إخفاقات متعددة وذات أحجام كبيرة، تطوف حول رئيس الوزراء
الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، منذ توليه الحكم في إسرائيل وإلى الآن، وسواء تلك التي تمثلت بفشل سياسته التفاوضيّة مع الفلسطينيين، أو في اقناع المجتمع الغربي بضرورة عدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة، أو بالفشل الأبرز الآن، في عدم تمكن أجهزته الأمنية (الجيش والشاباك والشرطة) بما لديها من الوسائل الممكنة والخيالية، من الكشف عن المختطفين الإسرائيليين، أو – بِدقّة- تحديد الجهة الخاطفة، حيث أذهب الوقت والمال هدراً ولم يجد سمناً بعد.
مجموعة هذه الأفشال وغيرها، جعلته يدور حول نفسه من غير اتزان أمام نفسه هو وأمام السكان الإسرائيليين أيضاً، وخاصة الذين انتخبوه وانتظروا أن يأتيهم بنتائج أمنيّة جيدة، وسلاماً منقذاً لدولة إسرائيل في ذات الوقت، حيث أثبت في كل مرّة بأنه يجلب إليهم العكس ولنفسه أيضاً، وبدلاً من استخلاصه العِبر عقب كل فشل، يأبى إلاّ أن يواصل الأخطاء لزيادة الأفشال وكأنّه اعتاد عليها وحسب.
ضياع المستوطنين الثلاثة أوجد فرصة أمامه، لتزعّم سياسة حرب مزدوجة ضد عدوين لدودين السلطة الفلسطينية في الشرق، وحركة
حماس في الجنوب، في سعي منه لإذابة أوراق اللعبة، وخلق أخرى جديدة بالنسبة إلى العملية السياسية، والضغط بشكلٍ أقوى باتجاه تقويض اتفاق المصالحة الوطنية مع حماس، كون الاتفاق سحب من تحت قدميه المتورّمتين، حجتين قويتين أمام الغرب وأصدقاء آخرين، وهما على التوالي: أن الرئيس "أبومازن" لا يقول على كل الفلسطينيين وأن أي سلامٍ معه لن يُجدِ نفعاً، ثم الحفاظ على وسم حماس بالإرهاب وإلى ما لا نهاية.
فعلى الرغم من تقديره لمواقف "أبومازن" بالنسبة لبعض الأمور، وخاصة بشأن إدانته لعملية الخطف واستعداده لتقديم مساعدات، إلاّ أنها لم تمنع تغافله عنها ودحره لها جانباً، بسبب أنها ميّتة وهو لا يأكل منها ولا يشرب، وبالمقابل سعى بالضغط نحو فك شراكته الخاسرة مع حماس، باعتبار (الفك) هو السبيل الأوحد للمضي قدماً نحو السلام، مع علمه المسبق بأن تلك الشراكة هي غير قائمة وليست متاحة إلى الآن وفي المستقبل أيضاً.
كما أن نبرته اللينة بعض الشيء باتجاهه- كما الظاهر- لا تنفي أنه يُخفي عملاً ما ضده وضد السلطة بشكلٍ عام، بناءً على تحميلهما معاً مسؤولية الخطف منذ البداية، باعتبارها نتاج مباشر للاتفاق مع حماس. حيث بدأت علاماته تلوح من الآن فصاعداً، سواء بإحداث عمل ضد مكانته في الحكم، أو بالنسبة إلى العملية السياسية بشكلٍ عام، فهو جادّ وحتى في حال العثور على المفقودين، في إيجاد الوسائل لإضعافه من جديد، وطمس معالم السلطة إلى أدنى درجة، باعتبار أن لديه فرصة مواتية، تسمح بحرف الأنظار الدولية عن التعاطف أكثر باتجاهها، ولجرّها لصالح إسرائيل وقضاياها، بسبب أن الإجراءات العنيفة المتبعة ضد "أبومازن" والسلطة بشكلٍ عام، تجاوزت بكثير مسألة البحث والتفتيش عن المختطفين، حيث شملت تلك العمليات أنحاء الضفة العربية، ومُورست خلالها كافة النشاطات العدوانية من قتل واعتقال وهدم منازل وإغلاق مؤسسات، ناهيكم عن تضييق الخناق إلى الدرجة القصوى، ضد الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وكأنها إجراءات أُعِدت سلفاً تهدف إلى الانتقام من خطوات السلطة باتجاه المفاوضات، وذهابها جريحة إلى الأمم المتحدة، علاوةً على نوايا تهدف إلى ضرب مشروع الوحدة الوطنية، ونسخ حل الدولتين، وتكريس الاحتلال.
لكن "نتانياهو" وعلى الرغم من أن القوة بيديه في التصريحات وعلى الأرض، ويستطيع تنفيذ كل ما تقدّم ضد الرئيس "أبومازن" والسلطة، ويستطيع أيضاً الإغارة هنا على القطاع، إلاّ أن الإقدام على ممارسة هذه القوّة، لا تبدو سهلةً عليه إلى الأن، فعلى نطاق "أبومازن" فهو سيجد نفسه مرغماً بالتوقف عن تنفيذ ما يُوجب إضعافه أكثر، لأسباب متعلقة بضعفه في الأساس، علاوة على أن مواقفه باتجاه الحل السلمي عموماً، تبدو قوية أمام المجتمع الغربي والولايات المتحدة والإسرائيليين أيضاً، و"نتانياهو" هو فقط الذي لا يزال يُغمض عينيه أمام تلك المواقف المغدقة، كما أنه لا يستطيع أن يحلم من الآن فصاعداً، وإن بالصدفة، بوجود من يتصدر مواقف ليّنة كهذه، فهو الوحيد الذي يدين العنف، والوحيد الذي يقدّم تنازلات مؤلمة، والوحيد الذي أدان عملية الخطف، والوحيد الذي يُؤمن بأن التنسيق الأمني مقدّساً. وأما بالنسبة إلى السلطة، فإن "نتانياهو" سيحافط على وجودها، محافظته على عينيه، وكما هي بغير زيادة ولا نقصان، بسبب أنها تمثّل إحدى أهم إنجازات إسرائيل الاستراتيجية، بالنسبة لديه وحكومته على الأقل.
وبالانتقال إلى هنا، فقد كان تطرق "نتانياهو" وبنبرة أكثر شِدة، للحديث عن اقتراب عمل عسكري ضد حركة حماس، باعتبارها مسؤولة عن حفظ النظام ومسؤولة بدرجة أهم، عن فقدان مستوطنيها، وذلك ترتيباً على ما صدر عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" بأن الحركة ماضية على نهج المقاومة، وأن كتائب القسام تأخذ على عاتقها مسألة تحرير الأسرى، وفي تصريحات لاحقة بارك فيها صراحةً وبشكلٍ لا لُبس فيه عمل الخاطفين.
وإن كانت لدى "نتانياهو" رغبة شديدة واحدة، نحو عمل عسكري ضد القطاع، فإن لديه محددات أكثر تعمل على عرقلة تنفيذ تلك الرغبة، لا سيما عندما ينظر خلفه لآثار الحربين الفائتتين (الرصاص المصبوب أواخر 2008، وعمود السماء أواخر 2012)، واللتين خاضتهما إسرائيل ضد حركات المقاومة داخل القطاع، ولم تخرج إسرائيل بنتائج تُشكر عليها، بل كانت نتائجها مُخزية، على الرغم من توفر عنصري كلٍ منهما، المفاجأة المرفقة بالمزيد من النار المحرّمة، والمدّة القصيرة الخاطفة، سيما وأنه يتم الدفع بجيش يتوجب عليه العمل ضد عِدّة أفراد يقاتلون في منطقة تعتبر واحدة من أكثر مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية، كانت إلى جانب العقيدة القتاليّة لديهم كـ(مقاومة)، سبباً في تكبّده خسائر، ربما تكون أعلى نسبةً إلى العدد والعدة لدى أولئك المقاتلين، علاوة على عدم جني أهداف كانت مضمونة في دفاترهم.
إذاً، فالتهديدات الإسرائيلية ليست واجبة التنفيذ بالمطلق على "نتانياهو" ولا على من يلف لفّه، بسبب أنها مجرد أوهام لا طائل من ورائها، خاصةً وأنه يفهم بأن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، لا يسمح له بأن يُلقي بجيشه وسط الزحام إلى التهلكة، من أجل تغيير واقعٍ لا يتغيّر إلى الأقل، وإنما يأخذ في النمو والتطور، علاوة على ما يمكن أن يلحق به وبحكومته وبإسرائيل عموماً، من تبعات دولية، من إدانة وانتقاد وتقدمات نحو إمكانية إحالة إسرائيليين وهو على رأسهم، أمام المحاكم الدولية بسبب مسؤوليتهم عن جرائم حرب.
خانيونس/ فلسطين
24/6/2014