هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طرحت عبر صحيفة "عربي21"، أواخر شهر نيسان/ أبريل الماضي، مبادرة تهدف إلى إشاعة السلم المجتمعي في الأمة ومكوناتها. وهي مبادرة لإحلال السلم المجتمعي في الأمة كلها، بدءا بمصر باعتبارها أكبر الدول وباعتبار مكانتها. والمشروع مصالحة وطنية حقيقية تحقق مشاركة سياسية للجميع، باستثناء أهل العنف والارهاب، فلهم مشروع آخر.
ولهذا، فإن المبادرة لا تنتهي، وليست محدودة المدة ولا المكان؛ لأن السلم المجتمعي بهذا المعنى مطلوب في أكثر من بلد في الأمة العربية والإسلامية.
وتقدم المبادرة مصر والأمة للعالم في صورة إيجابية، وتخرس ألسنة المنظمات الحقوقية والمدنية في العالم التي تفتري على مصر وجميع الدول العربية.
والوساطة نحو السلام الاجتماعي الواجب القيام بها في مصر، يمكن أن تشكل مدخلا لإعادة الهدوء إلى مصر خاصة والمنطقة عموما، وفتح أبواب التعايش بين الفرقاء السياسيين على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة.
وتحث هذه المبادرة على القضاء على الفساد والتخلف والإرهاب والتطرف والتشدد في مصر والأمة كلها، بل والكراهية والحقد والتباغض والتحاسد، حتى يمكن إنقاذ الوطن والأمة من الصراع الداخلي، ومواجهة العدو الحقيقي لا المتوهم. والعدو الحقيقي هو الصهيونية والهيمنة، وخصوصا الغربية، والإرهاب. العدو المتوهم حاليا - هربا من العدو الحقيقي - هو للأسف الشديد "تركيا، وقطر، وإيران، وحماس، والإخوان".
وهناك أخطاء كارثية تحتاج إلى علاج عند الجميع، ولكنها لا ترقى لدرجة العداوة للأشقاء، ولا مكونات الأمة كلها. وللأسف، ليس هناك أمة تتهم نفسها بالإرهاب والعداوة مثلنا.
وندعو لضرورة وجود رؤية متكاملة لإصلاح الوضع المتأزم في مصر والأمة، إذ لا يمكن النظر لمصر باعتبارها منفصلة عن العالم العربي والإسلامي. فالتفاعلات والصراعات والحروب التي تحدث في اليمن وسوريا وليبيا والصومال وغيرها من الدول العربية؛ تنعكس على مصر وتؤثر على القضايا كلها، وفي مقدمتها القضية المركزية وهي قضية فلسطين.
وتهدف المبادرة أيضا للخروج من الفتن، وخصوصا المذهبية والطائفية والعرقية، وتنشيط دور الحكماء في الأمة والاستفادة من خبراتهم في بناء المستقبل. وهذا من أهم جوانب استثمار أهم الثروات، وهي القوى البشرية.
وهكذا تفعل وفعلت الدول التي تقدمت، ومنها أمريكا وأوروبا، ولكنها تستنزف تلك الثروة البشرية من دول العالم الثالث التي لا تستفيد من ثرواتها البشرية. والمبادرة محاولة لتقليل الاعتماد على الغرب والمنظمات التي تنحاز ضد الأمة في الصراع المفروض علينا، أيضا في إيجاد الحلول ومبعوثي السلام من أنفسنا، والانتقال إلى البناء والتنمية، وإحلال الحوار محل الحروب والصراع.
ومع كثرة التحديات، وزيادة العقبات والضغوط والقضايا التي تحملها الأمة على كتفها (إذ لم تعد قضية فلسطين وحدها كما كان الوضع في سنة 1948، بل هناك اليوم العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وغيرهم)، فلا بد من الخروج من الصراع، والتوجه نحو شيوع السلم المجتمعي في الأمة، وتوفير الضرورات، عملا بقوله تعالى: "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ". والشروع في بناء مستقبل يليق بالأمة العظيمة؛ أمة الحضارات الكبيرة "وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ". والمستقبل عندنا يجب أن يكون إلى يوم القيامة، وليس فقط مئة أو مئتي سنة. وهكذا، فلا يمكن القول بأن المبادرة قد انتهتـ وإن تأجل النظر أو الاهتمام بها في وقت من الأوقات.
المؤتمر الأول لمجلس الحكماء
كان من المخطط أن يكون اللقاء الأول لمجلس الحكماء بعد اجتماع المؤتمر القومي العربي في بيروت قبل أربعة أشهر، ولكن التخطيط لم يصادف تنفيذا آنذاك. وتم الاتفاق مع أعضاء المجلس المرشحين للمجلس من لبنان؛ أن يرتبوا للاجتماع في الوقت المناسب، وقد كانت ظروف لبنان السياسية غير مناسبة في الشهرين الأخيرين بسبب تشكيل الحكومة الجديدة. وإن شاء الله تعالى يتم الترتيب لذلك قريبا.
ونأسف لأننا فقدنا اثنين من أفضل المرشحين لمجلس الحكماء، وهما المشير سوار الذهب والدكتور إسحاق الفرحان، رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
اتصالات بشأن المبادرة
كل يوم هناك اتصالات من جهات كثيرة داخل مصر وخارجها، إما للدعم والثناء على المبادرة أو للسؤال عن خطوات العمل والتنفيذ المستقبلي، مما يدل على الاهتمام الكبير من المخلصين في الأمة على المبادرة والدعاء بنجاحها.
ولكنني لم أتلق أي اتصالات مباشرة من النظام المصري بشأن المبادرة؛ لأن النظام المصري للأسف الشديد قد فهم المبادرة على أنها مصالحة للنظام مع الإخوان فحسب، ولذلك حظيت المبادرة بهجوم كبير من إعلام النظام؛ لسوء الفهم وضعف الادراك واشتداد الصراع ونقص العقل والحكمة.
أجواء المبادرة وتصريحات السيسي
ما قاله الرئيس السيسي بهذا الخصوص تجاه المبادرة؛ متنوع حسب الظروف، حيث قال في بيانه أمام مجلس الشعب يوم 2 حزيران/ يونيو ما يلى:
"إن مصر العظيمة الكبيرة تسعنا جميعا بكل تنوعاتنا وبكل ثرائنا الحضاري. وإيمانا منى بأن كل اختلاف هو قوة مضافة إلينا وإلى أمتنا، فإنني أؤكد لكم أن قبول الآخر وخلق مساحات مشتركة فيما بيننا سيكون شاغلي الأكبر لتحقيق التوافق والسلام المجتمعي، وتحقيق تنمية سياسية حقيقية بجانب ما حققناه من تنمية اقتصادية. ولن أستثنى من تلك المساحات المشتركة إلا من اختار العنف والإرهاب والفكر المتطرف سبيلا لفرض إرادته وسطوتهـ وغير ذلك فمصر للجميـع وأنا رئيس لكل المصريين من اتفق معي أو من اختلف. كما ستمضي الدولة المصرية قدما وبثبات نحو تعزيز علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية، في إطار من الشراكات وتبادل المصالح، دون الانزلاق إلى نزاعات أو صراعات لا طائل منها".
أقول: هكذا تحدث السيسي في تلك المناسبة. وأقول الآتي ردا على التساؤل حاليا:
وينبغي أن ترك جانبا الآن موضوع الإخوان في مصر، وهل يكون لهم دور في المستقبل أم لا؟ في أيام السيسي أو بعده؟ المبادرة لا تقتصر على هذا الأمر، والإخوان عليهم دراسة هذا الموضوع بجدية، واتخاذ خطوات عملية لمستقبل الإخوان والدور الذي يجب أن يقوموا به في المستقبل، والوضع الذي يقبله الشعب كذلك، وليس النظام فقط، فالأنظمة تتغير من حين لآخر.
ونظام السيسي لم يسمح للإخوان ولا لغير الاخوان بأي دور في مصر، ولكن المستقبل ليس محصورا في فترة حكم السيسي مهما طالت. مستقبل مصر أكبر بكثير، ولا يقتصر على أسماء أو جماعات بعينها. العالم يتغير، ويجب أن يتطور الفكر الاستراتيجي عند الجميع، وإلا بقي التخلف والاستبداد، بل والإرهاب والصراع.
الشعب والنظام والمصالحة
هناك انقسام وتباين واضح بين جزء من النظام والشعب، فالشعب يريد الاستقرار والعيش والحريات والعدالة والكرامة، ولكن النظام يسير في طريق السيطرة والتحكم والهيمنة والاستبداد وكتم الحريات، وكل ذلك مخالف للدستور وأهداف ثورة يناير.
كما أن كثرة المبادرات، حتى التي تدعو للمصالحة مع الإخوان، دليل على الاحساس الشعبي بعمق المشكلة، وضرورة حلها في ضوء المادة (241) من الدستور؛ التي تقول: "يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية".
والبند الأخير من بيان 3 تموز/ يوليو ينص على: "تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات".
هذه المواد أهملها النظام، وهي ليست من وضع المعارضة ولا الإخوان، بل النظام. واحترام الدستور واجب، ويجب على النظام السعي للتطبيق، وهذا من أهم واجبات مجلس النواب، ومن مسؤوليات الجهات القضائية المعنية.
والأمل قائم بأذن الله تعالى أن تنجح المبادرة؛ حتى تستقر الاوضاع في الامة كلها، ولا نرى على الأقل حوادث أو أحداث أو جرائم بشعة مثل التي رأيناها في القنصلية السعودية في تركيا مؤخرا. مبادرة السلم المجتمعي تحاصر كل هذه الجرائم والخروقات للدساتير والقوانين، وتدعو إلى بناء مجتمع متقدم ومتحضر وإنساني؛ قد يكون النموذج الذي تحتاج إليه البشرية حاليا ومستقبلا.
وللحديث صلة وبالله التوفيق...