عندما بدأت القبائل في الكويت تسمي مرشحها لانتخابات مجلس الأمة، كتبت هنا أن هذا فأل سيئ في بلد يعمل بالدستور. فالنائب تقترع له منطقة معينة، لكن في اللحظة التي يدخل فيها البرلمان يصبح «نائب الأمة».
بالأمس قاطع المجلسَ النوابُ الشيعة التسعة في هرطقة دستورية وشطط وطني لا سابقة لهما. فهؤلاء السادة لم ينتخبهم ناخبون شيعة فقط، بل ناخبون كويتيون. ولم يُنتخبوا من أجل أن يقاطعوا المجلس من أجل إيران، ولا بسبب إدانة القضاء لمتهمين بالإرهاب والقتل وزعزعة الأمن.
عرفنا في مجلس الأمة الكويتي أسماء لكتل كثيرة كانت جميعها تحمل أسماء وطنية، مهما كان انتماء أصحابها. لم يحدث إطلاقا شيء في خطورة هذه السابقة إلا الاحتلال، الذي ألغى بالقوة مفهوم الوطنية ومعنى الانتماء وقسم الولاء وحرمة الدولة والدستور.
مرت التجربة البرلمانية الكويتية بأزمات عدة منذ بدئها مع الاستقلال. وشهدت أحيانا تسخيفا فاضحا للأصول البرلمانية وأصول المعارضة. لكن في أي من الأزمات لم يحدث نقض لمفهوم الدولة ووحدة الوطن، كالذي حدث بالأمس. حتى تسمية القبائل للمرشحين، على شططها، لم تبلغ مستوى الطعنة التي شاءها النواب التسعة؛ جماعية وتحت مظلّة طائفية معلنة.
هناك واقع سقيم في هذه الحياة العربية لا يمكن إنكاره. صحف تمثل المذاهب، وأصوات تمثل كهوف تورا بورا، وتصدع اجتماعي معل وخطر، ومناخ جاهلي مفزع ومريع. لكن كان يفترض ألاّ ينضم البرلمانيون إلى هذه القوافل المتجهة نحو عتم الماضي. المفروض أن لهم منبرا يقولون منه ما يشاؤون، ويدافعون عن سلامة الدولة وسلم الوطن وأمن الناس وسكينة المساجد وطمأنينة المصلين.
أما أن يعترضوا جماعيا على كل ذلك، فعمل مخيف حقا. كان بإمكانهم ضم ولو نائب واحد من طائفة أخرى، أو أن يكون عدد المتغيبين ثمانية بدل تسعة، لكي يخففوا من وطء الصدمة وحجمها. ليس فقط على الكويت والكويتيين، بل علينا جميعا.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية