سياسة عربية

التطبيع مع السعودية.. لماذا اتخذت الصفقة مسارا بطيئا رغم المحاولات الأمريكية؟

محاولات أمريكية لإنجاز صفقة التطبيع قبيل الانتخابات الرئاسية هذا العام- جيتي
عاد الحديث عن صفقة التطبيع بين السعودية ودولة الاحتلال في توقيت يشي بأن إدارة بايدن وكأنها تسابق الزمن لإبرام الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام.

وكانت أحدث الخطوات في هذا الصدد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، للرياض الأحد الماضي ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

بين الرياض و"تل أبيب"
بعد السعودية زار سوليفان دولة الاحتلال الاثنين وقدم "مقترحا جديدا لتطبيع العلاقات مع السعودية. واستعادة قطاع غزة للتعاون الدولي، فضلا عن نقاط يتعين على إسرائيل القيام بها في المقابل"، وفقا لإذاعة جيش الاحتلال.

وتضمن الاقتراح "التطبيع مع السعودية، وتوسيع غلاف أمني توفره الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة ضد إيران، واستثمار مليارات الدولارات في غزة بنفوذ إسرائيلي، إلى جانب صفقة إطلاق سراح الأسرى كجزء من نهاية الحرب، ودفع اتفاق سياسي مع حزب الله في الشمال".

في المقابل قالت إذاعة جيش الاحتلال، "إن الخطوات المطلوب من إسرائيل أن تقدمها هي إنهاء الحرب على غزة، والاتفاق على إطلاق سراح جميع الأسرى في غزة، وتصريح من الحكومة الإسرائيلية بأنها مع الإجراء لخلق أفق سياسي على أساس حل الدولتين".

وأردفت، "أن المقترح يتضمن الاتفاق على آلية لإدارة غزة ليست حكما عسكريا إسرائيليا ولا حماس، بل إدارة فلسطينية مدنية بالتعاون مع دول المنطقة".

كما وصفت المقترح بأنه "صفقة كبيرة ومعقدة يتم بحثها حاليًا خلف أبواب مغلقة، وهذا ليس تطبيعا مع السعودية فقط، بل أيضًا حلول تقدمها الولايات المتحدة لغزة والشمال".


بنود الصفقة
وقبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كان اتفاق التطبيع وشيكا، حيث تشترط السعودية توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة بالإضافة لمساعدتها في برنامج نووي سلمي، ووضع إطار حل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن الصفقة الضخمة تتضمن ثلاثة عناصر، نقلا عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، مطلع الشهر الجاري.

ويشمل العنصر الأول حزمة من الاتفاقيات بين الولايات المتحدة والسعودية، إضافة إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل كعنصر ثان ضمن هذه المعادلة، بينما المكون الثالث هو مسار لإقامة دولة فلسطينية.

وبحسب رويترز ، "فإن كلا من واشنطن والرياض، تسعيان إلى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية والمساعدة النووية المدنية".

ممانعة الاحتلال
وبدا موقف الاحتلال ممانعا لعقد الصفقة أو غير مكترث بها في ظل عدوانه المميت الذي يشنه على قطاع غزة، وظهر ذلك جليا في تصريحات المسؤولين الأمريكيين و"الإسرائيليين" على حد سواء.

من جانبه قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إن السعوديين "أوضحوا أن التطبيع سيتطلب هدوءا في غزة ومسارا موثوقا به نحو دولة فلسطينية".

ورجح أن "إسرائيل غير قادرة أو غير راغبة في السير في هذا المسار خلال هذه اللحظة".

وأضاف، "أن الكرة الآن في ملعب إسرائيل لتطبيع العلاقات مع السعودية".

وذكر بلينكن، "أن الأمر سيعود لإسرائيل قريبا لتقرر ما إذا كانت ستوافق على إنهاء الحرب في غزة والمشاركة في مسار موثوق به لإقامة دولة فلسطينية من أجل تطبيع العلاقات مع السعودية، مثلما تتجه واشنطن والرياض نحو وضع اللمسات الأخيرة لإطار صفقة تاريخية".

وأوضح، "سيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت تريد المضي قدمًا واستغلال الفرصة لتحقيق شيء سعت إليه منذ تأسيسها، وهو العلاقات الطبيعية مع الدول ومنطقتها".

وبين بلينكن، "أن الجزء الثنائي الأمريكي السعودي من الاتفاقية سيتم إعداده بسرعة نسبية بالنظر إلى كل العمل الذي تم إنجازه".

في المقابل بدا حديث وزير الطاقة والبنية التحتية في حكومة نتنياهو إيلي كوهين، رفضا رسميا للمقترح الأمريكي.

وقال كوهين، اليوم الأربعاء، إن "اتفاق السلام مع السعودية ليس هو المهم في الوقت الحالي".

وأكد كوهين، أنه بدلاً من أن تضع السعودية شروطاً للتطبيع مع "إسرائيل"، فإن على "إسرائيل" أن تضع شروطاً للسعودية.

وأضاف: "الأمن قبل السلام، السلام مع السعودية ليس هو الشيء المهم الآن ويمكنه الانتظار. لا أحد يعقد اتفاقات سلام مع الضعفاء في الشرق الأوسط، الشيء الرئيسي الذي نحتاج إلى التركيز عليه الآن هو الأمن".

وأشار كوهين إلى أن "الأمريكيين يريدون رؤية شيئين: نهاية الحرب واتفاقية السلام مع السعودية. قد يكون هذا صحيحاً من منظور إقليمي، لكنه غير صحيح في الوقت الحالي بالنسبة للدولة".

وأردف، "أن الأمريكيين يريدون إنجازاً سياسياً قبل الانتخابات، لكن العالم الإسلامي المعتدل برمته، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، يفكر الآن في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبعد أن ننتهي من القرار وننتهي أيضا مما يحدث في الشمال٬ فسنكون أحراراً في الحديث عن اتفاق سلام مع السعودية".


شرط حل الدولتين
وتصر السعودية في حديث مسؤوليها على حل القضية الفلسطينية كشرط للتطبيع مع الاحتلال، وهذا الشرط يرفضه الأخير بشكل علني.

ونقلت القناة الـ 12 العبرية عن مصدر سعودي قوله، "إنه لن يكون هناك تطبيع بين إسرائيل والسعودية، بدون ضمانات حقيقية لحل الدولتين".

وأضاف المسؤول، أن إدارة بايدن تدعم الرياض في حل الدولتين وفي إحلال السلام في المنطقة.

وأكد، "لن يكون هناك سلام مع السعودية دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية لذلك لا يوجد تطبيع مع الحكومة الإسرائيلية الحالية"، وفقا لما نقلته القناة.

وعن ذلك يقول الأكاديمي السعودي عبد الواحد الزهراني، "إن شرط حل الدولتين ما هو إلا ذر للرماد في العيون، ليقال إنهم يهتمون بالقضية الفلسطينية".

وأضاف في حديث لـ "عربي21”, "أن وزير الدفاع للكيان الصهيوني يوآف غالانت قال إنه "لن تقام دولة فلسطينية لا في فترة حكومتنا هذه ولا في أي حكومة قادمة أخرى كما كرر نتنياهو تصريحات تؤكد على رفض إقامة الدولة الفلسطينية جملة وتفصيلا".

وأكد الزهراني، "لا السعودية ولا غيرها من دول التطبيع تملك حق التصرف في الأرض الفلسطينية، فمن يقرر مصير الأرض الفلسطينية هم المسلمون ففلسطين أرض وقف لكل المسلمين ولا يملك أحد حق التصرف في شبر من فلسطين".

وحول واقعية هذا الشرط يقول الزهراني، "‏لن يتحقق هذا الشرط واقعيا بل سيكون كلاما للمطبعين فقط، فلا الكيان المحتل راض عن حل الدولتين كما لن يسمح الفلسطينيون لمن قام بجرائم الحرب بالبقاء في هذه البقعة المباركة وسيعمل كل فلسطيني على إخراج المحتل".

مسار بطيء
واتخذ مسار التطبيع بين السعودية والاحتلال منحى بطيئا بالرغم من توقعات إتمام الصفقة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وعن ذلك يقول الأكاديمي السعودي عبد الواحد الزهراني، "إن التطبيع السعودي الإسرائيلي قائم بشكل استخباراتي وعسكري وتقني وسياسي منذ قيام دولة الكيان وخصوصا بعد النكسة 1967 فقد تكفلت السعودية بتشتيت الجهد إلى لجان وهيئات وتبرعات نقدية لا تصل لمن يقاوم الكيان ومثال ذلك (اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي وشهداء فلسطين) التي يرأسها سلمان بن عبد العزيز".

وتابع، "أما الإعلان فهو يضر الكيان الغاصب أكثر مما ينفعه وهذا ما يجيب على تساؤل لماذا لم يتم في عهد ترامب".

وأردف، "إن الدراسات العلمية في الكيان تستبعد التقارب مع نظام ابن سلمان كما تقول الدكتورة ميشال يعاري الخبيرة في السياسة الخارجية السعودية بجامعة تل أبيب".

ومضى بالقول، "إن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي يحذر من أن السعودية عاجزة عن مواجهة التهديدات الإستراتيجية التي تتعرض لها وأن أعداءها قادرون على المس بها بسهولة واضحة بشكل يعرض استقرار الحكم للخطر، وبحسب المركز الإسرائيلي فإن السعودية رغم أنها أكبر مستورد للسلاح في العالم إلا أنها غير قادرة على تأمين الحدود والأجواء والمياه ومواردها الطبيعية".

وأكد الزهراني، "أن جميع محافل التقدير الإستراتيجي في إسرائيل وعلى رأسها مركز أبحاث الأمن القومي تحذر دائما من ارتباط إسرائيل بأي مسار سياسي أو عسكري لمحمد بن سلمان خشية أن يفضي إلى تورطها في مواجهات لا طائل فيها".

وبحسب الزهراني، "فإن الحاكم في السعودية ينتظر من أمريكا حماية صعوده للملك وسيقدم أي تنازلات للحصول على ذلك وما يقوم به محمد بن سلمان هو حرفيا تقديم أي تنازلات لضمان أن يكون ملكا دون منازع من بقية أفراد العائلة".

ويستشهد الزهراني، بحديث الباحثة ميس فرح في رسالة الماجستير (تبعات العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج العربي على القضية الفلسطينية)، "بأن ذلك يوثر على الحاضنة العربية لقضية فلسطين ويشجع بقية الدول العربية على التطبيع، فإذا طبعت السعودية كان طريقا لتطبيع بقية الدول العربية".


رأي السعوديين
وعن الرأي العام في المملكة من التطبيع يقول الأكاديمي السعودي، "إن الناس قد شاهدوا الفعل الحقيقي لعدم الاعتراف بالكيان والامتناع عن الظهور في وسائل إعلامية إسرائيلية في كأس العالم".

كما "أن محمد بن سلمان يعرف بنفسه أن الشعب غير راضٍ لذا قال في عام 2020، حسب مزاعم أطلقها الملياردير (الإسرائيلي) الأمريكي حاييم سابان من أن ولي عهد المملكة محمد بن سلمان متردد في المسارعة بالتطبيع مع إسرائيل بسبب خوفه من أن إيران أو قطر أو حتى شعبه هو قد يقتلونه"، وفقا للزهراني.

وأضاف، "أن اتجاهات الرأي العام السعودي نحو التطبيع مع إسرائيل، فقد أظهرت قراءة في نتائج المؤشر العربي للعام 2016 أن ما يقارب 81 بالمئة يرفض الاعتراف بالكيان".

"غرق المطبعين"
عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر توقفت محادثات التطبيع بين المملكة والاحتلال، وتعرضت جهود واشنطن لانتكاسة كبيرة بعد أن اقتربت من إتمامها.

وظلت القضية بحالة جمود قبل أن تثار مؤخرا في محاولة أمريكية للتهدئة قبيل الانتخابات الرئاسية.

يقول الأكاديمي السعودي، "إن طوفان الأقصى أغرق كل مراكب التطبيع وهذا ما تراه في رد فعل الحكومة السعودية ووسائل إعلامها وتلك الممولة منها".

وأضاف، "أن عقد السلام مع دولة بهذا الشكل بعد طوفان الأقصى هو دلالة على أن الدولة المطبعة مجرمة وتحب سفك الدماء وتدمير الوطن والدولة".

وختم، "أن طوفان الأقصى كشف عن حجم إجرام الاحتلال وعن حجم الإجرام الذي يرتكبه كل من يطبّع معه" وفق قول الزهراني.