صحافة دولية

هكذا تجنبت أيرلندا إغضاب واشنطن قبل إعلانها الاعتراف بفلسطين

كشف تقرير لمجلة "بوليتيكو" عن محادثات أجرتها أيرلندا مع البيت الأبيض لتجنب إزعاجه من قرار الاعتراف بفلسطين- الأناضول
أجرت أيرلندا اجتماعات عديدة مع الولايات المتحدة قبل إعلانها الاعتراف بدولة فلسطين من أجل تجنب إزعاج البيت الأبيض بالقرار الذي اتخذته مع النرويج وإسبانيا، حسب ما كشفه تقرير لمجلة "بوليتيكو".

وقال التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أيرلندا حاولت تجنب إزعاج الولايات المتحدة قبل إعلانها عن الاعتراف بدولة فلسطين، وذلك أثناء المحادثات الخاصة التي عقدتها مع المسؤولين الأمريكيين.

وأضاف نقلا عن مسؤولين أمريكيين وأيرلنديين، أن الولايات المتحدة لم تكن سعيدة بإعلان كل من النرويج وإسبانيا وأيرلندا عن اعترافها بدولة فلسطين يوم الأربعاء، لكن القرار لم يفاجئها، حيث عقد المسؤولون الأوروبيون مناقشات مع إدارة بايدن لتجنب إزعاج البيت الأبيض، قبل أيام من الإعلان عن القرار.

وأشار التقرير إلى أن هذا السبب وراء عدم اتخاذ الأمر منحى صداميا، ففي الأحاديث الخاصة، عبر مسؤولو الإدارة الأمريكية عن اختلافهم مع التحرك، ولكنهم، حسب مسؤول أيرلندي بارز كانوا "يتفهمون سبب اتخاذ هذه الخطوة الآن، وقبلوها على أنها تطور حتمي".

وقال المسؤول في حديثه للمجلة: "لم تكن هناك محاولة اعتراض".

وأظهرت النقاشات هذه، المدى الذي حاول فيه حلفاء الولايات المتحدة حول العالم، موازنة مصالحهم السياسية في الداخل ورغبتهم بتجنب زيادة عدم استقرار الشرق الأوسط من جهة وإدارة علاقاتهم مع واشنطن، التي تعتبر من أشد المؤيدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، حسب تحليل مجلة "بوليتيكو".


وشدد التقرير على أهمية هذه النقاشات في ظل استمرار الحرب ومحاولة منع التوترات من الانفجار، والحفاظ على العلاقات الطويلة في وقت تواصل فيه إسرائيل حربها على قطاع غزة.

ونقلت المجلة عن مسؤول أمريكي مطلع على النقاشات، تأكيده أن واشنطن كانت واضحة في مباحثاتها مع أيرلندا وإسبانيا، نظرا لموقفهما الواضح: "الاعتراف بدولة فلسطين لن يكون مفيدا. ومع ذلك تأمل الولايات المتحدة ألا يؤدي التحرك الإسباني والنرويجي والأيرلندي لزيادة التوترات الدولية بشأن الحرب في غزة".

وقال المسؤول الأمريكي الذي طلب عدم الكشف عن هويته حتى يتحدث بصراحة: "نعتبر هذا واقعا لا يمكن تجنبه في السياسة الإسبانية والأيرلندية، ولدى النرويج أسبابها بسبب [اتفاقيات أوسلو]".

وكان هدف محادثات "أوسلو" هو بناء عملية سلام تقود إلى حل الدولتين، والتي انهارت في النهاية. وكانت دبلن مصممة على المضي بهذه الخطوة بدون أن تضر بالعلاقات القوية مع الساسة في الولايات المتحدة، وبخاصة بيت بايدن الأبيض.

ونتيجة لذلك، حرص دبلوماسيو وزارة الخارجية الأيرلندية على إحاطة نظرائهم في وزارة الخارجية الأمريكية وبشكل مستمر بأي نقاش يعقدونه مع الحكومات الأوروبية التي تفكر بنفس الطريقة، وتحديدا بلجيكا والنرويج ومالطة وسلوفينيا وفوق كل هذا إسبانيا، حيث تعمل كل هذه الحكومات على خطط اعتراف بالدولة الفلسطينية، وفقا للمجلة.

وذكر التقرير أن هذا شمل مناقشات شخصية مع مسؤولي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عقدت في آذار/مارس بذكرى حلول يوم القديس باتريك، وكذا عددا من المكالمات الهاتفية بين وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن والذي قاد المبادرة الأيرلندية ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. وتم إخبار واشنطن في مكالمة أخيرة بعد مصادقة الحكومة الأيرلندية على القرار ليلة الثلاثاء.  
وقال المسؤول الأمريكي للمجلة: "لم تكن هناك طريقة للتعبير عن نوايانا قبل أسابيع وأشهر والتأكد من عدم حدوث مفاجآت أو شكوك لا ضرورة لها في واشنطن".

وأضاف أن "الحوارات مع واشنطن لعبت دورا في الرسائل الصادرة من أيرلندا. وفي بيانه أكد رئيس الوزراء الأيرلندي سايمون هاريس على تطلع أيرلندا لاستئناف الدبلوماسية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وأن الاعتراف لا يعتبر بمثابة شريان حياة للمتشددين".

وكانت إدارة بايدن خائفة من تقوية الاعتراف حركة حماس و"لهذا حرصنا على التأكيد في رسائلنا أن أيرلندا ليست صديقة لحماس"، حسب المسؤول ذاته.

ورغم كل هذا، عبر المسؤولون الأمريكيون عن عدم ارتياحهم من السياسة. وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي إن إدارة بايدن "تؤمن بدولة فلسطينية تظهر من خلال المفاوضات المباشرة وليس الاعتراف من طرف واحد". 

 وحول عزلة الاحتلال المتزايدة قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إن "هذا مثار قلق لنا لأننا لا نعتقد أنه سيسهم في أمن وحيوية إسرائيل على المدى البعيد".

ووفقا للتقرير، فإن المسؤولين الأمريكيين قللوا خلف الأضواء من أهمية الإعلان. وفي ظل الدراما التي تتعلق بالشرق الأوسط هذا الأسبوع، من قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية طلب مذكرات اعتقال ضد مسؤولين بإسرائيل، فجهود الدول الثلاث قد لا تترك أثرا كبيرا، كما يزعم المسؤولون الأمريكيون. 


ونقلت المجلة عن مسؤول أمريكي قوله: "حاولوا تشكيل مجموعة كافية لإحداث ضجة، وبالنسبة لنا لم يحدث سوى هدير". وربما تعاملت الولايات المتحدة مع اعتراف هذه الدول بفلسطين كوسيلة ضغط على "إسرائيل".

وقال سوليفان، إن المسؤولين الأمريكيين أخبروا إسرائيل أن "هزيمة استراتيجية لحماس" ومتابعة التكامل في الشرق الأوسط سيساعدها على إنعاش هذه العلاقات. وفي الأسابيع الماضية انتقد المسؤولون الأمريكيون علنا العملية العسكرية الإسرائيلية.  

وشدد التقرير على أن التحرك من الدول الثلاث سيعزز الاعتراف بفلسطين، في حال تبعت دول أوروبية المسار نفسه، ومن بين 183 دولة عضوا في الأمم المتحدة تعترف 142 دولة بدولة فلسطين.

وقال مدير برنامج أمريكا بمجموعة الأزمات الدولية مايكل وحيد حنا، إن الاعتراف سيكون "تراكميا وتدريجيا مع مرور الوقت، وهذا يخبرنا أن الولايات المتحدة أصبحت وبشكل متزايد معزولة"، وفقا للتقرير.

وقالت فرنسا، الحليفة القوية للولايات المتحدة إنها قد تعترف بفلسطين لو توقفت المفاوضات بشأن حل الدولتين نظرا للمعارضة الأمريكية. إلا أن وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني قال إن باريس "لا تعتبر أن الظروف غير مواتية لهذا القرار كي يترك أثره على هذه العملية". وتعمل باريس على مسودة قرار في مجلس الأمن بشأن حل الدولتين ستقدمه في الصيف، حسب التقرير.