صحافة دولية

الإسرائيليون غاضبون من نتنياهو.. هل تحتمل خطط "اليوم التالي" التأجيل؟

تبدو فرص السياسي الماكر في البقاء بعد توقف الأعمال العدائية ضئيلة- جيتي
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا، للصحفي، إيشان ثارور، قال فيه إن دولة الاحتلال الإسرائيلي احتفلت بيوم الاستقلال ويوم ذكرى الجنود المفقودين في الحروب، هذا الأسبوع، حيث كانت الاحتفالات مكبوحة بسبب خسائر الحرب المستمرة على غزة، والانقسامات السياسية داخل البلاد أصبحت أكثر وضوحا. 

ولاعتبارات أمنية، تم تسجيل حفل إضاءة الشعلة المعتاد بدلا من بثّه على الهواء مباشرة، وكذا لتجنّب مشاهد المقاطعين الذين يوبخون رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزراء آخرين في حكومته.

ألقى العديد من منتقدي الزعيم، المحليين، اللوم عليه وعلى حلفائه، حيث وقع تحت حكمهم اليوم الأكثر دموية في "التاريخ اليهودي منذ المحرقة": 7 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما نفذت حماس عملية "طوفان الأقصى" بشكل غير مسبوق على دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وتشعر شريحة من المجتمع الإسرائيلي بالغضب من نتنياهو، بسبب عدم رغبته الظاهرة في إعطاء الأولوية لإطلاق سراح وإعادة عشرات الأسرى الإسرائيليين المتبقين لدى حماس في غزة، حيث نفذت دولة الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية لا هوادة فيها منذ أكثر من نصف عام. وأقامت عائلات وأصدقاء الأسرى مراسم بديلة لإشعال الشعلة للتعبير عن غضبهم وقلقهم.

وبينما تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية توغلها في رفح، وهي المدينة الواقعة في جنوب قطاع غزة، والتي كانت الملاذ الأخير لأكثر من مليون فلسطيني نزحوا بالفعل بسبب العدوان المتواصل على القطاع، فقد وجد نتنياهو نفسه هدفا للوم والانتقام في مكان أقرب بكثير.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن قائده العسكري الأعلى، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، هرتزل هاليفي، قوله إنه يتحسر على عدم التزام نتنياهو بخطة "اليوم التالي" في قطاع غزة والتي من شأنها أن تساعد في حساب الفراغ الأمني والسياسي في القطاع الذي مزقته الحرب. 

وعبّر هاليفي عن الإحباط الذي يشعر به العديد من مسؤولي أمن الاحتلال الإسرائيليين، الذين يرون أن حماس تستأنف عملياتها في مناطق غزة حيث كان من المفترض أنه تم تحييدهم.

ونقلت "القناة 13" العبرية، عن هاليفي قوله: "طالما لا توجد عملية دبلوماسية لتطوير هيئة حكم في القطاع غير حماس، فسوف يتعيّن علينا إطلاق حملات مرارا وتكرارا في أماكن أخرى لتفكيك البنية التحتية لديها". وقال خلال الاجتماعات الخاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع: "ستكون مهمة لا نهاية لها".

وقد ردد عدد من حلفاء دولة الاحتلال الإسرائيلي الأجانب هذه المشاعر. فيما قال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، في مؤتمر صحفي، الاثنين: "الضغط العسكري ضروري ولكنه ليس كافيا لهزيمة حماس بشكل كامل.. إذا لم تكن جهود إسرائيل مصحوبة بخطة سياسية لمستقبل غزة والشعب الفلسطيني، فإنهم سيستمرون في العودة"؛ مضيفا أن "هذا يحدث بالفعل في مدينة غزة".

وقد تعهد نتنياهو وآخرون في معسكره اليميني بهزيمة حماس، بشكل كامل، وتفكيك بنيتها التحتية العسكرية. لكنّ عددا متزايدا من الخبراء، فضلا عن كبار الدبلوماسيين، يشككون في إمكانية هزيمة حماس، ويخشون من الخسائر الفادحة التي يتحملها السكان المدنيون في غزة بينما تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي القيام بذلك. ويبدو أن هذا هو الإجماع الذي يقوى داخل إدارة بايدن.

وقال نائب وزير الخارجية، كيرت كامبل، خلال فعالية لحلف شمال الأطلسي في ميامي، الاثنين: "في بعض الأحيان عندما نستمع عن كثب إلى القادة الإسرائيليين، يتحدثون في الغالب عن فكرة تحقيق نوع من النصر الساحق في ساحة المعركة، فلا أظن أننا نعتقد أن هذا محتمل أو ممكن.".

وعلى الرغم من الشكوك الأمريكية، فإن الحرب مستمرة بالطريقة التي يبدو أن نتنياهو يفضلها، حيث تتحرك دولة الاحتلال الإسرائيلي "للقضاء" على كتائب حماس في رفح. وفي هذه العملية، أجبر ما يقرب من نصف مليون فلسطيني على الفرار بحثا عن الأمان في أماكن أخرى، وأدى إلى تعميق حالة الطوارئ الإنسانية الكارثية بالفعل في غزة. كما أنه عرقل احتمالات التوصل إلى هدنة عن طريق التفاوض.

وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الثلاثاء، في إشارة إلى جولات المحادثات غير المباشرة التي حاولت حكومته وحكومات أخرى التوسط فيها بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس: "في الوقت الحالي، نحن في وضع شبه مسدود". 

وأضاف محمد: "ليس هناك وضوح حول كيفية وقف الحرب من الجانب الإسرائيلي"، محذرا من أن حجم الدمار في المنطقة كان هائلا لدرجة أنه يمكن أن يمهد الطريق لـ"موجة جديدة من التطرف" إن لم يتم بذل ما يكفي لإعادة البناء والاستثمار في غزة.

لعدة أشهر، رفض نتنياهو أو تجاهل الحديث عن إشراك السلطة الفلسطينية لإدارة غزة، التي كانت تحت إدارة حماس منذ عام 2007. وفي مقابلة، الأسبوع الماضي، مع الطبيب النفسي التلفزيوني الأمريكي د. فيل، فقد اقترح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بشكل غامض أنه "من المحتمل أن يكون لدينا نوع من الإدارة المدنية من قبل سكان غزة الذين لا يلتزمون بتدميرنا"، مضيفا أن "دولا مثل الإمارات والسعودية يمكن أن تساعد في دفع الفاتورة لإعادة الإعمار".

وفي السر، حاول المسؤولون الأمريكيون والعرب بشكل متقطع الضغط على نتنياهو بخصوص الترتيبات المؤقتة المحتملة في غزة، والتي يمكن أن تشمل إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية بنوع من الكيان التكنوقراطي، وقوة حفظ سلام عربية إقليمية، وضخ استثمارات ومساعدات كبيرة من الملكيات الغنية في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فيبدو أن كل هذه التدابير مشروطة بإحياء المسار نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهذا شيء أمضى نتنياهو حياته المهنية في العمل على تقويضه، في الواقع، يقول النقاد إنه مكّن حماس على وجه التحديد من ترسيخ نفسها في غزة، لتشويه سمعة القضية الفلسطينية وإضعافها، ويعارضه حلفاؤه اليمينيون المتطرفون في الحكومة صراحة.

الثلاثاء الماضي، ظهر وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بين زعماء اليمين المتطرف الآخرين في تجمّع حاشد على حدود غزة، داعيا إلى استيطان الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وتشجيع "هجرة" سكانها الفلسطينيين. 

مثل هذا الخطاب مكروه في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى، لكنه يغذّي حسابات نتنياهو السياسية. حيث تبدو فرص السياسي الماكر في البقاء بعد توقف الأعمال العدائية ضئيلة وتعتمد على دعم اليمين المتطرف الإسرائيلي.

كتب الصحفي أنشيل بفيفر، في صحيفة "هآرتس" العبرية: "لقد تأكد نتنياهو من عدم وجود قوة بديلة تستعد للسيطرة على أجزاء من غزة، بل إنه حتى الآن، في الشهر الثامن من الحرب، لم يكن هناك حتى أي نقاش جدي حول هذا الموضوع أو محادثات  مع مرشحين محتملين (السلطة الفلسطينية، الدول العربية المعتدلة نسبيا أو الحلفاء الغربيين)".

وأضاف بفيفر أن المؤسسة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي تتحمل أيضا المسؤولية عن الوضع السائد وكان ينبغي عليها توقّع الحاجة إلى حل سياسي قبل شن غزوها البري واسع النطاق على غزة. وكتب: "لديهم أسباب لإلقاء اللوم على نتنياهو، الآن لتبديد المكاسب التكتيكية، لكنهم يتحملون أيضا جزءا من اللوم؛ إن النقاش حول اليوم التالي، هو أمر ضروري، لكنه يتم متأخرا سبعة أشهر".