نشر موقع "ذا أتلانتك" مقالا، أعده كل من تشارلي وينتر وعبدالله السعود، تحت عنوان "موت منظر
تنظيم الدولة".
ويبدأ الكاتبان مقالهما، الذي ترجمته "
عربي21"، بالقول إنه "في العام الماضي، نشر تنظيم الدولة شريطا للتدريب، الذي يعد جزءا من سلسلة صورت في العراق، وبمشاهد لتمارين مشي وتصويب وكراتيه، ولولا المشهد الذي التقط في قاعة مدرسية، حيث يقوم مدرب بعرض المقرر الأيديولوجي الواجب على المجندين كلهم تعلمه، وأثناء تقديمه سلسلة من الموضوعات الشرعية الجهادية، يمكن للمشاهد رؤية مخطوطة سميكة موضوعة على كل مقعد من المقاعد العشرين في القاعة، ومع أنه لا أحد خارج الدوائر الجهادية يعرف ماهية هذه المخطوطةـ إلا أنها تعد مهمة لتنظيم الدولة، كونها كتابا عقديا يستخدم لتبرير الأعمال الشنيعة التي يرتكبها التنظيم".
ويشير المقال إلى إعلان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" عن مقتل أبي عبدالله المهاجر، مؤلف هذا الكتاب، حيث استهدفته طائرة أمريكية في نقطة من شمال شرق سوريا، لافتا إلى أن ما يثير أن المهاجر عندما قتل لم يكن عنصرا في تنظيم الدولة، ولكن كان في "جبهة فتح الشام" أو "جبهة
النصرة سابقا".
ويقول الكاتبان إن "الظروف المحيطة بحياة المهاجر تظل غامضة، حيث إنه جاء من أصول ريفية، ولم يظهر أمام الكاميرا لأول مرة إلا في حزيران/ يونيو العام الماضي، وفي غياب المعلومات المسجلة عنه، إلا أن المهاجر المصري الجنسية كان من المحاربين السابقين في الحرب الأفغانية، وارتبط بتنظيم
القاعدة طويلا، وترك أثرا كبيرا في تطور الفكر الجهادي في العقود الماضية، ومن الصعوبة بمكان التقليل من أهمية المهاجر، ودونه لم يكن ليظهر لا تنظيم الدولة ولا تنظيم القاعدة".
ويؤكد الموقع أنه "من أجل فهم أهمية مشاركة المهاجر لا بد من العودة إلى بداية الحركة الجهادية العالمية في الثمانينيات من القرن الماضي، التي بدأت بعد الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عام 1980، ففي هذه الساحة شحذ المهاجر أسنانه الجهادية، واختلط مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، والرجل الذي حل محله على رأس التنظيم أيمن الظواهري، وقاتل معهما، وذلك بحسب المنظر الاستراتيجي في حركة طالبان مصطفى حميد، وحاول التعبئة ضد حركة طالبان وابن لادن، واعتبر الحركة الأفغانية متساهلة إلى حد كبير، ومنع ابن لادن ذات مرة من دخول معسكر تدريب كان يديره في خالدان".
ويستدرك المقال بأنه "رغم موقف المهاجر الرافض في بداية حياته الجهادية، إلا أنه بدأ يخفف من مواقفه في مرحلة لاحقة، وعاد إلى التيار الرئيس في تتظيم القاعدة، ليصبح من أهم المرجعيات الدينية لديه، والتقى مع أبي مصعب
الزرقاوي، الذي أسس تنظيم القاعدة في العراق، والرجل الذي يعد أهم شخصية في أدبيات تنظيم الدولة اليوم، وترك المهاجر انطباعا لدى الزرقاوي، الذي استخدم في عام 2005 أعمال المهاجر المكتوبة ليبرر أفعاله العشوائية ضد المدنيين، ولم يتوقف الإعجاب هنا، فبحسب رفيق الزرقاوي ميسرة الغريب، فقد حاول الزرقاوي إقناع المهاجر بالقدوم إلى العراق ليتولى اللجنة الشرعية التي أعلن عن تأسيسها، وعندما فشل في إقناع المهاجر قرر استخدام كتابين من كتبه بصفتهما مقررين رئيسيين في معسكرات التدريب في العراق، ويشار لأحدهما باسم كتاب (فقه الدماء)".
ويلفت الكاتبان إلى أن "كتب المهاجر مثلت النظرية وراء الممارسة، وكان في هذا هو العقل وراء الممارسات المبالغة بالعنف، التي قام بها الزرقاوي، وستظل مشاركته الفكرية حاضرة حتى بعد وفاته، وتحتوي كتبه على معالجة (فضائل) الذبح والتعذيب وحرق السجناء، بالإضافة إلى أفكاره حول الإعدامات، وحروب الحصار، واستخدام السلاح البيولوجي، ومن هنا تظل مشاركة المهاجر مهمة في أدبيات تنظيم الدولة، وما سيأتي بعده، ويمكن استخدامه لما يعد حلالا طالما تم تبريره على قاعدة الفائدة لقضية الجهاد".
ويفيد الموقع بأن "هذا الأمر كان واضحا في سياق التفجيرات الانتحارية، التي يتميز بها عنف السلفية الجهادية، وخلال عقد من الزمان، رغم الآيات القرآنية الواضحة التي تحرم قتل الإنسان لنفسه (الانتحار)، وبحسب المهاجر، فإن الانتحار من أجل قتل الناس لا يعد في حد ذاته عملا دينيا فقط، بل هو عمل يشجع عليه ويستحق الثناء، ويجب الاحتفال به مهما كانت النتائج".
وينوه المقال إلى أنه "في الوقت الذي لم يرفض فيه الأستاذ السابق للزرقاوي، أبو محمد
المقدسي جواز العمليات الانتحارية، إلا أنه عبر عن قلقه من (فتح الباب مشرعا) لهذا الأسلوب، ومقارنة مع هذا يتعامل المهاجر مع هذا الحذر دون اهتمام، وكان نقاش المهاجر مقنعا بدرجة جعلت الزرقاوي، كما اعترف، يغير رأيه، وكان يؤمن بعدم جواز العمليات الاستشهادية، وتحدث عن تأثير المهاجر عليه، بصفته سببا لدفعه لتبني التكتيكات بشكل كامل في العراق في بداية العقد الأول من القرن العشرين، وكانت مرحلة أدت إلى أسوأ أعمال عنف طائفي في حرب العراق، واختار تنظيم الدولة أن يبدأ مقدمة كتاب (فقه الدماء) بمقتطفات من خطاب الزرقاوي، في رد على أستاذه السابق أبي محمد المقدسي".
وينقل الكاتبان عن الزرقاوي، قوله: "عندما أفرج عني من السجن، وذهبت إلى أفغانستان مرة أخرى، والتقيت بالشيخ أبي عبد الله المهاجر، واستمر النقاش بيننا حول حكم العمليات الاستشهادية، وكان الشيخ مع رأي جوازها، وقرأت أبحاثه المهمة حول هذا الموضوع، واستمعت للكثير من تسجيلاته، فتح الله قلبي في النهاية لرأيه، ولم أعد أراها حلالا فقط، بل مرغوبا فيها".
ويذكر الموقع أنه "منذ بداية التغيير في الموقف لم ينظر الزرقاوي ولا أتباعه إلى الوراء، واستخدموا بطريقة موسعة أعمال المهاجر لتبرير أساليبهم التكتيكية في العمليات الانتحارية، التي أصبحت أهم وسيلة عسكرية إرهابية- دفاعية، أو هجومية- متوفرة لدى تنظيم الدولة اليوم".
ويتساءل الكاتبان: "لكن كيف برر المهاجر نظريا هذه العمليات؟"، ويقولان إنها "كانت سهلة، حيث قدم المبرر الديني بشكل يسمح لمن يرغب في تجنب المبادئ القرآنية التي تحرم قتل النفس، وبنى تبريره على (أهداف ونية) الهجمات، فمن ينوي قتل نفسه وينهي آلامه فإن عمله حرام؛ لأن هذا الشخص جاهل برحمة الله، لكن إن كان قتل النفس للحفاظ على الدين والدفاع عنه، فإن هذا الفعل يعد مشرفا".
ويذهب المقال إلى أن "كلام المهاجر ليس جديدا، فهناك الكثير من العلماء قبله قدموا الرأي ذاته حول العمليات الانتحارية وجوازها، وقال عدد منهم إن الهجمات الانتحارية تصبح جائزة لو كانت نية المهاجم صحيحة، مشيرين إلى أن الهجوم هو الخيار الوحيد في وضع الحرب، وأن العمليات الانتحارية ستترك منافع للمجتمع المسلم، وبالنسبة للمهاجر فقد خفض من سقف (المنافع)، فهو يرى أن الهجمات ليست بحاجة لأن تسفر عنها نتائج تؤثر في مسار الحرب حتى تعد جائزة، فما يجب توفره بالمهاجم هو السبب الصحيح ليدفعه للموت، ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء كي يفهم أن المرونة في أعماله تلعب لصالح تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة".
ويخلص "ذا أتلانتك" إلى القول إنه "رغم أهمية أعمال المهاجر لتنظيم الدولة، إلا أن نهايته جاءت على الطرف الآخر، وبحسب قائد سابق في جبهة النصرة، فقد كان عداء المهاجر لتنظيم الدولة كبيرا، لدرجة أنه تمنى الموت على الجبهة وهو يقاتل أتباع (الخلافة)، وأيا كانت الحال، فإن ظروف مقتله تظل غير مهمة في سياق مساهمته، التي تتجاوز هوية الجماعة، خاصة عندما تكون لديها القدرة على تشكيل التاريخ".