فجَّر قائد القوات البحرية التركية، أرجومنت تاتلي أوغلو، قنبلة من العيار
الثقيل، في كلمته التي ألقاها خلال حفل أقيم الجمعة الماضية في مدينة يالوفا،
بمناسبة الذكرى الــ133 لتأسيس مدارس الضباط البحرية، إلا أن صوتها غاب وسط انشغال
العالم بالعدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، والمجازر الدموية التي يرتكبها جيش
الاحتلال، والجهود الدبلوماسية المبذولة من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية.
الأدميرال تاتلي أوغلو
أكد في كلمته أن
تركيا تضمن كل الأمن في البحر
الأسود، وأنه لا ينبغي تحويل البحر الأسود إلى شرق أوسط، وأضاف قائلا: "لا
نريد دخول أي دولة أو
الناتو"، كما لفت إلى الأهمية البالغة التي يكتسيها
البحر الأسود من الناحية الاقتصادية بعد اكتشاف الغاز الطبيعي فيه.
الدولة التي لم يسمها الأدميرال التركي في كلمته هي الولايات المتحدة. وترى
أنقرة أن الحضور الأمريكي في البحر الأسود قد يحول المنطقة إلى ساحة صراعات مسلحة
بين القوى الدولية والإقليمية على غرار الصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط، لتتجاوز
حدودها الحرب الروسية الأوكرانية وتهدد أمن كافة الدول المجاورة للبحر الأسود. كما
أن الاستقرار في البحر الأسود أمر ضروري لتواصل تركيا فيه أنشطة البحث والتنقيب عن
النفط والغاز، بالإضافة إلى استخراج الغاز الطبيعي المكتشف.
رفض تركيا للحضور الأمريكي في البحر الأسود يمكن تفهمه، إلا أن ورود ذكر
الناتو في كلمة قائد القوات البحرية التركية أثار استغراب الموالين للغرب. وانتقد
السفير التركي الأسبق لدى واشنطن والنائب عن حزب الشعب الجمهوري، نامق طان،
تصريحات الأدميرال تاتلي أوغلو، وقال في حسابه بمنصة إكس مستهزئا: "أدميرال
لا يعرف أن تركيا عضو في الناتو، كما أنه قائد للقوات؟! خسارة..".
قائد القوات البحرية التركية يعرف جيدا أن تركيا عضو في حلف شمالي الأطلسي،
إلا أن تصريحاته هذه تشير إلى إعادة تعريف العلاقات بين تركيا والحلف، والتشديد
على أن عضوية تركيا في الناتو لا تعني التبعية، بل المشاركة في صنع القرار لحماية
أمنها ومصالحها. ويبدو أن السفير طان هو ذاته يجهل هذه الحقيقة أو منزعج منها.
تركيا انضمت إلى الناتو عام 1952 بعد أن أرسلت لواء في خريف 1950 إلى شبه
الجزيرة الكورية للمشاركة في الحرب الكورية إلى جانب القوات الأمريكية. وقاتل
الجنود الأتراك في الصفوف الأولى وقتل منهم المئات. ومنذ ذاك التاريخ كانت الدول
الغربية تنظر إلى تركيا على أنها "خزان للجنود" و"قوة عسكرية جاهزة"
للاستخدام في تنفيذ خطط الناتو. وكان الملياردير الأمريكي جورج سوروس قال ذات مرة
إن أفضل بضاعة يمكن أن تصدرها تركيا هي جيشها، إلا أن تركيا لم تعد تقبل أن ينظر
إليها بتلك النظرة الاستعلائية.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان زار قبل أيام العاصمة الألمانية
برلين، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المستشار الألماني، أولاف شولتز، سأله أحد
الصحفيين الألمان عن رأيه فيما إذا كان موقفه من حركة حماس وهجمات إسرائيل على
قطاع غزة يمكن أن يؤثر على التعاون بين دول حلف شمال الأطلسي، في إشارة إلى قول
أردوغان بأن حماس حركة تحرير وطنية وانتقاده للعدوان الإسرائيلي على القطاع، في
الوقت الذي تعتبر فيه كافة دول الحلف الحركة "منظمة إرهابية" وترى الهجمات
الإسرائيلية "دفاعا عن النفس".
ورد أردوغان على السؤال قائلا بأن تركيا
من أهم الدول في الناتو، وفي المرتبة الخامسة فيه، وأنها ليست دولة عادية في
الحلف.
الصحفي الألماني الذي وجه لرئيس الجمهورية التركي ذاك السؤال يريد من تركيا
أن تتبع بقية دول الناتو كدولة هامشية، كما كانت في السابق، إلا أن أردوغان قام
بتذكيره بأن هناك الآن "تركيا جديدة" تدرك مدى أهميتها في المنطقة ومكانتها
في الناتو، وترفض التبعية العمياء، وتطالب باحترام رأيها ومراعاة مخاوفها
ومصالحها. ومن المؤكد أن موقف تركيا من ملف انضمام السويد إلى الحلف هو أحد تجليات
إعادة تعريف العلاقات بين تركيا والناتو، علما أن لجنة الشؤون الخارجية في
البرلمان التركي أجلت قبل أيام مناقشة مشروع القانون الخاص بالموافقة على بروتوكول
انضمام السويد إلى الناتو، إلى أجل غير مسمى، على الرغم من أن الولايات المتحدة
ومعظم الدول الأعضاء في الحلف تطلب من تركيا أن تصادق على البروتوكول فورا.
twitter.com/ismail_yasa