"يا للعار يا للعار..
مصر مشاركة
بالحصار"، "معبر بينا وبين أهلينا.. والصهيوني متحكم فينا"،
"طول ما الدم العربي رخيص.. يسقط يسقط أي رئيس"، "عملوها أحفاد
مانديلا.. واحنا في خوف وفي عار ومذلة".
هتافات أطلقها مصريون
مساء الاثنين، من قلب القاهرة، خلال يوم تضامني ووقفة احتجاجية دعت لها نقابة الصحفيين المصريين،
من فوق سلالم مدخلها الشهير، نصرة لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني يعانون
في
غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من حرب إبادة إسرائيلية دموية.
ومن الهتافات أيضا:
"مفتاح المعبر مع مين.. بيحاصروكي يا فلسطين"، و"يا حكومات عربية
جبانة.. طفلة في غزة نايمة جعانة"، و"يا حكام العار والطين.. أطفال غزة
بردانين.. أطفال غزة عطشانين.. أطفال غزة جوعانين"، و"عملوها أبناء
صنعاء.. فضحوا خيانة الشركاء".
"ثوار في المشهد"
ولأن صوت هتافات
المصريين اختفى من شوارع البلاد منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، والذي تزعمه
قائد الجيش حينها ورئيس النظام الحالي عبدالفتاح
السيسي، بفعل إجراءات غلق المجال
العام والبطش الأمني الذي طال آلاف المعارضين، فإن هتافات النشطاء والصحفيين أمام
نقابتهم كان لها صدى واسع.
وبرغم أن أغلب
الهتافات جاءت للمطالبة بفتح معبر رفح الدولي المنفذ الوحيد لقطاع غزة إلى العالم
الخارجي عبر مصر، في ظل الحصار الإسرائيلي للقطاع منذ 16 عاما، إلا أن النشطاء
أعربوا عن استنكارهم لموقف القاهرة من غلق المعبر واعتبروها "مشاركة في حصار
غزة".
وفي التظاهرة النادرة
في عهد السيسي، كان مثيرا للجدل مع لوم النشطاء على النظام المصري مواقفه من أزمات
إدخال المساعدات لغزة واستقبال الجرحى والعالقين؛ إلا أن هتافات المشاركين طالت
السيسي، بشكل غير مباشر، وذلك بهتافهم: "طول ما الدم العربي رخيص.. يسقط يسقط
أي رئيس".
لكن الأكثر إثارة هو
عودة بعض رموز "
ثورة يناير 2011" التي أسقطت نظام حسني مبارك، للهتاف من
أمام مقر نقابة الصحفيين "يسقط يسقط أي رئيس"، مثل أحمد دومة المفرج عنه
بعفو رئاسي في آب/ أغسطس الماضي، إلى جانب الناشطة ماهينور المصري، وغيرهما من
الثوريين وخاصة من اتجاه اليسار.
"بوابة غزة"
حضور دومة، وماهينور،
وأعضاء جماعة "الاشتراكيون الثوريون" وهتافهم فوق سلم نقابة الصحفيين،
يدعو للتساؤل حول دلالات عودة هتافات ثوار يناير ضد السيسي من قلب القاهرة:
"يسقط يسقط أي رئيس"، كما أنه يدعو كذلك للتكهن حول إمكانية عودة الحراك
الثوري المصري بعد وأده لأكثر من عقد، عبر بوابة التعاطف مع غزة.
ووفق مراقبين،فإن أهمية الموقف تعود إلى أن سلم نقابة الصحفيين كان بداية انطلاق وتجمع المعارضين
المصريين من كافة الأطياف ضد نظام حسني مبارك قبل ثورة يناير 2011، ما يجعل عودة
الهتافات أمام نقابة الصحفيين مؤشرا على احتمالات تصاعد الحراك الثوري المصري، ضد
نظام السيسي.
لكن في المقابل، يتخوف
الجميع من رد الفعل الرسمي للنظام ويتحسب للتحرك الأمني المتوقع، بعودة حملات قمع
جديدة واعتقالات أوسع في صفوف المعارضين، وهو ما بدا لافتا في رد الفعل الغاضب من
أنصار النظام على هتافات دومة وماهينور.
وعلى الفور دشن ناشطون
موالون للنظام المصري "هاشتاغ" للهجوم على دومة، حمل عنوان "#دومه_الارهابي"، موجهين له الاتهامات، ومذكرين باتهامه في حرق المجمع
العلمي المصري بميدان التحرير إبان ثورة يناير 2011.
بل إن الإعلامي
الموالي للنظام أحمد موسى، دعا إلى محاسبة دومة، واصفا إياه بالمجرم الذي يوجه هو
وعناصر الاشتراكيين الثوريين سبابا لمصر، وتحريضا عليها.
كما طالب الإعلامي
محمد الباز، بمحاكمة دومة، مؤكدا أن "المخربين مكانهم السجن"، معتبرا أن
هتافه يمس الأمن القومي لمصر.
وفي المقابل اعتبر
مراقبون أن التحريض على محاكمة دومة، وسجنه، كرد فعل من أنصار النظام يشير إلى
تأثير هتافاته والنشطاء معه، وغضب النظام المصري منه، متوقعين أن يكون للأمر تبعات
أخرى.
"عودة الأمل"
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي والإعلامي المصري قطب العربي، إن "طوفان الأقصى بث الأمل مجددا في قوى الثورة والتغيير بعد أن تعرضت تلك القوى لضربات متتالية أصابتها بالإحباط".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "تنظر قوى التغيير إلى انتصار طوفان الأقصى الذي حققته مقاومة ظلت تحت الضغط والحصار الخانق برا وبحرا وجوا لمدة 16 عاما، ومع ذلك نجحت في بناء سلسلة أنفاق معقدة".
كما أنها نجحت في "بناء ورش تصنيع عسكري أنتجت صواريخ متوسطة المدى، وقاذفات متطورة، وطائرات بدون طيار، ونجحت في تحطيم الحاجز الفولاذي والدخول إلى المستوطنات".
وأكد أنه "حين
تنظر قوى التغيير لهذا النموذج المقاوم؛ فإنها تستصغر حجم تضحياتها مقارنة بأهل
غزة، ومن هنا عادت لهم روح الأمل؛ بل ولعل الهتافات القوية التي شهدتها المظاهرة
الأخيرة على سلالم نقابة الصحفيين، كانت جزءا من الروح الجديدة".
وقال: "لقد عادت
بعض وجوه يناير لتصدر المشهد الاحتجاجي، والذي لا يزال محاصرا ومحصورا على سلالم
نقابة الصحفيين فقط حتى الآن؛ لكنه حتما سيتسع تدريجيا".
وتوقع العربي، في
نهاية حديثه، ألا "يقف النظام مكتوف الأيدي؛ بل سيحاول قمع الحراك منعا
لتصاعده وانتشاره"، مستدركا بالقول: "لكن هذه هي طبيعة معارك التغيير كر وفر،
صعود وهبوط، حتى تحين اللحظة المناسبة".
"يفور في الصدور"
من جانبه، طرح الناشط المصري
وعضو حملة المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي، سيد صابر، عدة تساؤلات حول
"عودة الحراك"، قائلا: "ممن يعود؟، وهل اختفي الحراك؟"، مؤكدا
أنه "لم يختف ولكنه يفور ويمور في الصدور وهو أشد وأكثر قوة".
وقال
لـ"عربي21"، إن "ما يحدث لأهلنا في غزة فاق كل الجرائم الإنسانية
في آخر مائة عام"، مشيرا إلى أن "المسلم في مكة يبكي غزة، والمسيحي
بالفاتيكان يبكي غزة، والملحد في أوسلو يبكي غزة، واليهودي في نيويورك يبكي غزة".
وأضاف: "ونحن أهل
غزة وغزة أهلنا"، ملمحا لضرورة بكائنا غزة، ومؤكدا "أنها لحظة الحقيقة،
حيث أن غزة العزة أزاحت ورقة التوت عن تلك المنظومة السياسية والإعلامية المصرية،
حيث عرت إبراهيم عيسى (صحفي مصري) وأسياده، حتى أتت محاكمة إسرائيل بمحكمة العدل
الدولية لتعلق الجرس برقبة النظام الذي رمى عليه الصهاينة جريرة جرائمهم".
وأكد صابر، أن موضوع
الحراك الثوري في مصر، "أصبح أعمق وأكبر من ثورة يناير و30 يونيو، وأكبر من
الثوار والفلول، وأكبر من ناصري وإخواني وليبرالي ويساري ويميني، لأن إنسانية مصر
وحضارتها وكينونتها على المحك".
وفي نهاية حديثه يرى
أن "القادم معركة ليست عسكرية فقط ولا سياسية فقط بل حراك إنساني أيضا، يظهر
فيه وجه مصر الأصيل الحقيقي، ولن يستطيع الأمن وحده ولا التنظيمات الهشة وحدها أن
تقف في وجه القادم، فالمخاض القادم صعب على مصر والمنطقة، والشعب على وشك الصحوة".
وفي تقديره للموقف،
قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد حسن بكر، إن "الوقفة الاحتجاجية التي شهدتها
سلالم نقابة الصحفيين، وهتافات البعض، لا تعني عودة ثوار يناير 2011، لأنهم
وقياداتهم خلف الأسوار بغياهب السجون والمعتقلات، والبقية غادرت البلاد".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، لفت إلى أن "الخوف والفقر يسيطران الآن على الشارع
المصري، وما لم يتخلص الشارع من خوفه ومن بطش السلطة، ومالم تتواجد قيادات جديدة
بفكر جديد تحرك الملايين، ومستعدة لدفع الثمن، فلا أمل بحراك شعبي".
ويرى بكر، أن
"دماء أطفال غزة لم تحرك الشارع المصري على مدار أكثر من 100 يوم من صور
أشلاء أطفال ونساء غزة، والدمار الذي يغرق شاشات الفضائيات، ورغم ذلك كان
الشارع الأكثر صمتا، والأكثر خوفا، ولم نر أو نسمع ثوار اليسار فلماذا تحركوا
الآن؟".
ولفت إلى أن تلك
الرسائل، "مفادها أن الغضب بالشارع بشأن ما يدور بغزة، أو بسبب الأزمة
الاقتصادية تحت الرماد، وأن الحراك الثوري على النظام يمكن أن يتفجر بأي لحظة، لذا
يجب دعم نظام السيسي اقتصاديا وسياسيا".
"قادم لا محالة"
وأكد بكر، أن
"حراك الشارع المصري قادم لا محالة، وأن رصد واقع الحال المصري، يؤكد أن
طوفان الغضب قد يندلع في أي لحظة دون ترتيب ودون قيادة، لأن كل الظروف مهيأة لحدوث
هذا".
ولفت إلى أن
"مكمن الخطر أن ينطلق هذا الحراك بشكل مفاجئ ودون قيادة كالطوفان يكتسح ما
أمامه، وفي هذه الحالة سيكون حراكا عشوائيا بلا أهداف محددة، فقط فوضى ومصادمات مع
الأمن".
وأوضح أنه "لهذا
يحاول ما تبقى من عقلاء بالأجهزة الأمنية تحريك البعض ممن قضوا سنوات بالمعتقلات،
وأُفرج عنهم وفق تفاهمات أمنية، أن يهتفوا لدقائق ضد النظام، وتعاطفا مع غزة، رغم
أنهم ألد أعداء ’حماس’، وشعب غزة، لأخد اللقطة، وتوجيه الرسائل، وتخفيف حالة الاحتقان
والغضب الكامن".
ويعتقد الكاتب والمحلل
السياسي أن "الحراك الثوري المنظم لن يعود طالما ظلت القيادات بالمعتقلات،
وطالما الخوف سيد الموقف بسبب القبضة الأمنية".
وحول ردود الأفعال
الأمنية المتوقعة، لا يعتقد بكر، أن "الأجهزة الأمنية ستلجأ حاليا لحملة
اعتقالات واسعة، لأن الموقف برمته تحت السيطرة".
وختم بالقول: "لا
حراك للشارع دون قيادة، ودون نواة صلبة من الثوار تؤمن بقضية التغيير، ومصلحة
الوطن، تصمد بالشوارع والميادين، وتكون مستعدة لمواجهة البطش الأمني، الذي ربما
سيكون في بدايته لكنه لن يصمد إلا لساعات قليلة، وربما لأيام معدودة".