قضايا وآراء

في سنة إدارية جديدة.. هل تغادر تونس أزمتها السياسية والاجتماعية؟

لماذا لم يعد يخرج الشارع للاحتجاج؟- عربي21
1- أحداث 25 تموز 2021

تعاملت أغلب الأحزاب، سواء كانت مشاركة في الحكم أو كانت في المعارضة، مع إجراءات قيس سعيد على أنها انقلاب على الشرعية الانتخابية وعلى المؤسسات الدستورية، حتى الأحزاب التي كانت ضد البرلمان وضد حكومة المشيشي وعلى رأسها حزب العمال برئاسة الزعيم اليساري حمة الهمامي، اعتبرت ما قام به قيس سعيد انقلابا، إلا اتحاد الشغل وبعض الأحزاب الصغيرة كانوا يعتبرون ما حصل تصحيحَ مسار وإيقافا لـ"الفوضى" ودفاعا عن هيبة الدولة؛ ذاك الموقف لم يكن موقفا سياسيا موضوعيا بقدر ما كان نكاية في خصوم سياسيين متحالفين في البرلمان.

وصف ما حدث بأنه انقلاب على الشرعية ودعوة التونسيين إلى مقاومته سلميا، لم يكن وصفا كافيا، لكونه لا يجيب عن عدة أسئلة لعل أبرزها: هل خطط قيس سعيد لـ25 تموز/ يوليو لوحده؟ هل كانت ثمة غرفة تونسية مستقلة اتخذت القرار بضرورة التحرك لمنع مزيد تعقّد الأزمة السياسية خاصة في الأيام الأخيرة من عمر البرلمان حين تحولت قاعة الجلسات الى حلبة للصراع والى منصة لعروض مسرحية غير ممتعة؟ هل كان الأمريكان تحديدا متابعين لما حدث وهل كانوا مشاركين بالرأي في ترتيب عملية الانتقال من مسار ديمقراطي متعثر إلى مسار الإجراءات الاستثنائية؟

من المهم جدا معرفة حقيقة ما حدث حتى يكون التعامل مع الواقع بطرائق مجدية وليس فقط بالشعارات وخطب الإدانة، وهذه مهمة القادة السياسيين، فلا يكتفون بأحكام أخلاقية تصف ما حدث بالسيئ وتصف قيس سعيد ومن معه بالانقلابيين. فإن كان القادة السياسيون يمتلكون معطيات حول ما حدث فعليهم مصارحة الناس بالحقيقة؛ حتى يتخذ المواطنون مواقفهم على بيّنة
من المهم جدا معرفة حقيقة ما حدث حتى يكون التعامل مع الواقع بطرائق مجدية وليس فقط بالشعارات وخطب الإدانة، وهذه مهمة القادة السياسيين، فلا يكتفون بأحكام أخلاقية تصف ما حدث بالسيئ وتصف قيس سعيد ومن معه بالانقلابيين. فإن كان القادة السياسيون يمتلكون معطيات حول ما حدث فعليهم مصارحة الناس بالحقيقة؛ حتى يتخذ المواطنون مواقفهم على بيّنة ويتحملون مسؤولياتهم كاملة في ما يفعلونه أو يعبرون عنه وهم يواجهون الانقلاب.

معرفة الموقف الأمريكي تحديدا مهم جدا، خاصة من الإسلام السياسي ومن ديمقراطية حقيقية في العالم الثالث تعيد السيادة الكاملة للشعب وتتيح له التعبير عن مواقفه في الشأن الداخلي وفي كل الشأن الخارجي وخاصة قضايا التحرر، معرفة الموقف الأمريكي مهم جدا حتى لا يبني بعض المحللين مواقفهم على فرضية رفض الإدارة الأمريكية لما حدث ومن ثم ضغطها على سلطة قيس سعيد حتى تعود إلى الشرعية وتوقف الإجراءات الاستثنائية، وحتى لا يُراهن كثيرون على فرضية انتصار منظمات حقوقية غربية وبرلمانات أوروبية لمعارضي إجراءات 25 تموز/ يوليو.

لماذا ظل قيس سعيد يردد في كل مناسبة -تقريبا- أنه لا رجوع إلى الوراء؟ ولماذا يتساءل: "ألم يفهموا أنه لا رجوع الى الوراء"؟ هل كان يقرأ في لوحة القيادة أن كل ما مضى قد مضى، وأن من لا يريد أن يفهم ليس لـ"الدولة" وقت لمحاورته ولا حتى مهارات كلامية لمجادلته، وليس أمامه إلا مسايرة الأمور أو الصمت أو السجن؟

2- طبيعة الأزمة السياسية

لا تبدو الأزمة السياسية في تونس بعد إجراءات قيس سعيد أزمة تقليدية، إنما هي أزمة معقدة، لكون البلاد تنتقل بـ"عنف" وبسرعة من وضعية تقليدية رتيبة إلى حالة من الإجراءات والمراسيم السريعة غير المنطقية وغير المتوقعة، فلم يعد للأحزاب شأن، ولم يعد للأغلبية وزن انتخابي، ولم يعد للأرقام ولا للأحجام مدلول في الخطاب ولا في التحليل، ولم تعد المعارضة تمتلك مَلَكة التوقع ولا بداهة الرد ولا حتى قدرة على فهم أغلبية هذا الشعب، فهو يقاطع الانتخابات والاستشارات ولكنه لا يخرج للاحتجاج ولا يدعم المحتجين.

هذه المعارضة تتفق في معارضة قيس سعيد وتختلف في كيفية معارضته، وهذا جعل قيس سعيد في وضعية مريحة، وجعل أيضا القوى الخارجية القادرة على "التأثير" ترى أن وجود قيس سعيد حاليا ضامن للاستقرار؛ طالما استطاع ضبط قيادات اتحاد الشغل واستطاع إسكات "المشوشين" أيام الوفرة الديمقراطية واستطاع أيضا تعطيل كل المحاولات السياسية في بناء جبهة معارضة قوية، بعد أن وضع أبرز الزعماء السياسيين في السجن وتحولت المعركة مع قيس سعيد إلى مجرد معركة حقوقية ومعركة لتحسين ظروف الإقامة خارج السجن وداخله..

3- التطبيع مع الأزمة الاجتماعية
إذا استطاع قيس سعيد إطالة تحول الأزمة الاجتماعية إلى مجرد "صعوبات معيشية"، وإذا ضمن استمرار برود المزاج الشعبي، فسيذهب مطمئنا إلى رئاسية 2024، وسيجد دعما خارجيا ممن يرون مصالحهم قبل مصالح الشعوب وقبل الديمقراطية وقبل حقوق الإنسان

الأزمة الاجتماعية التي راهنت عليها المعارضة لتكون مقدمة انفجار اجتماعي يطيح بسلطة الانقلاب؛ تحولت إلى مجرد "صعوبات معيشية" بفعل تعود المواطن عليها وتدرّبه على تدبّر أمره اليومي عند ندرة المواد وعند انقطاعها وعند تنقله بين الطوابير. هذا "التعوّد" بدأ يطمئن سلطة سعيد بأن شبح الانفجار الاجتماعي ربما بات مأمونا، وهذا ما قد يُغريه بمزيد التضييق على الحريات وبمزيد من إبداء "التعالي" على معارضيه وعدم القبول بأي مبادرة لحوار وطني، وقد سبق منه مراتِ رفض مبادرات وعروض للحوار الوطني، بل قد وصف الحوار الذي أشرف عليه الرباعي بكونه "لا كان حوارا ولا كان وطنيا". وعمليا لم يعد ممكنا لتلك المنظمات أن تقود حوارا وهي في وضعية ضعف بل و"إذلال"، خاصة اتحاد الشغل الذي كُسرت شوكته تماما وانعقد لسانه ولم يعد "شريكا" كما كان دائما.

إذا استطاع قيس سعيد إطالة تحول الأزمة الاجتماعية إلى مجرد "صعوبات معيشية"، وإذا ضمن استمرار برود المزاج الشعبي، فسيذهب مطمئنا إلى رئاسية 2024، وسيجد دعما خارجيا ممن يرون مصالحهم قبل مصالح الشعوب وقبل الديمقراطية وقبل حقوق الإنسان.

twitter.com/bahriarfaoui1