هل نعرف
إسرائيل حقا؟
بعد عقود من الكتابة عن الكيان الصهيوني، وبداية من
"اعرف عدوك" إلى "اعرف جارك"، وبعد سنوات طويلة انتقلت فيها
إسرائيل من "دولة العصابات" و"العدو الصهيوني"، إلى "دولة
إسرائيل"، وبعد ملايين المقالات، وآلاف الكتب والدراسات، هل نعرف إسرائيل من
الداخل؟ وهل لدينا خبراء يعرفون تفاصيلها فعلا؟ أم أنهم صاروا أقرب إلى مهنة
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، التي اتسعت لزيط ومعيط، ونطاط الحيط، فصرنا
نشاهد خفة وخلطا بين دور المحلل الخبير، ودور المرشد الأمني البائس، فلا معلومة،
ولا تحليل، ولا استنتاج، فيبدو الخبير من هؤلاء عصارا في محل عصير قصب، وقد ضرب كل
الجماعات في الخلاط، لا فرق بين داعش والإخوان، أو بين القاعدة والجماعة
الإسلامية، فيكون المنتج "كوكتيل"، كالمهل يشوي الوجوه؛ بئس الشراب!
المقال الكشكول:
منذ عملية "طوفان الأقصى" كُتبت أطنان
المقالات، القاسم المشترك بين معظمهما هي أنها "المقال الكشكول"، الذي
هو العمل الكامل حول الحدث، فتصبح المقالات مع تعددها ليست أكثر من إعادة صياغة،
ليميز هذا المقال عن ذاك، فالعمق في زاوية واحدة قد لا يكفي لشغل المساحة المحددة
للمقال، ونستمع إلى محللين تلفزيونيين لا يضيفون جديدا، حتى وهم يعلقون على حدث
وقع في التو، ومعظم هؤلاء يمارسون ما يُعرف بسرقة المذيع، فيبدأ بالحدث ثم سرعان
ما يخطف المشاهد والمذيع معا إلى الحدث من أوله، وإلى المواجهة منذ يومها الأول،
وعنوانها المحدد "طوفان الأقصى"، وعندما ينتبه المذيع ومن يقف خلفه،
يكون الخبير قد قطع شوطا طويلا، وتمدد في فترة زمنية لا بأس بها!
سيكون رائعا لو كان الاهتمام نتيجة الفهم والوعي بما يدور داخل الكيان، وأعتقد أن كثيرا من الأساطير التي نُسجت عن القوة الإسرائيلية ومعدل التحضر المرتفع، هو نتيجة جهل بالحاصل داخل هذا الكيان الهش، وجاءت عملية طوفان الأقصى لنستيقظ على تبدد الأسطورة، وسقوط ورقة التوت التي تستر العورات. فهل كنا نحتاج إلى عملية كبيرة كهذه لنكتشف هذه الحقيقة، بعد أن أُغرقنا في بحور الاستسلام لوجهة نظر جرى تكريسها على مدى أكثر من ربع قرن
وقد صرنا أمام "موقف سياسي" أكثر منه رؤية
محلل، أو تفسير من معلق، ولهذا فقدت الكتابة عن إسرائيل الاهتمام بها، إلا مع
الأحداث، مع أن هناك من يفعلون هذا بدون مناسبة باعتبارهم خبراء في الموضوع!
الموقف مطلوب، لكن سيكون رائعا لو كان الاهتمام نتيجة
الفهم والوعي بما يدور داخل الكيان، وأعتقد أن كثيرا من الأساطير التي نُسجت عن
القوة الإسرائيلية ومعدل التحضر المرتفع، هو نتيجة جهل بالحاصل داخل هذا الكيان
الهش، وجاءت عملية طوفان الأقصى لنستيقظ على تبدد الأسطورة، وسقوط ورقة التوت التي
تستر العورات. فهل كنا نحتاج إلى عملية كبيرة كهذه لنكتشف هذه الحقيقة، بعد أن أُغرقنا
في بحور الاستسلام لوجهة نظر جرى تكريسها على مدى أكثر من ربع قرن، عن أن الصراع
صراع حضاري، وأن إسرائيل هزمتنا فيه، بعد أن صارت مثالا للرقي والتمدين؟!
كثير من المحللين مرتبطون بالأنظمة التي يعملون في
كنفها، وتحليلهم يدور حول تكريس ما تريد السلطة تكريسه، فإن كانت مع العداء، تبنوا
رؤية التهوين منها ومن قدراتها. وقد يُفاجأ الناس إذا علموا أن العهد الناصري صادر
بروتوكولات حكماء صهيون، في هذا الصدد، وعندما بدأ التلويح بضرورة الدخول في
السلام ولو كان استسلاما تم نشرها من جديد، وهي خزعبلات تمثل جزءا من الدعاية
لإسرائيل، حيث تصورها كما لو كانت تدير الكون، وتسيطر عليه، وتتحكم في تفاصيله!
من يقدر على إسرائيل؟!
للأسف يغلب علينا طابع الاستسهال، وحتى الدراسات العلمية
هي كذلك، وهو أمر مكّن الدعاية الصهيونية لأن تعزز من قدراتها على أنها أسطورة في
المنطقة، وعليه استسلمنا لسؤال: ومن يقدر على إسرائيل؟ ومن بني جلدتنا من ذهبوا
الى تل أبيب محلقين ومقصرين، يبتغون منافع لهم، وبعض العرب اندفعوا يأخذون
الصهاينة بالأحضان، في مشاهد غير مبررة، وكأنه سلام الشجعان، وكأنهم كانوا قبل
العناق يقفون على خط النار في مواجهة إسرائيل، فلم يسيطروا على أعصابهم بعد الصلح!
وإسلاميون من السودان، استنكروا علينا أن نعارض الجنرال
البرهان في منافسته لحميدتي في الذهاب للتطبيع، باعتبار تل أبيب مانحة للشرعية،
والأسطوانة المشروخة هي: لماذا تأخذون علينا هذه الخطوة، وأنتم السابقون لتوقيع
معاهدة سلام مع إسرائيل؟!
وهو قول أبتر، لأن الغالبية العظمى من المصريين رفضت هذا
السلام ولم تمنحه شرعيتها، ولا تزال القوى الحية للمجتمع من نقابات وغير ذلك تؤكد
رفضها للتطبيع، وبسبب الرفض الشعبي لم يتمكن الجانبان من المضي قدما بالتطبيع بين
المصريين وعدوهم!
وقبل هذا وبعده فمصر كانت في حرب مع إسرائيل، فلما أقدم
الحاكم على توقيع اتفاقية السلام معها كان سلاما بين متحاربين، فهل السودان كان في
حالة حرب؟ وهل الإمارات كانت في حالة عداء لهذا كانت البهجة الشعبية بالتطبيع؟!
ليس هذا موضوعنا، فموضوعنا الجوهري هو الوعي بما يحصل
داخل إسرائيل، ولا نعرف منه إلا النذر اليسير مع كثرة المتخصصين في الشأن
الإسرائيلي، ربما ساهم هذا الجهل في صناعة الأسطورة، وربما لو وعينا لما مثّل
انتصار المقاومة الآن مفاجأة، وربما لم نضع أيدينا على قلوبنا وحماس تتحرش بالأسد،
فإذا بها أنثاه بمدلولاته المصرية، لا المعنى الشائع في غيرها من الدول العربية!
بعد الأحداث، تمنيت لو أخذ مركز بحثي على عاتقه دراسة
منظومة التعليم الإسرائيلي في مراحلها المختلفة، لا سيما المواد الدراسية المرتبطة
بالصراع العربي الإسرائيلي، مثل مادتي الدين، والتاريخ، مع التركيز على التعليم
الديني على وجه التحديد، وعندما ترشح معلومة هذه الأيام عن دعوات لقتل العرب، تبدو
لنا مفاجأة، ونحن الذين خضعنا منذ أحداث الحادي عشر لأيلول/ سبتمبر لطلبات واشنطن
على أنها أوامر، وتحسسنا بطحات الرؤوس، وباعتبار أن من قاموا بهذه العملية هم نتاج
التعليم العربي، الذي يغذي الأفكار المتطرفة المعادية للغرب ويعمق الصراع العربي
الإسرائيلي، وما تبعه من دعم أمريكي لإسرائيل!
تمنيت لو أخذ مركز بحثي على عاتقه دراسة منظومة التعليم الإسرائيلي في مراحلها المختلفة، لا سيما المواد الدراسية المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي، مثل مادتي الدين، والتاريخ، مع التركيز على التعليم الديني على وجه التحديد، وعندما ترشح معلومة هذه الأيام عن دعوات لقتل العرب، تبدو لنا مفاجأة، ونحن الذين خضعنا منذ أحداث الحادي عشر لأيلول/ سبتمبر لطلبات واشنطن على أنها أوامر
وكأن الجهاد الأفغاني كان اختراعا من جانب الإسلام
السياسي، ولم يكن معركة للغرب وواشنطن تحديدا لمواجهة الروس، استخدم فيها الحكام
العرب أدوات لإثبات حسن الولاء، وزُج بشباب غر من كل أنحاء الوطن العربي ليتصدى
للإلحاد هناك وإسقاط حكومة نجيب الله العملية. والدعاية المخابراتية الغربية هي
التي جعلت من جبال تورا بورا نقطة التقاء للمجاهدين، في حين أن هذا الشأن كان
ينبغي أن يُترك لأهل مكة الذين هم أدرى بشعابها، ولم يكن الوجود الروسي أكثر شرا
من الوجود الأمريكي بعد ذلك!
لقد تغيرت المناهج، وأُلغيت مادة التربية الدينية في
مرحلة تالية، ولم يعد مسموحا بذكر كلمة الجهاد ولو من باب نقدي، يستهدف ما أحاط به
من تشويه وضلال!
إن كشف منظومة التعليم الإسرائيلية كان سيرفع الحرج عن
الناس، دعك من الحكام فهم ليسوا أكثر من أدوات ساهمت في عملية التضليل، ليمكنهم
بعد ذلك أن يقدموا على واحدة من أعمال الخيانة، وحتى الذين لم يشاركوا التزموا
بها، فضخامة الدعاية جعلت الجميع يخضعون بالقول!
الذي تسرب من الدعاية الإسرائيلية هو عناوين بعد طوفان
الأقصى، وهو على أهميته لا يمثل رؤية مكتملة، وعنوان يفتقد للمتن، ولا بد أن يبذل
جهدا بذلك، لمن يمتلكون أدوات البحث العميق، ليس فقط لأنهم يصنفون على التخصص في
الشأن الإسرائيلي، ولكن بإجادتهم للغة العبرية أيضا.
قبل كتابة هذه السطور، وبعد الساعة الحادية عشرة والنصف
ظهرا بتوقيت أم القرى، كنت أستمع عبر راديو السيارة لمحلل، على خلاف من الذين
يرصون الكلام رصا، يقدم مضامين عن التربية الإسرائيلية على تبرير العنف ضد
الغير، وانتظرت حتى ينتهي لأعرف اسمه، لكن بعض المذيعات يأكلن أسماء الضيوف في
نهاية الحديث، بادعاء أنهن في عجلة من أمرهن، فلم أعرف اسمه وقد ابتلعت بعض حروف
الاسم ولم تهضمه معدتها!
كثيرون من يحللون المشهد الإسرائيلي، وقليلون هم من
يقولون كلاما مفيدا!