في حكم قضائي بالإعدام هو الثاني بعد فوز رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح
السيسي، بولاية رئاسية ثالثة، قضت محكمة مصرية، الاثنين، بإعدام 8 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بقضية "أحداث المنصة"، في أحكام قاسية، وتأتي قبل نحو شهر من زيارة السيسي، إلى
تركيا؛ ما دفع مراقبين للتأكيد على وجود رسائل من هذا الحكم.
الحكم الصادر بالإعدام شنقا، جاء بحق مرشد الإخوان المسلمين، محمد بديع، والقائم بأعمال المرشد، محمود عزت، والقياديين بالجماعة، محمد البلتاجي، وعمرو زكي، ووزير الشباب الأسبق، أسامة ياسين، والدعاة الدكتور، صفوت حجازي والشيخ محمد عبد المقصود، والقيادي في الجماعة الإسلامية، عاصم عبد الماجد.
وقضت الدائرة الأولى "إرهاب" بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، أيضا، بالسجن المؤبد لـ37، والمشدد 15 عاما لـ 6، والمشدد 10 سنوات لـ7، فيما برأت 21 آخرين.
وعن قراءته، للرسائل التي قصد النظام توجيهها لجماعة الإخوان المسلمين وإلى المعتقلين السياسيين والمطالبين بحل هذا الملف الخطير والأقدم في عهد السيسي، وأيضا إلى المنظمات والجهات الدولية المنتقدة لملف حقوق الإنسان، تواصلت "عربي21" مع القاضي المصري المستشار، أيمن الورداني.
وقال الورداني، وهو رئيس محكمة الاستئناف: "دعنا نسلم أن المؤسسات في مصر أصبحت كلها بقبضة النظام العسكري أو الانقلاب بمعنى أوضح، والقضاء للأسف الشديد أصبح من أذرع هذا الانقلاب، ويُصدر أحكامه تبعا لرغبة القيادة السياسية أو لنقل بمعنى أكثر صراحة بتوجيه منها".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أنه "بلا شك أن وجود القيادات السياسية من المعارضة داخل السجون المصرية وسواء كانوا من الإخوان المسلمين أو غيرهم فهم يمثلون رهائن وأسرى في سجون الانقلاب، الذي يتعامل معهم بهذا المفهوم كورقة سياسية يمكن الضغط بها أو الحصول من خلالها على مكاسب سياسية أو اقتصادية".
وفي إجابته على السؤال: هل يريد النظام زيادة الضغط بهذا الملف للحصول على مكاسب أكبر، خاصة في ظل توقعات البعض بأن يكون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان دور مستقبلي في الحديث عن هذا الملف خلال لقائه بالسيسي المقرر الشهر المقبل في أنقرة؟
أجاب الورداني، بالقول إن "صدور أحكام بالإعدام موجهة بالطبع ضد قيادات من الإخوان المسلمين في وقت يتزامن مع إعادة العلاقات المصرية التركية وما تمر به مصر من ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة؛ يمكن أن تشكل ورقة ضغط لفرض أو الحصول على مطالب سواء سياسية أو اقتصادية".
ويرى أن "ذلك بهدف إطالة أمد بقاء الانقلاب والذي يمر بظروف صعبة على كل الأصعدة، ويتوقع قائده أن ينتهي نظام حكمه بأي وقت في ظل التغيرات والظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد".
وختم الورداني، حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولا يجب أن نغفل هنا الهدف الإعلامي من صدور هذه الأحكام لإثارة نوع من الجدل لشغل الرأي العام عن الانتقادات الواسعة لخذلان أهل غزة وإغلاق معبر رفح أمام المساعدات، فيما أصبح يمثل لدى الرأي العام الداخلي والخارجي خيانة من النظام السياسي المصري".
"الثاني مع الولاية الجديدة"
يأتي الحكم ببلد يصنف الثالث عالميا بتطبيق عقوبة الإعدام، بعد الصين وإيران، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية 2021، وهو العام الذي شهد تنفيذ سلطات السيسي، أكثر عدد لأحكام الإعدام بـ(83 حكما).
ويعد هذا حكم الإعدام الثاني بحق معتقلين مصريين بعد فوز السيسي، بولاية رئاسية ثالثة حتى عام 2030، في انتخابات مهندسة لصالحه وخلت من المنافسين، وجرت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فيما يأتي بالتزامن مع حرب الإبادة الدموية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي للشهر الخامس تواليا على قطاع غزة.
وبعد فترة هدوء في إطلاق أحكام الإعدام وتنفيذها في مصر العام الماضي، عاد الملف الحقوقي الأشد قسوة طيلة نحو 11 عاما بحق المعارضين للواجهة مجددا، وذلك بعد تثبيت "محكمة النقض" المصرية، حكما بالإعدام شنقا بحق 7 من المعتقلين المصريين، في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي.
ومنتصف 2021، جرى تأييد الحكم الصادر بإعدام 12 من قيادات جماعة الإخوان، هم: "عبد الرحمن البر"، و"محمد البلتاجي"، و"صفوت حجازي"، و"أسامة ياسين"، و"أحمد عارف"، و"إيهاب وجدى"، و"محمد عبد الحي"، و"مصطفى عبد الحي"، و"أحمد فاروق كامل"، و"هيثم السيد العربي"، و"محمد محمود زناتي"، و"عبد العظيم إبراهيم".
اظهار أخبار متعلقة
ووفق حقوقيين، فإن أغلب قيادات الإخوان المعتقلين، جرى وضعهم معظم الوقت بزنزانة انفرادية، ممنوع عنهم زيارة أسرهم أو لقاء هيئات دفاعهم، وصاروا رهن محبسهم لا يغادرونه بعد أن طالتهم أحكام قاسية بعضها بالإعدام والأخرى بالمؤبد، والتي وصفتها منظمات حقوقية محلية ودولية بالأحكام المسيسة، وشككت في إجراءات المحاكمات واعتبرتها غير قانونية.
ومع الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، (قائد الجيش)، ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013؛ أطلق السيسي، حملة أمنية موسعة، واعتقل الآلاف من قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضين لنظامه.
وأتبع حملته الأمنية، بمخالفات واسعة لحقوق الإنسان، بينها القتل خارج إطار القانون، والإخفاء القسري، والتعذيب، والمحاكمات أمام القاضي العسكري، وأمام محاكم استثنائية، مع حرمان المعتقلين من كافة حقوقهم التي يكفلها القانون في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما كشفت عنه مئات التقارير الحقوقية.
ويصل عدد المعتقلين الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام نهائية واجبة النفاذ 211 مصريا، منهم 105 تم تنفيذ حكم الإعدام في حقهم بالفعل، فيما يواجه 106 معتقلين آخرين تنفيذ الإعدام بأي لحظة، وفقا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
ووفق رصد "كوميتي فور جستس"، فإنه من (2015 إلى 2021)، جرى تنفيذ 105 أحكام بالإعدام، بـ23 قضية، 7 منها عام 2015، وحكم واحد في 2016، ليتصاعد تنفيذ الأحكام ليصل 15 حكما في 2017، ثم 14 في 2018، و18 في 2019، ليشهد 2020 تنفيذ 25 حكما بالإعدام، ثم 18 حكما في 2021، ليظل العام 2022 هو الأكثر في تنفيذ الأحكام بـ83 حكما.
وفي المقابل، تصف جماعة الإخوان تلك الأحكام بـ"الانتقامية والجائرة"، قائلة إنها "مفتقدة لأدنى درجات المصداقية والخالية من العدالة والنزاهة"، مطالبة، العالم الحر، بكل مؤسساته ومنظماته، بوقف تنفيذها.
"غير مدرج بأجندة الأتراك"
وفي تعليقه، قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، أشرف عبد الغفار: "لن يفكر السيسي ونظامه الفاشي بحل مشكلة المعتقلين، وإن نظامه يقوم على مكافحة الإخوان تحت عباءة مكافحة الإرهاب، وقد عمل وزيرا بحكومة الإخوان، ويعلم تماما أنها قصة مختلقة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد الحقوقي المصري أنه: "في عداء صفري مع الإخوان ويخشى عودة أي كيان منظم حتى بعد تطمينات الإخوان غير المنطقية له، وواهم من يفكر أن هناك مصالحة يمكن أن تتم بينهما، فالسيسي جاء على أساس القضاء النهائي على الإخوان، وتنفيذا لرغبة مموليه بالإمارات والسعودية، وبقاء السيسي، مرهون بغياب الإخوان ".
وحول الرسائل الكامنة خلف هذا الحكم، يعتقد عبد الغفار، أنه "لا يفكر أحد بحلول ولو جزئية للملف، أو حتى مجرد المناقشة، حيث استبعدت لجنة الحوار الوطني مجرد مناقشة الأمر، وصرح رئيسها (بوق النظام) ضياء رشوان، قائلا إن الطلاق بائن مع الإخوان".
ويرى أن "الحكم لا قيمة له في حد ذاته، لأن أحدا لن يُعدم مرتين"، موضحا أنه "لذلك فالرسالة للإخوان وأي وسيط يريد الحديث بأمر المعتقلين وفق رأيي، ألا يبحث عن تطمينات وتنازلات طالما المعركة صفرية ومتعلقة بوجوده وتمويله".
وعن مدى وجود علاقة بين الحكم ولقاء السيسي أردوغان في أنقرة، قال السياسي المصري، إن "الرئيس أردوغان لم ولن يناقش مع السيسي هذا الملف، وأظنه كذلك ملفا غير مدرج بأجندة الأتراك، وهو تغير وضحت معالمه منذ سنوات في إطار إعادة العلاقات مع مصر".
وأشار إلى أن "تركيا اعتبرت أن مصلحتها مع الدولة المصرية -أيا كان حاكمها- وليس مع الإخوان- وأنهم يتحملون المسؤولية- لأنهم لم يقدموا أي تصور يريدون به تحريك قضيتهم أو حلها لا دبلوماسيا ولا قضائيا ولا في مجال حقوق الإنسان".
"محاكمة الضحايا"
وفي تعليقه، على أحكام الإعدام الجديدة، قال الكاتب الصحفي، قطب العربي، إن "أحكام الإعدام السياسية... أحد الأسباب الرئيسية لأزمة مصر الاقتصادية"، مؤكدا عبر تغريدة له على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "هذه مظالم تؤذن بخراب العمران".
ولفت العربي، إلى أنه "في مذبحة المنصة التي صدرت أحكامها الظالمة، كان الجاني هو الشرطة وميليشيات السلطة التي حضرت للاعتداء على الاعتصام السلمي في رابعة، فقتلت أكثر من 120 معتصما، ولم يحاكم أحد على تلك الجريمة بل تم تحميلها للضحايا أنفسهم"؛ متسائلا: "هل بعد ذلك من ظلم؟، وهل تنتظرون فرجا قريبا بعد هذا الظلم؟".
وليل 26 تموز/ يوليو 2013، ارتكبت الشرطة المصرية وهي مسلحة بالرصاص الحي والخرطوش وقنابل الغاز المسيلة للدموع وزجاجات المولوتوف، ما وصف بكونه مجزرة "المنصة" أو "النصب التذكاري"، لقي خلالها ما يناهز 200 شخص حتفهم، فيما أصيب حوالي 4500 من المعتصمين، من أنصار مرسي، بميدان "رابعة العدوية".
اظهار أخبار متعلقة
ونظرا لرفض العديد من أسر المعتقلين الحديث للإعلام خوفا على أنفسهم وأبنائهم من البطش الأمني، أو الزج بهم في قضايا أمنية خطيرة، جاءت ردود فعل بعض أسر المعتقلين المحكومين بالإعدام في الحكم الأخير، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبرت عنها زوجاتهم وبناتهم.
"زوجة البلتاجي"
قالت السيدة سناء عبد الجواد، عبر "فيسبوك": "البلتاجي (61 عاما) الذي قُتلت ابنته الوحيدة في رابعة، صدر الحكم الثاني بالإعدام عليه في دولة الظلم والجور".
وقبل أيام، قالت إن "ما يحدث مع زوجي وابني (أنس اعتقل في سن 19 عاما وهو الآن 31 عاما) وكثير من المعتقلين ولمدة تزيد على 10 سنوات، هو تعمد لقهرهم وكسر إرادتهم وتدمير معنوياتهم"، مشيرة لوضعهما في حبس انفرادي دون رعاية طبية أو دواء.
وهو، محمد محمد إبراهيم البلتاجي، المولود عام 1963، بكفر الدوار بمحافظة البحيرة غرب الدلتا، سادس الجمهورية بالثانوية الأزهرية عام 1981، وأول دفعته بكلية طب الأزهر 3 سنوات.
ترأس اتحاد طلاب كلية طب الأزهر واتحاد طلاب جامعة الأزهر أعوام 1985، و1986، و1987، وتخرج عام 1988، وحصل على درجة الدكتوراه في تخصص الأنف والأذن عام 2001.
كان أول ظهور له في العمل السياسي عندما فاز بعضوية مجلس الشعب عام 2005، عن دائرة شبرا الخيمة الشعبية شمال القاهرة، وهو المقعد الذي فاز به ثانية عام 2012، وارتبط اسمه بقضايا جماهيرية مثل "عبارة السلام" 1998، وانفلونزا الطيور، ورغيف الخبز، بجانب ملف الحريات.
مثّل الإخوان المسلمين في تأسيس "الجمعية الوطنية للتغير"، في شباط/ فبراير 2010، وكان له دور لافت في التوافق مع التيارات السياسية الأخرى، وهو ما جعل منه قيادة بارزة في ثورة يناير 2011.
وُجهت للبلتاجي تهم التحريض على القتل في عدة محافظات وصدر ضده حكم بالإعدام بتهمة اقتحام سجن "وادي النطرون"، وبلغ عدد الأحكام الصادرة ضده نحو 219 سنة سجنا في 12 قضية، فيما فر باقي أولاده (عمار وخالد وحسام) وزوجته السيدة سناء عبد الجواد، إلى تركيا هربا من مصير مماثل لمصيره.
"زوجة أسامة ياسين"
الدكتورة شيرين العزب، وهي زوجة وزير الشباب المصري الأسبق، أسامة ياسين، (60 عاما) والمعتقل منذ آب/ أغسطس 2013، والمحكوم بالإعدام الأول في أيلول/ سبتمبر 2018، تحدثت عن جزاء الصابرين، وقالت عبر تدوينة لها، على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "للمرة الثانية يتم تصديق الحكم بالإعدام على زوجي.. ".
وهو: أسامة ياسين عبدالوهاب، استشاري طب الأطفال والقيادي بالإخوان المسلمين، وعضو الهيئة العليا بحزب "الحرية والعدالة"، ورئيس لجنة الشباب بمجلس الشعب عام 2012، ووزير الشباب، هشام قنديل بعهد الرئيس مرسي.
"نجلة صفوت حجازي"
ثالث تعليقات أسر المعتقلين جاءت على لسان مريم صفوت حجازي، التي نشرت صورة لوالدها مرتديا بدلة الإعدام الحمراء بحالة بدنية يرثى لها جالسا بقاعة المحكمة، قائلة: إنهم منذ العام 2019، لم يروا والدها، مؤكدة أنه صار رجلا عجوزا لا يستغني عن العكاز، مبينة أن هذا الحكم بالإعدام هو الثاني بحق والدها بعد حكم إعدام قضية "فض رابعة" في 2022.