نشرت صحيفة "تليغراف" تقريرًا حول تأثير التوترات في البحر الأحمر على الاقتصاد البريطاني؛ حيث تتصاعد التحذيرات بشأن احتمال زيادة التضخم في المملكة المتحدة نتيجة لهذه التوترات، الذي سيؤدي بدوره إلى تقليل القوة الشرائية لدى المستهلكين، ويتسبب في آثار سلبية للاقتصاد البريطاني.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن
بريطانيا قد لا تكون مستعدة لأزمة أخرى، فالأزمات القليلة الماضية لم تسر بشكل جيد؛ حيث تبين أن هيئة الصحة العامة في إنجلترا كانت غير مستعدة على الإطلاق عندما ضرب فيروس كورونا.
وعندما بدأ يستعر التضخم، بدا أن بنك إنجلترا لم يستطع التعامل مع ما كان يحدث، وأصر لمدة طويلة على أن ارتفاع الأسعار كان أمرًا "مؤقتًا" على الرغم من تضاعف التضخم.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقًا لأحدث البيانات، يبدو أن بريطانيا ربما تحظى أخيرًا باستراحة؛ فقد تباطأ التضخم إلى 3.9 بالمئة حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في حين بدأ الاقتصاد ينتعش من تراجع تشرين الأول/ أكتوبر.
ولكن في عصر "الأزمة الدائمة"، لا يمكن للمرء الشعور براحة كبيرة؛ حيث يبدو دائمًا أن الأزمة التالية تلوح في الأفق، والتي قد تكون ما يحدث الآن في البحر الأحمر.
وأوضحت الصحيفة أنه رغم استحالة التنبؤ بمدى تأثير تعطيل
الحوثيين للشحن البحري على اقتصاد المملكة المتحدة، فإنه بالتأكيد سيكون له بعض التأثير ليس فقط على بريطانيا، بل على كل الاقتصادات الكبرى.
إن نحو 15 بالمئة من التجارة العالمية المنقولة بحرًا تتدفق عبر البحر الأحمر، ولكن وفقًا لمعهد كييل الألماني، فقد انخفض عدد حاويات الشحن التي يتم نقلها يوميًا إلى أكثر من النصف، ويقدر الباحثون أن التجارة العالمية انخفضت بنسبة 1.3 بالمائة بين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر من العام الماضي وحده، وهو رقم من الممكن أن يتفاقم إذا استمرت الاضطرابات في التصاعد.
وأكدت الصحيفة أن الأمر لا يقتصر على ارتفاع تكاليف الشحن فقط، إذ تشير بعض التقديرات إلى زيادة بنسبة 250 إلى 300 بالمائة؛ حيث تضطر الشركات إلى تحويل مساراتها وإرسال سفنها حول طريق رأس الرجاء الصالح.
وتعد الضربة القاضية لتكاليف الطاقة مصدر قلق متزايد في الحكومة البريطانية؛ حيث تشير التقديرات إلى أن البحر الأحمر يحتوي على "12 بالمائة من النفط المنقول بحرًا"، وقد أدت الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية في اليمن ليلة الخميس إلى وصول سعر خام برنت إلى 80 دولارًا للبرميل، بزيادة 4 بالمائة تقريبًا، مما قد يشكل تغيرًا غير مرحب به في اتجاه أسعار الطاقة.
ونقلت الصحيفة عن محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي في حديثه أمام لجنة الخزانة المختارة هذا الأسبوع، أن توقعات نهاية العام الماضي لم تتحقق: وحتى الآن، لم يكن هناك "ارتفاع طويل الأمد في أسعار النفط" على الرغم من الاضطراب المتزايد على طول قناة السويس، ولكن هذه الكلمات قد تبدو قريبًا قديمة إلى حد كبير، خاصة وأنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المملكة المتحدة قد تعلمت دروسها من الأزمات السابقة.
لقد كان الطريق وعرًا منذ أن قررت السيدة العجوز أن مشكلة التضخم تحتاج إلى حل، ولكن من المحتمل أن يكون البنك قد أنهى عام 2023 قبل الموعد المحدد، وكانت أحدث توقعاته، والتي ثبت خطؤها في مناسبات لا حصر لها، تفترض أن معدل التضخم الرئيسي الذي تم الوصول إليه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لن يتم الوصول إليه قبل نيسان/أبريل المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن المراقب الأكثر تعاطفًا قد يتساءل ما إذا كان الموقف الحذر الذي اتخذه البنك الآن يشير إلى أنه إذا عاد التضخم إلى الارتفاع مرة أخرى فسوف يتحرك سريعًا لقمع الأسعار المرتفعة قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة.
لكن بيلي والبنك يكرهون تقديم تفسير للتضخم لا يشمل عوامل خارجية خارجة عن سيطرتهما تمامًا، فالزيادات الكبيرة في المعروض النقدي هي قضية تم طرحها بشكل متكرر على المحافظ من قبل السياسيين أو الاقتصاديين، ولم يتمكن قط من تقديم إجابة كافية.
وتساءلت الصحيفة احتمالية احتياج الحكومة للاقتراض مرة أخرى، فرغم إصرار الوزراء على عدم التخطيط حاليًا لمزيد من الضربات الجوية، فإن الجمع بين اضطراب البحر الأحمر وتعهد ريشي سوناك هذا الأسبوع بتقديم مساعدة إضافية بقيمة 2.5 مليار جنيه إسترليني لأوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى إعادة إشعال الخلاف حول الإنفاق الدفاعي.
وأوضحت الصحيفة أن هذه مناقشة مستمرة داخل حزب المحافظين، الذي لا يريد التراجع عن التمويل في مجالات رئيسية أخرى ولكنه في الوقت نفسه يرغب في زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 3 بالمائة بحلول نهاية العقد.
يمكن الآن رؤية اضطراب في الانضباط المالي، كما حدث ليس فقط طوال فترة الوباء، ولعل الضمانة الحقيقية الوحيدة ضد تكرار أخطاء الماضي هو الشخص الذي حاول ترويض كل هذا خلال الأزمتين؛ ريشي سوناك، الذي كان يتعامل دائماً مع المالية العامة بقدر أكبر من الحذر.
ولكن حتى حكومته لديها عادة سيئة تتمثل في إخفاء بعض الحقائق الاقتصادية غير المريحة، والتي تتضمن الأسباب التي تجعل اقتصاد المملكة المتحدة يبدو وكأنه في ركود دائم، ولا شك أن الصدمات الخارجية والجيوسياسية ساهمت في ذلك؛ ولكن لم يتم يُبذل سوى القليل من الجهد للتصدي للضربات التي يتعرض لها الاقتصاد من خلال الإصلاح الداخلي الجاد.
واختتمت الصحيفة التقرير بأنه إذا تُرك اقتصاد المملكة المتحدة تحت رحمة الأحداث العالمية، فقد يروي عام 2024 رواية اقتصادية مماثلة للسنوات السابقة، ويعتمد الأمر على قيادات البنك أو في الحكومة، لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح، على الرغم من العوامل التي قد تكون خارجة عن سيطرتهم.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)