوقاز.

وقال المجلس في بيان، إنه تم تذكير الأطراف وخاصة أرمينيا بأن الطريق إلى السلام الدائم لا يمكن فتحه إلا من خلال تحقيق وحدة أراضي أذربيجان غير المشروط.

وخلافا للجذور التاريخية التي تحدد طبيعة ومضمون علاقات تركيا مع أذربيجان وأرمينيا، فإن العلاقات مع جورجيا تأسست ونظمت في الفترة التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي، وتشكل تداخل الأولويات الأمنية في المنطقة، والمنفعة الاقتصادية وتطوير آليات التعاون الإقليمي، مع شراكة استراتيجية الخطوط العريضة للعلاقات بين أنقرة وتبليسي.

وأعقب التعاون الاقتصادي في مجال الطاقة الذي تم إنشاؤه مع مشروع خط أنابيب النفط "باكو (أذربيجان) ـ تبليسي (جورجيا) ـ جيهان (تركيا)"، وخط أنابيب الغاز الطبيعي باكو-تبليسي-أرضروم، شراكة استراتيجية بين البلدين تجسد في تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي عام 2016.

وذكر موقع "يتكين ربورت" التركي، إن إزالة معضلة قره باغ من جدول الأعمال، قد يفتح الباب أمام تطورات جديدة في القوقاز، تعود بالنفع على كل من تركيا وروسيا، وتضعف النفوذ الأمريكي والفرنسي.

وأكد أن الزيارة التي قام بها أردوغان إلى منطقة ختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تشكل حدود أذربيجان مع تركيا، مهمة من حيث تغيير التوازنات السياسية والعسكرية في القوقاز.

الكاتب التركي كرم ألكين في مقال على صحيفة "صباح"، ذكر أن التعاون بين أنقرة وكييف، القائم على شعار "دولتين وأمة واحدة"، إلى جانب العلاقات مع جورجيا، تجعل جغرافية القوقاز جزءا من المنظومة العالمية.

وأشار إلى أن تركيا تريد جعل جنوب القوقاز مركزا للإنتاج والتجارة والطاقة والخدمات اللوجيستية، عبر تفعيل الممر الأوسط الذي يمر عبرها.

وستحول إضافة خطوط أنابيب جديدة للطاقة في المنطقة ، وفتح معابر جمركية جديدة ، وإنشاء طرق سريعة وخطوط سكك حديدية، ومراكز لوجستية، ومدن ذكية جديدة، ومشاريع الإسكان الجماعي، منطقة القوقاز إلى "مركز للرفاه" بفضل العلاقات المتجذرة بين تركيا وأذربيجان.



ولهذا السبب، تمد تركيا وأذربيجان "غصن الزيتون" لأرمينيا، وتواصلان جهودهما لخلق مناخ التعاون الذي سيمكن كل دولة من الاستفادة في القوقاز، والتي ستتحول إلى مركز للازدهار، كما يذكر الكاتب.

وأضاف أنه وبالنظر إلى المزايا الجغرافية للمنطقة والارتباط ببحر قزوين، فإن الزيادة في عدد خطوط الطرق والسكك الحديدية بين تركيا وأذربيجان عبر ممر زنغزور ستثري فرص التعاون بين البلدين، والدور المتزايد لأوراسيا في حجم الإنتاج والتجارة العالمي.

وأشار إلى أن افتتاح "ممر زنغزور" سيهم في تعزيز حركة النقل البري من باكو الأذربيجانية إلى قبرص التركية، وربطه بشبكة الطرق السريعة والسكك الحديدية في تركيا.

ونوه إلى أن تركيا تنتظر من إيران خطوات بناءة من أجل تعزيز إدراج جنوب القوقاز في نظام التجارة واللوجيستيات العالمي، مشيرا إلى أن مشروع "طريق التنمية"، إذا تم إنجازه فإن ذلك سيعني ربط جنوب القوقاز بالخليج العربي عبر تركيا.

وفي خطاب ألقاه رئيس مركز أبحاث العالم التركي، جوشكون فائق كافالا، في باكو، قال  إن تشكيل الاتحاد التركي يدعم تركيا في مواجهة الغرب، حيث ستصبح جسرا بين أوروبا والعالم التركي، وعليه حل المشكلة الجيوسياسية مع أوروبا.

وتابعت بأنه لتعزيز "الاتحاد التركي"، فإن المطلوب تعزيز وتنويع النقل البري بين تركيا وأذربيجان، والنقل البحري بين أذربيجان وتركستان، وتحويل بحر قزوين إلى جسر بين أذربيجان ودول العالم التركي الأخرى.

وشدد على أنه لكي يكون العالم التركي مترابطا، يجب أولا تعزيز شبكات النقل بين الدول، واتخاذ الإجراءات القانونية لتسهيل الاستثمارات المتبادلة، داعيا في الوقت ذاته إلى التفكير جديا، بعد الآن في تشكيل قوة عسكرية مشتركة، وتحويل الاتحاد الاقتصادي إلى سياسي حقيقي، مشابه لحلف الشمال الأطلسي "الناتو".

وأكد أن أذربيجان تعد المركز الجيوسياسي للاتحاد التركي الذي سيتحول إلى هيكل كونفدرالي، وبالنظر إلى الخريطة الأوراسية ، نرى أن أذربيجان هي الجسر الوحيد بين المناطق الجغرافية لدول العالم التركي، وهي تقع جنوب جبال القوقاز، وغرب بحر قزوي، وشمال الهضبة الإيرانية.

ولفت إلى أنه بعد "انتصار قره باغ"، لوحظ أن الوعي التركي في أذربيجان والاهتمام بالعالم التركي ازداد بشكل كبير لدى الرأي العام المحلي وعلى مستوى الدولة.

وتابع بأن استيلاء أرمينيا على قره باغ منذ عام 1992، وعجز تركيا عن تغيير ذلك الوضع، له أثر كبير في فشل تحقيق التكامل التركي، الذي بدأ بآمال كبيرة عام 1991.

ونوه إلى أن الموقع المركزي والبنية التحتية القوية لباكو، على ساحل بحر قزوين، يمكن أن يساعد في تحويل هذه المدينة إلى لوكسمبورغ أو بروكسل المحتملة للعالم التركي.

وشدد على أن مفتاح الاتحاد التركي يكمن في تعزيز التعاون التركي الأذربيجاني في الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن ذلك سيسهم في تغيير جذري في التوازنات العالمية.