هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم مرور سبع سنوات على أسوأ
مجزرة بشرية في تاريخ الشعب المصري من قبل قوات الجيش والشرطة فيما عرف بمجزرة فض
اعتصام رابعة العدوية بالقاهرة، تظل هناك أسرار وخفايا لم يكشف عنها حتى الآن
تتعلق بضحايا المجزرة، وأسئلة بلا إجابات.
هذه الأسئلة من قبيل العدد
الحقيقي لضحايا المجزرة، وسر اختفاء عشرات الجثث، وأماكن اختفاء العديد من
المعتقلين قسرا، وأسئلة أخرى تتعلق بمصائر مئات المعتقلين المحبوسين على ذمة قضية
فض اعتصام رابعة، التي ضمت 739 شخصا بينهم المئات من قيادات الإخوان المسلمين
والمؤيدين لهم، في حين ظل المسؤولون عن مذبحة رابعة بمنأى عن أي مساءلة قانونية.
في الثامن من أيلول/ سبتمبر
2018، وفي حكم قضائي غير مسبوق، أصدر القضاء المصري أحكاما بالإعدام شنقا على 75
متهما من بينهم الدكتور عصام العريان، والدكتور عبد الرحمن البر، والدكتور محمد
البلتاجي، ومعاقبة 47 متهما، بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد
بديع، والدكتور باسم عودة، وعصام سلطان بالسجن المؤبد 25 عاما.
كما أصدر القضاء أحكاما على 374
متهما بالسجن المشدد 15 سنة وعلى أسامة محمد مرسي، أحد أبناء الرئيس المصري الراحل
محمد مرسي، بالسجن المشدد عشر سنوات، وعلى 22 متهما حدثا بالسجن عشر سنوات،
وأحكاما على 215 متهما بالسجن المشدد خمس سنوات.
اقرأ أيضا: أحكام رابعة.. هكذا قضاء العسكر (انفوغراف)
في 7 تشرين الأول/ أكتوبر
المقبل، ستصدر محكمة جنايات القاهرة أحكامها النهائية في إعادة إجراءات محاكمة 84
متهما في قضية فض اعتصام رابعة.
"اختلفت الأرقام والجريمة
واحدة"
اختلفت التقديرات في عدد ضحايا
مجزرة رابعة وتراوحت بين 3000 وآلاف الجرحى وفق تصريحات قيادات بالاعتصام، و2600
وفق تحالف دعم الشرعية، و670 بحسب وزارة الصحة المصرية، وأكثر من ألف شخص، وفق منظمة
هيومن رايتس ووتش، لكن تظل الجريمة مكتملة الأركان أيّا كان العدد، وفق أهالي
الضحايا وحقوقيين.
اقرأ أيضا: أرقام في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية بمصر (إنفوغرافيك)
تقول منظمة هيومن رايتس ووتش،
في تقرير لها، "أخفقت السلطات في محاسبة ولو فرد واحد من أفراد الشرطة أو
الجيش ذوي الرتب المنخفضة على أي من وقائع القتل، ناهيك عن أي مسؤول من الذين
أمروا بها، كما تواصل قمع المعارضة بوحشية".
النظام ذهب إلى أبعد من ذلك،
ففي 4 تموز/ يوليو 2018، وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون يمنح حصانة
قضائية لعسكريين في أثناء فترة تعطيل الدستور، التي أعقبت الانقلاب على الرئيس الراحل
محمد مرسي في عام 2013، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
بل كافأهم على "جرائمهم"،
حيث منح القانون هؤلاء الضباط مزايا، أبرزها "جميع المزايا والحقوق المقررة
للوزراء في الحكومة"، وكذلك "الحصانات الخاصة المقررة لرؤساء وأعضاء
البعثات الدبلوماسية" في أثناء سفرهم خارج البلاد.
مقطع فيديو لمنظمة هيومن رايتس
ووتش، يوضح الأحداث في أثناء تلاحقها بميدان رابعة يوم 14 آب/ أغسطس، بما فيه شهادات
حية من الشهود والضحايا.
"أهوال
معتقلي رابعة وذويهم"
تنوعت معاناة المعتقلين الذين
ألقي القبض عليهم خلال خروجهم، ما يسمى بالممر الآمن ما بين الإضراب عن الطعام
احتجاجا على اعتقالهم، ومعاملتهم بشكل سيئ، والمنع من الزيارة، وحرمانهم من
الدواء، والحبس الانفرادي والتعذيب والتحرش الجنسي بذويهم.
كشفت زوجات المعتقلين وبناتهم،
عبر صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تعرضهن لتفتيش ذاتي من قبل
مسؤولات الأمن قبيل دخولهن إلى قاعة المحاكمة، إلا أنهن وصفن ذلك التفتيش بـ
"التحرش الجنسي والاعتداء المتعمد" عليهن.
وفي كانون الثاني/ يناير 2014،
أعلن المعتقلون، أكثر من 700 معتقل، دخولهم في إضراب تام إلى أن يطلق سراحهم.
وعن معاناتهم داخل سجن طرة
بالقاهرة، كشفت ضحى نجلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، جانبا
من حجم "المأساة" التي يعيشها والدها الشيخ منذ سبع سنوات، ما بين حبس
انفرادي، ومنع من الزيارات.
"أول
مقتلة للمرأة في عهد العسكر"
في هذه الأيام، يستذكر أحمد
عبدالعزيز، مستشار الرئيس الراحل محمد مرسي، لحظات عصيبة فقد فيها روحا نفيسة
وغالية، هي نجلته حبيبة، التي درست الصحافة في الجامعة الأمريكية بالشارقة، وتخرجت
عام 2009، وعملت في صحيفة جلف نيوز الإماراتية.
يقول والدها في تصريح
لـ"عربي21"،: "حصلت حبيبة على إجازة من عملها بشق الأنفس؛ لتشارك
المعتصمين السلميين في رابعة اعتصامهم الذي أقيم للتنديد بالانقلاب العسكري على
الرئيس المنتخب، والمطالبة بعودة الشرعية. كانت نشطة في المركز الإعلامي؛ فكانت
تستقبل الزوار الأجانب وتشرح لهم أبعاد القضية، كما كانت تقوم بالترجمة.. كانت في
الصفوف الأمامية دائما، كلما تحرشت قوات الانقلاب بالمعتصمين".
وأضاف: "مكثت في الاعتصام
نحو أسبوعين، وفي صباح 14 آب/ أغسطس بدأ الهجوم المسلح على المعتصمين، فكانت في
الصفوف الأولى من جهة طيبة مول، نقلت السويعات الأولى من وقائع المجزرة بكاميرا بث
مباشر، في الأثناء تلقت تحذيرا من أحد القناصين (مشيرا لها بيده) بضرورة مغادرة المكان،
وإلا سوف يطلق عليها النار، فرفضت المغادرة، واستمرت في التصوير، فعاجلها برصاصة
في الصدر، مزقت القلب، وهشمت عظام القفص الصدري، وخرجت من أسفل الظهر، حسب تقرير
الطب الشرعي".
وتابع: "مكثت ليلتها في
مشرحة زينهم بالقاهرة، وفي اليوم التالي، نُقل جثمانها إلى قرية كفر حمام
بالمنوفية، مسقط رأس أبيها، وهناك تم زفافها بالزغاريد، عملا بوصيتها لأمها".
"مقتلة غير متوقعة"
أحد شهود العيان، وهو رئيس لجنة
حقوق الإنسان في مجلس الشورى المصري السابق، عز الكومي، وصف ما جرى بأنها مقتلة
غير متوقعة، قائلا: "المقتلة التي ارتكبتها قوات الأمن بمساندة من قوات الجيش، لم تكن متوقعة لدى قطاع عريض من المعتصمين؛ نظرا لدور الجيش سابقا في حماية
المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير 2011، خاصة أن المعتصمين كانوا سلميين، رغم المجازر
الأخرى التي سبقت الفض كمجزرتي دار الحرس الجمهوري، والمنصة".
وبشأن مزاعم الإعلام المصري بأن
الاعتصام كان مسلحا، أكد في حديثه لـ"عربي21": "المزاعم بوجود
أسلحة كلام غير منطقي، روج لها الإعلام دون دليل"، متسائلا: "لماذا لم
يتم عرض هذه الأسلحة، ولم تثبتها منظمات حقوق الإنسان التي وثقت ما جرى؟".
"ثلاثمئة
لم ينجُ منهم إلا ثلاثة"
أحد المعتقلين السابقين، ويدعى
علي نجاح، روى لـ"عربي21" ما جرى له بالقول: "تم اعتقالي من داخل
مقر الاعتصام برابعة العدوية، وكنت حينها خلف مستشفى التأمين الصحي، كان القتل في
كل مكان، كنا نحو ثلاثمئة شخص لم يخرج منا حيا إلا ثلاثة أشخاص فقط، وتم اعتقال
اثنين منهم، والثالث لم نره بعد ذلك، فقدت الكثير من أصدقائي في أثناء الفض، وحتى في أثناء السجن (السجن العسكري)، وتحولنا إلى مجرمين وليس ضحايا".
وأضاف: "حجم الانتهاكات لم
يتوقف منذ القبض علينا وحتى نقلنا لسجن التجمع الخامس، وجرى تعذيبنا بشكل ممنهج،
وكنا أمام السجن العسكري في أثناء الاعتداء على سيارة الترحيلات التي راح ضحيتها 37
شخصا ماتوا اختناقا وحرقا، ووجهت لنا النيابة اتهامات غير حقيقية كاتهامات بالقتل
ونحن الضحايا، وتم تجديد حبسنا لمرات عديدة، حتى إن أحد القضاة أبلغنا أننا أبرياء
وقال بالحرف (اعتبروا أنفسكم أسرى حرب الآن)".
وتابع: "قضيت 11 شهرا في
السجن، وخرجت ليبدأ فصل جديد من الملاحقات والمداهمات والمضايقات الأمنية، حيث
داهمت قوات الأمن منزلي أكثر من مرة، وحاولوا اعتقالي يوم زفافي، وتحطيم محتويات
المنزل أكثر من مرة، ولكن فلت من قبضتهم حتى خرجت خارج مصر".
"الجرائم
والانتهاكات مستمرة"
القيادي بجماعة الإخوان
المسلمين، أشرف عبد الغفار، استبعد في حديثه لـ"عربي21" أن ينعم قائد
الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، بالأمان طويلا، وأن يفلت بجرائمه، قائلا:
"لن تسقط جرائم السيسي بالتقادم، وستوجه أصابع الاتهام إلى كل من شارك أو أيّد
هذه المجازر، ثم سيحاسبون عليها عندما يُرفع عنهم غطاء الحماية سواء الدولي أو
الداخلي".
لافتا إلى أن "جرائم
السيسي في حق المصريين لم تنتهِ، ولا يزال ينكل بعشرات الآلاف من المعتقلين داخل
السجون، وبملايين المصريين في سجن مفتوح يقوم هو وزبانيته من قوات الجيش والشرطة
بحراسته، لا يزال السيسي في غيه ولا يزال عقابه ينتظره ولو بعد حين، ولكم في
القصاص حياة يا أولي الألباب، وما الله بظلام للعبيد حتى يترك الجناة
يفلتون".