كتب عبد الله الشايجي: أخطر ما يمكن أن يحدث من تطورات كنتيجة لانفجار
العراق واستمرار النزف السوري والصعود الصاروخي المقلق للقوى الإسلامية المتطرفة كداعش في المشهد الإقليمي في
سوريا سابقا وفي العراق اليوم والحشد والتحشيد من رجال دين شيعه كآية الله السيستاني الذي دعا لحمل السلاح لمواجهة
داعش وحماية الوطن وهو ما رحب به وكرره رئيس الوزراء نوري المالكي وخرج علينا عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي بثياب عسكرية في استحضار لحرب طائفية يقودها متطرفو الطائفتين ما ينذر بتفجير المنطقة أبعد من العراق وسوريا.
كل تلك التطورات المقلقة هي نتاج للفشل الإستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية ومشروعها الشرق أوسطي الذي قاده الرئيس جورج بوش الابن وجماعة «المحافظون الجدد» وورثه عنهم الرئيس أوباما بأفكاره السطحية بعدم التدخل والاكتفاء بالمسكنات على أمل رحيل الأزمات. والفشل في استخدام أورق الثقل الأميركي «LEVERAGE»، يُضاف له الفشل في سوريا والانفتاح مع إيران ليس حول برنامجها النووي الذي وضعه الرئيس أوباما كأحد أهم أولوياته في الخطاب المهم الذي ألقاه في الأمم المتحدة في سبتمبر 2013-بل لتشكل تحالفا مع الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة الإرهاب والتطرف السني الذي تمثله القاعدة وأخواتها جبهة النصرة وداعش.هو إعادة رسم
خريطة الشرق الأوسط وإنهاء النظام السياسي بحدود سايس بيكو بعد قرن من قيام ذلك النظام على بقايا الإمبراطورية العثمانية..بالإضافة إلى تقسيم وتفتيت الدول وتشظيها بشكلها القائم اليوم..لذلك الخطر مما يجري في العراق اليوم وكذلك في سوريا يعيد خلط الأوراق ويزيد من المعضلة الأمنية في المنطقة وخاصة في منطقة الخليج العربي ودول مجلس التعاون الخليجي التي ترى بأن الولايات المتحدة الأميركية خفضت من أهمية منطقة الخليج العربي وأهمية دول مجلس التعاون الخليجي المشتبكة مع إيران في حرب باردة في وقت تبدو أكثر انكشافا أمنيا (كما رأى الأمير تركي الفيصل في مؤتمر عن الأمن في البحرين في شهر أبريل 2014) وكذلك تباينا سياسيا بعد أزمة سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر..
ما تشهده المنطقة من ارتباك غير مسبوق يتمثل بإهمال واشنطن لمطالب وتلبية هواجس حلفائها الخليجيين وفشل مفاوضات السلام في الشرق الأوسط وانسداد أفق أي حل سياسي أو عسكري في سوريا وخاصة بعد فوز الأسد بولاية ثالثة وتحقيق انتصارات عسكرية في مسرح العمليات آخرها استعادة كسب على الحدود السورية..وعدم ممارسة ضغوط واقعية على الحليف العراقي نوري المالكي بالرغم من تحذيرات حلفاء واشنطن الخليجيين وغيرهم من تداعيات سياسات المالكي في تهميش المكون السني ومحاربتهم ما سمح للجماعات المتشددة منطلقة من الفشل الإستراتيجي الآخر وعدم الحسم في سوريا سيقود لوضع أمني يهدد العراق والمنطقة ويعزز دور إيران المتنامي بما يخدم مشروعها وهيمنتها على المنطقة.. وهذا يفاقم القلق الخليجي ويسمح لقوى متطرفة لتستفيد وتوظف الفشل الإستراتيجي بسبب سياسات واشنطن الخاطئة..ليفضح صعود القاعدة ومجددا ممثلة بداعش التي أصبحت قوة مؤثرة باتت أقوى من دولة تسقط «الموصل» ثاني أكبر مدينة في العراق وتتمدد من شمال العراق إلى وسطه في ظل تهديد بزحفها إلى العاصمة بغداد..
كما أن دخول الولايات المتحدة الأميركية في مفاوضات سرية مع إيران حتى قبل انتخاب الرئيس حسن روحاني الذي يعطي إيران وجها حسنا ومعتدلا افتقدته في سنوات أحمدي نجاد الذي زاد من عزلة إيران والشكوك حول برنامجها..وفوق ذلك تتقارب وتنسق وقد تتحالف واشنطن أمنيا مع طهران اليوم للتنسيق الأمني لمحاربة الإرهاب خاصة بعد تردي الأوضاع الأمنية في العراق بعد انتصارات التحالف الذي تقوده داعش ويحقق تقدما وانتصارات باتت تهدد بغداد..
في الوقت نفسه تخوض دول المجلس بقيادة المملكة العربية السعودية حربا باردة مع إيران بين ضفتي الخليج في أكثر من موقع ومكان في منطقة الشرق الأوسط..أحد مؤشرات هذه الحرب الباردة كان الاستعراض العسكري السعودي«سيف عبدالله«-حيث عرضت للمرة الأولى الصواريخ الصينية البعيدة المدى التي استحوذت عليها السعودية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي وبحضور ملفت للقيادات السعودية وملك البحرين ورئيس هيئة الأركان الباكستاني.ما يؤكد أن السعودية هي الطرف العربي الوحيد ومعها دول الخليج العربية الأخرى أو معظمها من يقارع إيران اليوم ليشكل توازن رعب عسكري مع الجار الفارسي. وفي ذلك أكثر من رسالة لمن يعنيهم الأمر إقليميا ودولياً..يذكر بفترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي.. ثم أتت زيارة أمير دولة الكويت لتسعى لتحقيق تعايش سلمي DÉTENTE في ظل الحرب الباردة المحتدمة..ولكن لا يبدو أن إيران مهتمة بمصافحة اليد السعودية الممتدة إليها لفتح حوار حول القضايا الإقليمية المتباينة قبل حسم موضوع العراق والملف النووي وتثبيت حليفها الأسد في سوريا مستقوية بما تعرضه من خدمات في تشكيل جبهة صلبة في محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة في المنطقة ما يرفع من اسهمها ومكانتها لدى الأميركيين الذين يفكرون بالتحالف مع إيران اليوم!!ومطالبة سناتور نافذ هو لندسي غراهام بتشكيل ذلك التحالف حتى لا تسقط بغداد!!
هذا المشهد المرتبك وتغير التحالفات وتحول خصوم الأمس لحلفاء اليوم يعيد تشكيل خريطة المنطقة ليس جيو ـ إسترتيجيا فقط ولكن جغرافيا في ظل مخاوف من تغيير خريطة المنطقة وتفكك دول ومجتمعات. هذه المعطيات تزيد من حراجة «المعضلة الأمنية الإقليمية ومعها الخليجية.حيث حذرت جامعة الدول العربية بأن الوضع في العراق يهدد الأمن العربي والأمن الإقليمي معاً..وبالتالي يعقد ويهدد الأمن الخليجي ويزيد من معضلة الخليج الأمنية..خاصة في ظل حديث ملفت عن تحالف أميركي-إيراني لمواجهة الإرهاب وحصار المتطرفين والمتشددين..
ما يقلق دول مجلس التعاون الخليجي منذ خريف عام 2013 هو تقارب واشنطن مع إيران بدون تشاور أو إطلاع حلفائها الخليجيين. لا بل كانت هناك مفاوضات سرية رعتها واستضافتها دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي هي سلطنة عُمان..ما زاد من هوة الشك والانتقادات الخليجية..وتمثل ذلك بتصريحات علنية غير مسبوقة من المملكة العربية السعودية حول «تغير في العلاقة» ورفض مقعد في مجلس الأمن واتهام واشنطن وسياساتها بالسذاجة في التعامل مع «الإخوان المسلمين» والتخبط في تعاملها مع موجات التغيير الشعبي التي تُعرف بالربيع العربي..ووصل الأمر بدول الخليج يمكن بالمبالغة في شعور الهجران الأميركي والنكران الأميركي وتخفيضا للعلاقة الإستراتيجية مع واشنطن..وحتى التشكيك من هجرة دول الخليج لمصلحة إيران بسبب هوس واشنطن بالتوصل لاتفاق نووي قد لا يأخذ في الاعتبار هواجس ومطالب دول الخليج من دور وتدخل إيران في شؤون حلفائها الخليجيين والعرب ودعم خصوم واشنطن في المنطقة وخاصة الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان..وتبقى دول مجلس التعاون مع احتمال التوصل لاتفاق نووي نهائي في شهر يوليو 2014-مغيبة كليا عن تلك المفاوضات ضمن مجموعة (5+1).
(الوطن القطرية)