شأن الملايين خارج الولايات المتحدة، سهرت أمس إلى الثالثة فجرا لكي أشاهد المناظرة الأولى بين أول امرأة مرشحة لرئاسة أمريكا والظاهرة الشعبية دونالد ترامب. لا شيء كان متوقعا. لا سطوع هيلاري كلينتون إلى هذه الدرجة، ولا خسوف ترامب إلى هذا الحد.
في قاعة محدودة، وأمام جمهور منتقى، فقد ترامب القدرة على التعبئة والإثارة. كان عليه أن يجيب عن أسئلة محددة وقضايا محددة ومواقف محددة. وفي مثل هذا المناخ الجدّي والدقيق، لم تنفع شعاراته المتكررة، ولا جمله العائمة، ولا تعابيره غير المترابطة، في حين كانت السيدة التي بالتايور الأحمر عكسه تماما.
هدوء شبه مطلق، ودقة مطلقة، وكلام مسؤول، وحضور غير متوتر، ولا موتر. وطوال الوقت، كنت أصغي وأفكر في حالنا، لا في أمريكا. من هو الرئيس العربي الذي يخوض معركته الانتخابية على أساس الوظائف والاقتصاد وأحوال الطبقة الوسطى، بدل أن يعدنا بالمجد وهزم الإمبريالية، ويرسل «أمريكا» إلى الموت؟
ومن هو الرئيس الذي يريد أن يحمي اليد الوطنية العاملة من المنافسة، أو يعتبر العمال قضية كبرى تليق بزعامته التاريخية؟ أجابت كلينتون، وأجاب ترامب، عن كل سؤال طُرح عليهما بما يدل على أنهما أجهدا النفس في التأهل للمنصب، وإن تكن هي قد فاقته بلغتها الأدبية، ومصطلحاتها المحددة، وأجوبتها المقنعة، إضافة إلى أسلوبها الطاغي في دفع النقاش في اتجاهاتها.
كنت أفكر، بكل حزن ويأس وأسى، بأدبيات المعركة الرئاسية في لبنان، وعلى أي مستوى تُخاض، وما القضايا المثارة فيها. بينما يطرح كلينتون وترامب نفسيهما للمبارزة أمام الناس، يخوض الجنرال ميشال عون معركته تحت شعار واحد: أنا أو لا أحد.
وكان لبنان يفاخر بأنه الدولة الوحيدة التي فيها رؤساء سابقون أحياء. أما الآن، ففي السنغال أربعة منهم.
وفيما يريد ترامب إنشاء جدار على الحدود مع المكسيك، لم يطرح مرشح رئاسي حماية الحدود من السلاح في الاتجاهين؛ لأنه يخسر فورا الحق في الترشح. طرحت كلينتون نفسها سيدة خليقة بالمقعد الذي تتطلع إليه في صياغة ارتقت بالخطاب السياسي، وظل ترامب غاضبا، ولا جمال في الغضب، كما قال غوته. الناس تخاف الموتورين، ولا تأمن لهم.
الشرق الأوسط اللندنية