هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كيف نفسر وكيف نقرأ الزيارات المتتالية لنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية رمطان لعمامرة لروسيا ولعدة دول أوروبية؟ ففي الوقت الذي يطالب فيه الملايين من الجزائريين النظام بالرحيل يصر الرئيس بوتفليقة ورجالاته على تمرير مخططه للمرحلة الانتقالية على المستوى الدولي والحصول على الدعم اللازم من قبل الدول الكبرى.
فالجميع هذه الأيام في الجزائر يزكي مطالب الشارع الجزائري ويثني على سلمية المسيرات، على رأس المعجبين بالمسيرات قائد أركان القوات المسلحة أحمد قايد صالح وكذلك أحزاب الموالاة ومعظم الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.
في أرض الواقع ومع الأسف الشديد، ما زالت دار لقمان على حالها وما حدث هو التفاف الرئيس بوتفليقة على مطالب الشعب وتمسكه بالمخطط الذي رسمه للإشراف على المرحلة الانتقالية والندوة الوطنية وتعديل الدستور وانتخاب الرئيس الذي سيخلفه. ما يعني أن الشارع الجزائري وكل من أثنى على مطالبه مطالبون بضرورة التفكير في المرحلة القادمة وفي التحدي الكبير الذي ينتظر الجميع. فإلى حد الساعة لم تستطع المسيرات والشارع الجزائري من التخلص من الرئيس بوتفليقة، وانسحابه وتخليه عن العهدة الخامسة لا يعني شيئا، ما دام أنه ما زال في السلطة وينوي الاستمرار في سدة الحكم حتى بعد نهاية ولايته يوم 28 أبريل 2019. فرسالة الرئيس نفسه وكذلك تصريحات رمطان لعمامرة تؤكد نية الرئيس في الاستمرار في الحكم. ما يعني أن هناك انسدادا في الأزمة الجزائرية وكل طرف متشبث بمطالبه وأهدافه. فالمسيرات ستستمر جمعة تلو الأخرى والرئيس يصر على تمديد العهدة الرابعة لأجل غير مسمى.
المتأمل والقارئ لما يحدث في الجزائر هذه الأيام وبدون أدنى شك يلاحظ أن هناك تعنتا غير مبرر من قبل الرئيس بوتفليقة وعدم استجابته وتفاعله بطريقة حضرية مع مطالب الشعب الجزائري. فالمسيرات كانت سلمية وحضرية والمطالب كانت مشروعة ومنطقية. فالمسيرات انطلقت في جميع ولايات ومدن الجزائر وشارك فيها الجميع. مع الأسف الشديد، ما زالت السلطة في الجزائر متشبثة بموقفها من الأزمة وبطريقتها في التعامل معها. وفي لغة إدارة الأزمات يقال إنه كلما تأخرت عملية حل الأزمة كلما تفاقمت الأزمة وأصبحت أكثر تعقيدا. فبكل بساطة هناك تماطلا وتعنتا وانسداد في الأزمة الجزائرية وبعد شهر من مسيرات سلمية وحضرية نلاحظ حوار طرشان وعدم التفاعل الإيجابي من قبل السلطة مع ملايين الجزائريين.
بعد شهر من المسيرات في جميع ربوع الجزائر من قبل ملايين الجزائريين من كل المشارب والأطياف، رجالا ونساء، شبابا وكهولا وعبر أربع جمعات متتالية شارك أطباء وصيادلة وصحفيون ومحامون وأساتذة جامعيون وأساتذة التعليم الثانوي وعمال البترول والغاز والطلبة الجامعيون وأئمة المساجد ومتقاعدي الجيش والمجاهدين والتجار والحرفيون والقضاة ...الخ مطالبين بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة وتغيير النظام، لا استجابة ولا حوار جاد من قبل السلطة. السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام، هل أستجاب الرئيس بوتفليقة لمطالب ملايين الجزائريين وهل أدرك أنه لا يقدر على إدارة شؤون البلاد بسبب مرضه وسنه، حسب كلامه، وهل أقتنع أن مطالب ملايين الجزائريين مشروعة ومنطقية ومعقولة كسلمية المسيرات.
مع الأسف الشديد، وبعد نزول الملايين إلى الشارع ما زال الرئيس بوتفليقة يظن أنه هو الوحيد الذي يستطيع تسيير الفترة الانتقالية وتحضير الندوة الوطنية وتعديل الدستور ووضع قانون انتخابات جديد. ما قام به بوتفليقة يعتبر مناورة مدروسة بطريقة جيدة للالتفاف على مطالب الشعب، فبكل دهاء قام الرئيس بإلغاء العهدة الخامسة وتمديد العهدة الرابعة مخترقا بذلك الدستور الذي لا يسمح له بإلغاء الانتخابات الرئاسية وتمديد عهدته الرئاسية.
الاختراق الأخر يتمثل في تعيين ولأول مرة في تاريخ الجزائر نائب للوزير الأول. فبعد شهر من المسيرات تحدى الرئيس بوتفليقة الجزائريين، وإلى حد الآن لم يصرح أنه سيرحل بعد انتهاء عهدته الرابعة في 28 أبريل 2019. ففي آخر رسالة له يوم 19 مارس بمناسبة عيد النصر أكد بوتفليقة ضمنيا أنه سيشرف على الندوة الوطنية وتنظيم الاستحقاقات الرئاسية القادمة، ما يعني أن الرئيس لم يستجب لأي من مطالب الملايين التي خرجت إلى الشارع خلال شهر كامل وحتى التخلي عن العهدة الخامسة عوضه بتمديد الرابعة وإلى حد كتابة هذا السطور لم يحدد بوتفليقة متى يترك الرئاسة.
فبعد إعلانه عن عدم ترشحه للعهدة الخامسة قام الرئيس بوتفليقة بإجراءات مخالفة للدستور. فالاختراق الأول تمثل في تعين وزارة أولى برأسين، كما كلف رمطان لعمامرة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بتسويق مشروعه للشركاء الأساسيين للجزائر والحصول على دعمهم. من جهة أخرى كلف الرئيس بوتفليقة الأخضر الإبراهيمي دون تكليف بـ “مهمة" لإجراء مشاورات مع "ممثلي المحتجين" للترويج لما يعتقد أنها "خريطة طريق" لإنقاذ حكم الرئيس بوتفليقة. كما كلف نور الدين بدوى بالإشراف على حوارات ونقاشات واسعة مع القوى السياسية الفاعلة في البلاد الأمر الذي فشل فيه تماما بسبب رفض النقابات والأحزاب المشاركة في الحوار معه. كل هذا يعني أن الرئيس في اتجاه والشارع الجزائري في اتجاه آخر.
فحتى أحزاب الموالاة التي كانت تمدحه وتسبح له والتي أصرت على ترشيحه لعهدة خامسة نال منها التفكك والتصدع وأعلنت على الملاء مساندتها للشارع ومطالبه ما يعني أنه بعد أيام وبضعة أسابيع سيجد الرئيس نفسه معزولا ولا يجد من يسانده سوى حفنة من الانتهازيين المقربين منه وهؤلاء سيتركونه عندما ينفذ الصبر وعندما تتخلى عنه المؤسسة العسكرية مع مرور الزمن. المرحلة الحساسة التي تعيشها الجزائر كشفت عن نفاق سياسي واجتماعي منظم في أحزاب الموالاة.
فحزب التجمع الديمقراطي كان قبل شهر يتغنى بمحاسن بوتفليقة ويؤكد على ترشيحه لعهدة خامسة وأنه الشخص الوحيد المؤهل بخبرته وحنكته لتسيير شؤون البلاد والعباد. ثم يأتي أحمد أويحي، الأمين العام للحزب ورئيس الوزراء السابق ويصرح "الاستجابة لمطالب المتظاهرين في أقرب وقت لتجنيب الجزائر الانزلاق". وقبل أيام يأتي رئيس هذا الحزب ويصرح أنه "يجب احترام مطالب الشارع". نفس التصرف عبر عنه بوشارب المنسق العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي صرح في الثالث من مارس أن الرئيس بوتفليقة أرسله الله رسولا ليحكم الجزائريين، وفي تجمع ضخم أعلن عن العهدة الخامسة للرئيس وصرح العديد من مسؤولي الحزب أن صحة الرئيس ممتازة وهو القادر على قيادة السفينة إلى بر الأمان.
والسؤال الذي ينتظر معظم الجزائريين الإجابة عنه هو متى يعلن الجيش موقفه من الأزمة ومتى يجسد في أرض الواقع موقفه الذي أعلن عنه في عدة مناسبات وهو أنه يساند مطالب الشارع وأنه يتقاسم نفس التوجه مع الشارع، لكن إلى حد الساعة ما زالت المؤسسة العسكرية لم تعلن للجزائريين هل هي مع الشعب أم مع الرئيس.
والمؤكد أنها إلى حد الساعة مع الرئيس بوتفليقة.
عن صحيفة الشرق القطرية