كتاب عربي 21

هل من حل لمشكلة الاقتصاد المصري؟

1300x600
أوردنا  في المقال الأخير العوامل التي تقيد أيدي الحكومة المصرية عن أن يكون لها دور في حل أي مشكلة اقتصادية تواجها البلاد أو التأثير على قرارات الاستثمار، نظرا للعجز المزمن في الموازنة العامة للدولة، فأرسل لي أحد القراء تعليقا على المقال يسأل عن الحل للازمة الاقتصادية في مصر وعلى فرض سقوط الانقلاب أورده ببعض التصرف.

"مصر فقيرة حضاريا واقتصاديا ليس لديها قدرة على الإنتاج، ومشكلة النظام الرأسمالي العالمي إنه لا يمكننا أن نستفيد منه، ولا يمكننا خلق آفاق جيدة وأبعاد الصراع محسومة ومرسومة بالإضافة إلى أن الثروة أصبحت محدودة، وآليات جني الثروات أصبحت في الدول الكبرى أكثر دقة وعمق والأكثر حسما من ذي قبل وكي تحقق مكاسب فلا بد من التنازل ضمانا لاستمرار السلام العالمي والاقتصاد الحر لا غبار عليه، ولكنه يعني مزيد من الانفتاح على الخارج".

فهل مصر حقا  فقيرة، وهل مصر لا تمتلك موارد، وهل مصر لا تستطيع الاستفادة من السوق الرأسمالي، والحقيقة أن الاقتصاديين على اختلاف مدارسهم حاولوا الإجابة على هذه الأسئلة، ومع تجارب التنمية الحديثة، يوجد نماذج متعددة للتنمية، فمع أواخر القرن الثامن عشر بدأت كل من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بإنتاج ما يحتاجه المجتمع.

كانت تجارب التنمية في هذه الدول قائمة بالمقام الأول لتلبية الحاجات الأساسية للسكان فقد شهدت هذه الفترة بداية التصنيع - مع تحقق فوائض زراعية ثم الانتقال إلى حياة المصنع ثم ما لبث أن تحولت جذوة الصناعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل القرن العشرين أن يكون لها السبق في أن تكون لها قوة اقتصادية قوية للغاية على أيدى عظماء الصناعة الأمريكية خاصة الاقتصادي البارز هنرى فورد الذي استطاع ولأول مرة أن ينقل التصنيع نقلة نوعية للغاية بابتكارة فكرة خطوط تجميع الإنتاج ثم ما لبث هنري فورد أن رفع أجور العمال لتصبح خمسة دولارات في اليوم  في عام 1914 وقلل ساعات عملهم بدلا من 60 ساعة في الأسبوع ليجعلها 40 ساعة في الأسبوع فقط والذي استنهجه كل رجال الصناعة في عصر واتهمو هنرى فورد بالجنون.

ولكن قرار هنري فورد كان ذكيا للغاية فما إن بدا بهذه السياسة حتى زاد عدد مالكي السيارات في أمريكا ب 15 مليون أمريكي وبطبيعة الحال فقد أدت هذه السياسة إلى مزيد من الإنتاج والدخل القومي 

وقد كان الدرس الأمريكي في مطلع القرن العشرين مصدر ذهول من الاقتصاديين اللذين لم يتوقعوا أن يزيد الطلب على سيارات فورد ولا حتى أن شركة فورد ستعظم من أرباحها، وقد كانت فكرة عبقرية حيث إن زيادة الإنتاج دفعت إلى زيادة دخول العمال، ومن ثم زيادة الاستهلاك مرة أخرى ومن ثم زيادة الإنتاج والأرباح والتوظف مرة أخرى.

الحلقات المفرغة للفقر

إذا أرادت مصر أن تخرج من أزماتها الاقتصادية وفق الفكر التنموي فعليها أن تكسر الحلقة الأولى من حلقات الفقر، والتي ترتبط ارتباط وثيق بزيادة الإنتاج، فزيادة الإنتاج هو المرحلة الأولى لإعطاء دفعة قوية  للاقتصاد المصري يتم من خلالها زيادة حجم الاستثمار المحلى، وذلك لن يتم على الإطلاق إلا في جو من الحريات السياسية التي لم ولن يسع العسكر إلى إيجادها، فالعسكر مؤمنون بفكرة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وزيادة نصيب الجيش من النشاط الاقتصادي، وقد يكون هذا أمرا رائعا إذا كان الجيش يمثل حلقة الطلب في عملية الإنتاج، وليس أن يكون الجيش هو جانب العرض أو منتجا بنفسه في عملية الإنتاج خاصة في الصناعات الاستهلاكية التي بمقدور القطاع الخاص أن يوفرها، وقادر على إنتاجها.

المشكلة الأكبر لا تكمن فقط في رغبة الجيش في السيطرة على أدوات الإنتاج، لكن التسهيلات الممنوحة للجيش، والتي تجعله دولة داخل الدولة فكل المشاكل الإدارية والبيروقراطية التي يعاني منها القطاع الخاص لا مكان لها وتقف عند أعتاب الجيش، حتى حصة الدولة من الضرائب لا يدفعها الجيش للدولة مما أدى إلى نقص في الإيرادات العامة للدولة. 

إن ما يحدث من عدم معرفة من هو القائد في عملية التنمية هل هو القطاع الخاص أم الحكومة متمثلة في الجيش والقطاع العام الذي أوشك على الانهيار، والذي أدى إلى غياب الرؤية وأحجام القطاع الخاص عن المنافسة، ناهيك عن غياب المنافسة كل ذلك أدى إلى تدهور في حجم الإنتاج القومى، ونتيجة لذلك أصبحت الصناعة المصرية تعتمد اعتمادا كبيرا على الخارج لتوفير احتياجاتها، مما أدى إلى عجز الصناعة عن استيعاب الطاقات العاملة المصرية، وهو ما يتجلى قويا في اشتداد أزمة البطالة المصرية.

فكسر حلقات الفقر يتم بالاعتماد على السوق المحلية كعنصر رئيسي ومحدد لعملية التنمية، والسوق في مصر واسع وضخم للغاية والدليل الأكبر على ذلك هو زيادة الواردات إلى 75 مليار دولار في حين أن الصادرات لا تتجاوز بأي حال من الأحوال 25 مليار دولار.

ومن هنا فإن الأولى أن يتم التوجه بالإنتاج للداخل من أجل إشباع الحاجات الأساسية كهدف لعملية التنمية، فزيادة الإنتاج خاصة في الصناعات الاستهلاكية مثل الأغذية والملابس والأحذية ستؤدى حتما إلى زيادة الاستهلاك في مصر، ومن ثم زيادة الأرباح والاستثمارات والتوظف في الاقتصاد المصري.
 
إذا حل مشكلة الاقتصاد المصري الأولى تنبع بالمقام الأول بزيادة الإنتاج القائم على إشباع الحاجات الأساسية في مصر، لكن السؤال الهام كيف يمكن أن نزيد الإنتاج والجيش يسيطر على أدوات الإنتاج والاقتصاد تسوده الاحتكارات، والتي تغلق أبواب المنافسة في وجه كافة اللاعبين الاقتصاديين، وفي ظل غياب كامل للرقابة من قبل الدولة على جودة الإنتاج، فهل نحلم يوما أن تكسر القيود وتحل الأزمات وتزداد الدخول، لعل يوما ما يصبح الحلم حقيقة.